الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟

منير شحود

2005 / 4 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تزداد وتيرة تفكك نظام الفساد الشمولي ويزداد تخبطه, وهو يرمي بثوابته على قارعة طريق انحداره نحو الهاوية, في الوقت الذي مازال يتمسك فيه بتلابيب سوريا – المزرعة, التي غنم منها ما غنم, وتحولت إلى ما يشبه هيكل عظمي. ولم تنفع كل محاولاته للتشبث بما لا يجدي نفعا لاستمرار الحال على ما هي عليه, مهما بذل منظرو ومتهافتو اللحظات الأخيرة من جهود غير مشكورة, لتجميل ما لا يمكن تجميله, وحجب شمس الحقيقة بغربال.
لقد استمر المدافعون عن النظام وحماته لوقت طويل في منح شهادات "الوطنية" لمن يناصرهم من جهة, وتهديد الآخرين بالويل والثبور وعظائم الأمور, وتخوينهم في وطنيتهم, من جهة ثانية, إن تجرأ هؤلاء على قول رأيهم في ما يحدث من حولهم, ولم يقدموا فروض الطاعة والولاء إلى أولي الأمر وسدنة النظام المتحكم.
واغتربت الوطنية الحقة التي تتأسس على انتماء الفرد إلى وطن هو أكثر من امتداد جغرافي, تتحقق فيه صيغة ما للتعاقد بين الفرد ومؤسسات المجتمع, أي الدولة, وتخدم فيه مختلف مستويات السلطة المنتخبة كحارس أمين لتنفيذ هذا العقد, من أجل تحقيق التناغم بين حقوق الفرد وواجباته.
فلم تتحقق يوما معادلة الحقوق والواجبات, نظرا لتثبيتها أكثر من أربعة عقود متواصلة بقوانين ضد القانون نفسه, بلا مبرر وطني حقيقي, باستثناء الفترات القصيرة وقت الحرب. وبالتالي فإن الحديث عن وطن غير وارد في هذه الحالة, فهو "وطن" استثنائي ضاق بأبنائه كزنزانة, وانكشف عن صيرورة خراب تفاعلت في ظل ادعاءات الثوابت الوطنية والقومية, والتي ظلت إطارا ضبابيا يخفي إفسادا وفسادا ممنهجين, إذ يجري توزيع النعم على من يوالي السلطات وينافقها. وتماهت هذه السلطات مع "وطن" رمَّزته وفصلته على مقاس مصالحها ومغانمها من كدح الرعية المؤطرة في الحزب الواحد وملحقاته, أو المهمشة كليا.
إن القطع مع البناء الشمولي السابق, وإعادة بناء الوطن السوري, أصبح مهمة ملحة وإنقاذية لكل وطني سوري لم يغرق في مستنقع الفساد والإفساد. وهذه المهمة كبيرة ونبيلة, لدرجة أن أي جهة, مهما علا شأنها, لا يمكن أن تنبري لها, ولو حسنت النوايا. والشعب السوري العريق لم تسنح له فرصة حقيقية لينعم بحريته ويكشف عن وطنيته الصلدة, في حين لم تكن تسمح الهيكليات السابقة, والمترنحة حاليا, سوى بتجلي ما هو مرضي وسطحي وانتهازي.
ولم تعد تكفي مقولات بعض المعارضين المتحدثين بثنائية الداخل والخارج العتيقة. ولا بد من إعادة صياغة مفهوم الوطنية, ليستجيب إلى ضرورات المحافظة على الكيان السوري المدني الحالي, وفتح آفاق تطوره الديمقراطي, وإخراجه من دوامة العصبيات المذهبية المعتمرة تحت السطح.
إن مصيبة سوريا هي في تكلس بناها السياسية الرسمية والمعارضة منذ حوالي نصف قرن, بحيث باتت هذه البنى خارج إطار التحولات الكبرى التي عصفت بالعالم مذاك, وما ترتَّب على هذه التحولات من مفاهيم جديدة, اجتماعية وسياسية, قلبت بعض المعايير رأسا على عقب. وإذا كانت بعض قوى المعارضة قد خطت خطوة مهمة إلى الأمام, فإنها مازالت تحاكي تلك الخطوات التي قامت بها السلطة لمحاولة التكيف مع العصر, وكأن الطرفين يتوكآن أحداهما على الآخر في مسيرة العجز والضعف. وهذا الوهن هو الذي سمح بنفوذ التأثير الخارجي وتعاظم دوره في دفع التغيير الداخلي في الاتجاه الذي يخدم مصالحه, والذي يمكن أن يتقاطع, لهذه الدرجة أو تلك, مع آمال الانفكاك من قبضة الاستبداد والركود, إن تمت عملية التفاعل مع هذا التأثير, عوضا عن الانزواء جانبا, أو الهرولة أمامه نحو السقوط المحتم.
ولا يمكن أن تستمر سوريا كما كانت قبل الانسحاب من لبنان, وكأن شيئا لم يكن. ولعل انكشاف الأمور على واقعيتها المريرة, والتي تتجاوز الحديث عن مجرد أخطاء, يحتم إجراء مراجعة شاملة للآليات التي تحكم سوريا, كما حكمت لبنان, وصولا إلى بلورة خطوط عريضة للانتقال بسوريا إلى مرحلة ديمقراطية سلمية. وبعدئذ, يمكن أن تقوم مع لبنان علاقات مصالح وقربى لا غنى عنها, تخلو من تلك المرارات التي كادت فيها مصالح مافيوية أن تطيح بالمصالح المشتركة للشعبين, وتطمس تضحيات مشتركة عزيزة.
إن إثارة غرائز العداء بين الشعبين السوري واللبناني هي جريمة جديدة يقوم بها المتطرفون على جانبي الحدود. ولا بد أن نعتذر, كسوريين عما بدر ممن يحملون هويتنا تجاه شعب لبنان, في الوقت الذي نمد أيدينا نحو هذا الشعب لبناء علاقات تكاد تكون نقيضا لما كان. وفي الوقت نفسه, نصر على ضرورة محاسبة من أساء إلى شعب لبنان, ومن نكَّل بعمال سوريين أبرياء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مصير المقترح الذي طرحه بايدن لوقف الحرب في غزة؟


.. من محاكمة دونالد ترامب.. إلى محاكمة هانتر بايدن| #أميركا_الي




.. إسرائيل تضع خطة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب تتضمن خلق كيان -بد


.. مدرب اللياقة البدنية محمد فؤاد يكشف أضرار الإفراط لتناول -ا




.. العناق الأخير.. مشهد مأساوي لـ3 أصدقاء قبل أن يبتلعهم السيل