الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس وأحلام سورية

فدوى درويش

2013 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



في الأشهر الأولى للثورة ساد بين السوريين فرز واضح بين موالاة ومعارضة واحتد ت النقاشات بينهم بصوت مرتفع. كان المعارضون في نشوتهم الأولى برياح الحرية التي هبت من تونس مرورا بمصر، حتى كانت المواجهات تصل إلى حدّ التجريح بالكلام والمقاطعة بين الأصدقاء والزملاء والأخوة ضمن البيت الواحد. حينها كان لكلّ طرف ذرائعه. المعارض المفعم بإيمانه أن لكل طاغية نهاية والمؤمن بمسيرة التاريخ التي لا تخذل الشعوب و مطروب بأشعار وشعارات عاش حياته يستقي منها تمجيد الحرية وحقوق الشعوب في العيش بكرامة وأن لحظة الحقيقة قد آنت. فالتاريخ يصحح مسيرته والجغرافيا كلها تستجيب لصرخة المظلومين. أمّا الموالون المخدرون منذ عقود بشعارات المقاومة ومحاربة الاستعمار والمخططات الامبريالية الصهيونية ضد الشعوب، والقابعون تحت نير الظلم والاستعباد بذلٍّ ساديّ يبرّرون كل أشكال القمع ضد أي فكر يخدش جبروت أسيادهم، هذه الفئة من البشر التي رضعت الخوف والرعب من كلّ "لا" حتى أصبح مرضا يهشّم أرواحهم من الداخل، يقضم ما تبقّى من ضمائرهم، والأهمّ من كل ذلك هو الرضا والقناعة بما كتب الله لنا بتبرير "ألا يكفينا آكلين وشاربين ونتمتع بالأمان والحمد لله..!!" مردّدين رواية النظام و مراهنين على أن التغيير سيجلب الويلات والدمار وبحكّام يعيدوننا إلى قاع التاريخ وأنّ أيّ محاولة للتغيير ستوقظ ضغائن دفينة فينا وسننهش لحوم بعضنا.
المهمّ في الموضوع برمّته هو أنّه كان ثمّة فسحة صغيرة يتبادل من خلالها السوريون بصوت منخفض كل هذه الأحلام والهواجس التي سرعان ما تحولت "فقط الهواجس" إلى حقيقة بقدرة نظام متجبّر أحسن إدارة الدفّة حيث تشتهي سفنه.
اليوم وبعد أكثر من عامين من أنهر الدماء التي تجري والخراب الذي أنهك أرواح السوريين، ماذا بعد؟
هل بقي شبر من الوطن يمكن أن يحتضن رأس سوري يحمل حلماً أو أملاً بالخلاص ويفكربأن هذه الهزيمة ما هي إلاّ كبوة من كبوات التاريخ ؟
الإجابة على هذا السؤال في ظل احتمالين أقف أمامهما : الأوّل هو الانتصار العسكري والسياسي للنظام والعودة إلى تمكين قبضته على الحكم وضخ الدماء إلى شرايينه من جديد ليعود مزهوّاً رافعاً راية النصر محتفياً بأنصاره ومؤيديه طبعاً بدعم وتشجيع دوليين وبتسوية مفروضة على المعارضة باسم جنيف2 في ظلّ تخلّي كلّ الأصدقاء والمؤيدين لشعارات الحرية وحقوق الشعوب والديمقراطية عن الثورة في سوريا. ومن مبدأ، الظالم حينما ينتصر يزداد جبروته وظلمه، سيزداد النظام جوراً وستبدأ المحاسبات لكل من لم يؤمن به وحاول التفكير بتغييره وستتحول سياسة كمّ الأفواه المتّبعة سابقاً إلى تحطيم الأفواه ويترقّى كلّ مؤيّد إلى درجة شبيح بامتياز ..
الاحتمال الثاني : أن تَصْدق رؤيا المعارضة و تنتصر بفرض إرادتها في إزاحة النظام وتشكيل حكومة ائتلافية "بضغوط من أصدقاء الشعب السوري وبتدخل أمريكي واقتناع روسي " وفي ظل هكذا معارضة مشتتة و مجزّأة سياسياً وعسكرياً ولكلّ طرفٍ أجنداته ويحاول أن يرضي ولي نعمته ستكون البلد أقرب إلى النموذج الصومالي وتصبح تحت سيطرة كتائب وألوية عسكرية متصارعة تشرّع لها بنادقها إلغاء كل من يعارضها ويصبح السياسيون بيادق تظلّل الانتهاكات بحق المواطنين. حينها لا المؤيد ولا المعارض"الثورجي" يكون لهما مكان من الإعراب، حيث ستكون الغلبة حينها فقط لصوت الرصاص.

للأسف هذا هو مستقبل المواطن السوري في سوريا المستقبل والذي يلوح في أفق كواليس اللقاءات الدولية والصفقات التي تُعقَد على جثث السوريين ودمائهم التي أصبحت في ميزان المصالح لا تساوي بعد شيئاً من الحرية والكرامة أسوة بشعوبهم.
الاحتمال الثالث: وغير الوارد في ظل الوقائع على الأرض، الاحتمال الموجود فقط في أحلام سوري لازال يؤمن بأنّه لا يصحّ في النهاية إلاّ الصحيح - في عالم كله مغالطات – وأن الثورة وان طال أمدها ستنتصر وتُنصِر مبادئها الإنسانية وستكون الغلبة لأصحاب الفكر الثوري المؤمنين بقدرة الإنسان على التغيير وستكون سورية دولة مدنية ديمقراطية يحكمها نظام يحقق العدالة الانتقالية ويقوم على المؤسسات ويؤمن بحقوق كل المكوّنات ويصون حقوق الإنسان ويؤمن بالمساواة ويصون الحريات ويرعى الاختلاف ويلغي أسباب الخلاف. ولا غلبة لأحد إلا بصناديق الاقتراع. سوريا لكلّ السوريين، تبعد الدين عن دهاليز السياسة وتعيده إلى دور العبادة معزّزاً مكرمّاً، سوريا تتجمّل بألوان الطيف وتمقت اللون الواحد. هذه سوريا يتمناها كلّ سوريّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام