الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب الرحلات - يوم فتحت باب القفص

عبد الله صديق

2013 / 6 / 6
الادب والفن


يوم فتحت باب القفص
-تذكرين؟
-ماذا؟
-عندما حدثتك عن العصافير التي تجتمع فوق شجرة الليمون في الحديقة الخلفية للبيت .. كان صوتها ينتقل إلى مسامعك ذات حديث هاتفي من أحاديث اليوم الثامن.
سألتني هل أملك عصفورا في البيت .. أجبتكِ بالنفي .. كان سؤالك قد ذكرني بعصفور كنت أطلقت سراحه .. و لمدة طويلة ظل باب القفص المفتوح مشهداً يملؤني بشعور جميل .. كان مشهداً يوحي لناظره أن العصفور قد تحرر للتو ، و يمكن العثور عليه في مكان قريب .. لم تضيعي الفرصة لإشعاري بخوف كنت قد جربته و ظل يتكرر عندي .. خوف على العصفور و هو في الطبيعة.
-عصفور نشأ في القفص لن يقاوم ساعة في الخارج ..
ولكني كنت أعزي نفسي بالقول :
- صحيح .. قد تكون حياته في الطبيعة قاسية أو مهددة أكثر مما كان في القفص ، لكنها –أي الطبيعة- أمه التي انتزع منها .. و عودته إليها صورة من صور العدالة .. حتى لو كانت عودته إليها تعني حتفه.
كنت بهذا القول أستعيد شعوري الأول الجميل !!
صوت العصافير في الصباح صار بالنسبة إلي إدماناً
حين كنت أعد حقائبي إلى الرباط أول مرة للإقامة هناك أشهراً .. خامرني شعور بالارتياب المخيف: هل سأجد عصافير هناك؟
- بالطبع .. العصافير في كل مكان ، لأن السماء في كل مكان !!
- أقصد، هل ستتاح لي فرصة سماع أصواتها عند كل صباح ؟؟

و كان أن نزلت بالرباط .. في زحمة المشاغل اليومية (البحث عن مكان للإقامة و أشياء أخرى...) وجدتني قد نسيت الأمر .. حين اكتريت شقة في عمارة أم كلثوم، لم أحاول بالطبع أن أشترط على صاحبها أن يضمن لي أصوات العصافير عند طلوع كل صباح! وفكرت أني لو كنت فعلت ، لكان سيكفيه أن يذكرني بالاسم الذي تحمله العمارة (اسم عصفورة آدمية خالدة تغرد أفضل من كل عصافير الدنيا).
عند طلوع شمس أول صباح لي في الشقة .. فتحت عيناي .. فيما كانت أذناي تتلقيان سيلا من الأصوات .. أجل، إنها أصواتها!! .. فقد كانت نافذة الشقة تطل على غابة صغيرة في نهاية شارع الحسن الثاني .. والأجمل أنها كانت توقظني برقة، قبل أن يفعل القطار المتجه نحو الدار البيضاء بكل عنف.
وعندما كانت الطائرة تقلع من مطار الرباط ، و هي المرة الأولى التي أستقل فيها طائرة .. جربت أن أستلهم شعور العصافير بالطيران و هي تستسلم لسحر السماء .. مؤكد أنها تجربة فاشلة!! ربما أكثر فشلا من تجربة ابن فرناس .. مسكين ابن فرناس!!

في باريس صرت أنا العصفور .. عصفوراً مبللاً و مكسور الجناح .. كانت المواعيد محددة، و لم يكن هناك وقت للانتباه .. أو حتى لرفع البصر نحو مملكة العصافير المعلقة بالسماء..
و صار اليأس مضاعفا داخل القطار فائق السرعة في الرحلة نحو الجنوب.
لا مجال لأن ترى طيراً أو تسمعه .. فالقطار الذي كان ينهب الطريق نهبا كرصاصة بندقية لا يترك فرصة لك أو للطيور ..
في مدينة إكس أون بروفانس التي سأقضي فيها شهوراً ثلاثة .. كنت أقول لنفسي :
- التفكير في أصوات العصافير الصباحية ترف لا ينبغي أن أفكر فيه حتى ..!
الشخصان اللذان استقبلاني في المحطة ، قاداني إلى الأستديو الذي سأقيم فيه .. حمام .. مطبخ .. و جناح للنوم .. غادرا و بقيت وحدي .. فرشت أمتعتي و أخذت في اكتشاف المكان كأي عصفور غيَّرَ عشه .. بحثت عن نوافذ .. كان القصد أن أستطلع الأمكنة التي سأطل علها دائما .. نافذة أولى في الواجهة الأمامية للبناية ، تطل على قرميد أحد أسقف ملحقات البناية .. نافذة ثانية تطل على الواجهة الخلفية .. فتحتها .. شجرة سنديان و سطر من شجر السرو .. تبسمت .. رفعت عيني إلى السماء .. و شكرته.
.. كان علي أن أتقلب طويلا في الفراش قبل أن أستسلم للنوم .. فقد صارت عادة حين تضطرني الظروف إلى تغيير مخدتي ..
في الصباح ، أعددت فطوراً سريعاً .. فنجان قهوة .. و أول لفافة تبغ ..
و أصوات عصافير ..
نعم .. كانت أصوات عصافير!!
لم أكن قد انتبهت إليها إلا حين أوشكت سيجارتي على الاختفاء بين أصبعي .. فتحت النافذة فكانت السنديانة تقدم عرضا عصفورياً بامتياز .. و كأن الطبيعة كانت تقدم لي مقابلاً لمعروف قديم .. و تشكرني بطريقتها على إعادة ابن لها يوم فتحت باب القفص.


* الدخول في أعماق النفس أيضاً رحلة للوصول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص