الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سد النهضة وطريقة إدارة الأزمات فى مصر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2013 / 6 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


من المسلم به أن أثيوبيا من حقها أن تستغل نهر النيل الذى ينبع من أراضيها، شأنها فى ذلك شأن دول المصب التى ترتكز على اتفاقيات قديمة تم توقيعها فى ظل الاحتلال البريطانى وتحديدا اتفاقية عام 1929م والاتفاقية المكملة لها فى عام 1959م. وبفضل هذه الاتفاقية تمتعت مصر بحصة قدرها 55 مليار متر مكعب من مياه النيل. من الواضح أن سد النهضة التى تسعى إثيوبيا لبنائه على النيل الأزرق الذى يمثل 85% من نهر النيل فى مصر يهدف إلى توليد 6 الآف ميجاوات من الطاقة الكهربائية ومن ثم فإن مصر تخشى أن يؤثر هذا السد فى نصيبها من المياه. أما السودان فإن مصادرها الأخرى من المياه تجعلها لا تنزعج بنفس المقدار. المشكلة تكمن فى أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها مصر انعكست بشكل سلبى على أسلوب التعامل مع الأزمة. وهذا الأسلوب يعكس قلة الخبرة التى يتسم بها المقربون من دائرة الحكم فى البلاد. بالطبع يمكن تطوير أسلوب إدارة الأزمات الكبرى من خلال الاطلاع على الطرق والأساليب التى تنتهجها الدول الديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية.

لا شك أن مؤسسة الرئاسة المصرية فى ظل غياب مجلس الشعب وحكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشورى (مع وقف التنفيذ) جعلتها ترابض فى الخطوط الأمامية لجبهة التعامل مع أزمة السد. ولعل هذه المؤسسة ترددت فى تحمل تبعات القرارات التى تتعلق بهذه الأزمة. وهذا ربما يفسر شدة الارتباك الذى شهدناه فى الفترة السابقة. من المؤكد أن المسئولين قبل الثورة وبعدها يدركون أن أثيوبيا تسعى لإقامة هذا السد وأن مراحل الإنشاء لم تكن خافية على أجهزة الدولة المصرية غير أن المسئولين كانوا يعتقدون أن أثيوبيا ليست جادة ولن تجرؤ على إقامة السد الذى وضع حجر أساسه رئيس الوزراء الراحل زيناوى فى 2 إبريل 2011م. وفور أن أعلنت أثيوبيا تغيير مجرى النهر فى 27 مايو 2013م أدرك الجميع أن الأمر جد خطير مما أدى إلى التصريحات المتضاربة والمرتبكة التى صدرت من هنا وهناك. فالرئيس أعلن أن السد لن يؤثر على نصيب مصر لأن السد لن يوظف لرى الآراضى الزراعية بل لتوليد الكهرباء. وكذلك الأمر بالنسبة للتصريحات التى جاءت على لسان وزير الرى الذى أعلن أنه علم بهذا الأمر من وسائل الإعلام ورفض أسلوب التهويل الذى تنتهجه أجهزة الإعلام. ومع تزايد وتيرة الهجوم الإعلامى فقد خشيت الرئاسة أن تتحمل مسئولية الأضرار التى قد تنجم من هذا السد فرأت أن تدعو القوى الوطنية لاجتماع بالاتحادية. لقد تلاحظ أن هنالك بعض القوى التى لبت الدعوة بينما اتخذت قوى أخرى قرارا بعدم المشاركة.

وبالفعل جلس ممثلو قوى سياسية عديدة على مائدة الاجتماعات وبحضور رئيس الجمهورية الذى كان أكثر اتزانا من بعض الشخصيات المحسوبة على جبهة المعارضة. لعل القارئ شاهد واستمع إلى بعض الآراء التى وردت على ألسنة بعض الشخصيات الحزبية والسياسية التى سكتت دهرا ونطقت كفرا. فهذه شخصية ترى أن مصر يمكن أن تقوم بتمويل القوى المعارضة فى أثيوبيا ورأى آخر أن مصر يمكن أن تسرب أخبارا بأنها بصدد شراء طائرات لخوض حرب من أجل المياه. المثير للدهشة أن المشاركين كانوا يعتقدون أن تصريحاتهم سوف تلقى ترحيب وقبول الرئيس الذى رفض الخوض فى مغامرات عسكرية مع الأصدقاء والأشقاء فى أثيوبيا. لم يكد ينتهى اللقاء حتى خرج علينا بعض هؤلاء المتحدثين بتصريحات مفادها أنهم لم يعلموا أن هذا الاجتماع مذاع على الهواء. لقد أكدت مستشارة الرئيس أنها نسيت أن تخبرهم بهذا الأمر. وفى ظنى فإن عدم إذاعة اللقاء على الهواء لم يكن ليمنع من تسريب كل التفاصيل وربما أكثر مما حصلنا عليه وذلك مرده إلى كثرة عدد المشاركين فى مناقشة أمر يعتبر من الموضوعات التى تهم الأمن القومى. من الواضح أن بعض المشاركين الذين أعربوا عن كراهيتهم للشعب الأثيوبى لا يدركون—ولا أقول يجهلون— أن هذا الشعب يحمل مودة خاصة للعرب. ففى دراسة قام بها عالم اللغة الأمريكى تشارلز فيرجسون فى عام 1972م أوضح أن الأثيوبيين يحبون اللغة العربية ويرحبون بتدريسها فى مدارسهم. لعل مثل هذه التصريحات غير المسئولة قد توغر النفوس ولن نجنى منها سوى الأشواك. من الملاحظ أننا لا نحسن إدارة الأزمات ولا نعرف كيف نحاصرها وننزع فتيلها ولا ندرك أن هنالك آليات معينة تستخدمها الدول المتقدمة للتعامل مع الأزمات.

تجدر الإشارة أن الأمور الخطيرة التى تمس الأمن القومى فى الدول المتقدمة تناقش على نطاق محدود وفى دائرة ضيقة لا يتجاوز عدد أعضائها خمس أو ست شخصيات. كلنا رأينا كيف اتخذ اوباما قرار اغتيال بن لادن حيث اجتمع مجلس الأمن القومى— خمسة أعضاء والرئيس سادسهم— الذى يتكون من رئيس الجمهورية وعضوية نائب الرئيس ووزراء الخارجية والدفاع والخزانة ومستشار الأمن القومى وهناك بعض الشخصيات التى يمكن دعوتها وفقا للموضوع المطروح كرئيس الأركان ورئيس المخابرات ورئيس ديوان البيت الأبيض ومستشار الرئيس للشئون الاقتصادية. كما يمكن أن يتم دعوة النائب العام ومدير إدارة الموازنة وذلك حسب الحاجة إليهم. وينحصر دور هؤلاء فى تقديم المشورة حول الأمور التى تتعلق بالأمن القومى والسياسة الخارجية. قد تأتى آراء الأعضاء متضاربة أو متسقة وفى جميع الأحوال فإن الرئيس هو المنوط به اتخاذ القرار. مثلا فقد رفض بعض أعضاء المجلس القومى الأمريكى اغتيال بن لادن فى الآراضى الباكستانية على اعتبار أن هذه المحاولة سوف تبوء بالفشل ورأى فريق آخر أن فرص نجاح المحاولة كبيرة وهذا يعتبر أكبر ضربة للإرهاب الدولى. لقد انحاز الرئيس للرأى الأخير ونجح فى القضاء على بن لادن. الملاحظ فى طريقة إدارة هذه الأزمة—اغتيال بن لادن— أن العدد القليل الذى اجتمع لمناقشة هذا الأمر الخطير حال دون تسرب المعلومة خارج حجرة المداولة ولم يستطع الإعلام الأمريكى—رغم إمكاناته المذهلة—أن يحصل على أى معلومة قبل تنفيذ عملية الاغتيال.

وخلاصة القول إن مصر دولة كبيرة تاريخها يمتد إلى آلاف السنوات حيث عرفت نظام الحكم قبل الدول التى نشير إليها من آن إلى آخر كالولايات المتحدة التى يرجع تأسيسها إلى عام 1776م عندما نجحت الثورة الأمريكية فى التخلص من نير الاحتلال البريطانى. ومن ثم فإن مصر قادرة على إدارة أزماتها المختلفة من خلال آليات فعالة تساعد الرئيس وتقدم له البدائل حتى يتخذ القرار السليم فى الوقت المناسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا