الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إختفاء رباب ماردين 14

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2013 / 6 / 7
الادب والفن


انكشاف السر

كنت يومها أتجول على الشاطئ في ساعة المغيب، وكنت قد وصلت الى نهاية الشاطئ حين لمحت رجلين بالقرب من الهضبة، كانا غارقين في حديث جاد. تمكنت من تمييز أحدهما. إنه كان حسام ماردين. أما الثاني، فلم أكن قد رأيته في حياتي. كان رجلا رفيع القامة، ممتلئ الجسم، يملأ الشيب شعره ويلبس بأناقة بالغة.
تسمرت في مكاني مشدوهة. ورغم أنه لم يصلني شيء من حديثهما، إذ كانا على مسافة غير قصيرة مني، الا أن حسام ماردين بدا لي غاضبا والرجل الثاني يحاول تهدئته.
ابتعدت عنهما بسرعة وعدت الى البيت.
لم أدرك من كان ذلك الرجل الغريب الا بعد مرور عدة أيام.
ذهبت الى غرفة السيدة ماردين لفحصها، فوجدتها منتفضة من الغضب والانفعال. وقبل أن أقول شيئا سمعتها تدمدم قائلة: "هذا الولد سيجلب لي آخرتي! بعد كل ما فعلت من أجله، هكذا يكافئني! كنت أعلم أنه سيأتي يوم أندم فيه على منحه إدارة الشركة. الحق على عصام أخشيد! هو الذي أقنعني بذلك. والآن... هذا ما يفعل! الخائن! الخليع!"
"ماذا جرى؟" سألتها بقلق. "عمن تتحدثين؟"
" ومن سيكون غير حسام؟! أقسم إني سأجعله يندم على ما فعل طوال حياته. لا أحد يفعل ذلك بي!"
"ماذا فعل؟"
"إنه يتآمر من ورائي مع والده اللعين! لا أدري ما الذي عاد به الى هنا. كنا قد ارتحنا منه ومن متاعبه، وها هو الآن، فجأة، يظهر من جديد."
"من؟"
"ناظم، والد حسام. لقد ورطنا من قبل في ألف مصيبة وأغرقنا في الديون وكدنا نخسر كل شيء. والآن، بعد أن نفذنا من الورطة بأعجوبة وعدنا الى مسارنا الصحيح، عاد اللعين! وحسام يدبر معه المكائد!"
تذكرت ذلك الرجل الغريب الذي رأيته يتحدث مع حسام على الشاطئ. لا بد أن يكون هو والده إذن.
سألتها: "كيف عرفت ذلك؟"
"أحدهم شاهدهما يلتقيان في السر أكثر من مرة. ولكن أنا سأعرف كيف أتصرف مع هذا الولد العاصي! أهكذا يفعل بي؟ لن يلوم الا نفسه!"
لم يسبق أن رأيت السيدة ماردين غاضبة الى هذه الدرجة كما كانت في ذلك اليوم. وكانت واثقة أن حسام يتآمر عليها مع والده، ناظم ماردين.
شاع الخبر بسرعة كبيرة ولم يعُد حديث آخر يشغل الجميع. التقيت بوسام على شاطئ البحر فوجدت غضبه على حسام لا يقل عن غضب والدته.
"كيف يجرؤ على التآمر بعد كل ما فعلت له والدتي؟" قال ساخطا.
"ولكن لماذا يفعل ذلك؟" تعجبت.
"إنه يريد السيطرة على الشركة. هذا هو كل ما في الأمر. إنه يرى أنني لا أجيد نفعا في الشركة، ويرى نفسه الوحيد الذي يعمل كل شيء، ويظن أن من حقه أن يحصل لوحده على كل شيء! لذا، أعاد والده من حيث كان وبدأ يتآمر معه للسيطرة على الشركة. لا بد أنهما كانا على علاقة سرية طوال هذه السنوات، إذ عرف أين يجده حين احتاج اليه. ولكن لا! من حسن حظنا أننا اكتشفنا الأمر قبل أن يتسبّب بضرر."
"ولكنكم لا تعرفون بالتأكيد أنه متآمر."
"بالطبع نعرف. لقد رأيتهما بعينيّ وهما يلتقيان بالسر عدة مرات. كنت أراقبه منذ مدة، بعد أن أثار شكوكي."
لم أعلق بشيء، ولم أخبره بما رأيت بنفسي. كنت مشتتة. ولكن وسام كان واثقا أن أخاه يدبر مكيدة عظمى ضد العائلة بأكملها، وضده هو شخصيا. والسيدة ماردين كانت غاضبة للغاية.
لم أعرف ماذا سيفعلون الآن بحسام. فالسيدة ماردين حين تغضب... لا يفلت منها أحد، كما قالت لي كلوديا يوما ما. ولكنني عرفت الجواب خلال وقت قصير. لقد أقالت حسام من منصبه.
............................................................

عُيّن وسام ماردين مديرا عاما مكان حسام. كان ذلك مدهشا. بين ليلة وضحاها ثارت ضجة الاتهامات ضد حسام ماردين وأقيل من منصبه، وهذا إن دلّ على شيء فعلى قوة السيدة ماردين، فهي الشخص الوحيد الذي يأمر وينهى في البيت، وأي شيء دونها لا يُحسب.
ثم ساءت حالة شادية ماردين.
بعد أن كانت هادئة، لا نسمع لها صوتا طيلة فترة مكوثها في البيت، فوجئنا بها ذات مساء عند طعام العشاء وهي تتهجم على حسام صارخة: "أيها المجرم! لماذا قتلته؟! لماذا أخذته مني؟! مجرم! حقير!"
أسرع الجميع لإبعادها عن حسام وتهدئتها، الا أنها ظلت تدوي البيت بصراخها. أسرعت لحقنها حقنة مخدّرة ثم نُقلت الى غرفتها.
وهكذا فهمت أن ناظم ماردين كان المدبر لقتل والدها. ومنذ ذلك الوقت، وهي لا تطيق حسام وتعتبره قاتل أبيها. وبعد أن علمت بعودة ناظم ماردين وتآمره مع حسام، هاج هائجها وجنّ جنونها.
وفي اليوم التالي، أمرت السيدة ماردين بإعادتها الى المصحة.

......................................................................

بعد أن أقيل من منصبه، لم يعُد حسام ماردين يعمل في الشركة، فقد استقال بنفسه من الشركة بأكملها. كان ذلك هو الوقت الذي بدأت فيه علاقتي معه تتخذ منحًى جديدا.
ذات يوم، كنت جالسة قرب بركة السباحة في النادي أقرأ كتابا، حين فوجئت به.
"أرجو أن لا أكون أزعجك." رأيته يجلس على المقعد القريب مني، وكان بلباس البحر يبدو قويّ البنية ووسيم الطلعة أكثر من أي وقت مضى، وكان من الواضح أنه قضى وقتا طويلا تحت أشعة الشمس التي لوحته أكثر وأكسبته حمرة طفيفة. لم أكن قد تحدثت اليه منذ لقائنا الأخير على الشرفة.
توجهت اليه متعجبة، وهو قال: "استغربت وأنا أراك جالسة هنا. لم أعرف أنك تترددين الى هنا."
"بل أنا التي أستغرب أن أجدك هنا. لم أرك هنا من قبل." قلت له.
ابتسم ابتسامة صغيرة وقال بيأس ممزوج بالسخرية: "فعلا. من كان يصدق أن نهاية حسام ماردين ستكون بأن يبقى يتشمس في النادي طوال النهار!"
"إذن، أنت لم تعُد تذهب الى الشركة؟" سألت.
"لم يعُد لي عمل هناك."
"آسفة بهذا الشأن."
"ولِم الأسف؟" قال وهو يشد من صدره نفسا عميقا. " كان عليّ أن أعلم بأن ذلك ما سيحصل."
"لا أفهمك." قلت له باستفهام.
"ليس من اللزوم أن تفهمي." كان ردّه في منتهى البساطة.
فقلت برقة: "ولكنني... أحب أن أفهمك."
فرشقني بنظرة صلبة، ثم قال وعلى وجهه ابتسامة ساخرة: "كم أنت فضولية... يا آنسة مدنية! لا أفهم سبب اهتمامك بأن تفهميني... ولو أنني فهمت سر اهتمامك برباب."
"سر؟؟ أي سر؟" تعجّبت.
"سرك... الذي تخفينه عنا منذ مجيئك إلينا."
"لا أفهم قصدك." قلت وقد انزعجت.
"بل تفهمين." ردّ وابتسامته الساخرة ما تزال تلاصقه. ثم أضاف: "ولكنني لا أفهم سبب تحفظك. وماذا لو عرفنا أنك صديقة رباب؟"
انقبض قلبي داخل صدري من وقع المفاجأة، وتسارعت ضرباته. "كيف عرفت؟" قلت وأنا أحاول إخفاء اضطرابي الشديد.
"بطريقتي الخاصة." أجاب. "بعد لقائنا الأخير تذكرت شيئا، وبعد بحث قصير توصلت الى الأمر."
"أنت غامض جدا. لماذا لا تريدني أن أعرف ما هو هذا الشيء؟"
رفع كتفيه الى الأعلى، ورد بشيء من المكر: "ربما أخبرك به يوما ما."
"ولماذا ليس الآن؟"
"ما زلت لا أعرفك!" قال وهو يقتبسني.
"وماذا تريد أن تعرف أكثر من الذي اكتشفته بنفسك؟" سألته بحدة.
رأيته يتأملني بعينيه الساحرتين، ثم قال مستغربا: "إذن، أنت جئت الى بيتنا... للبحث عن رباب... صديقتك؟"
"هل ستخبر الجميع بالأمر؟" سألته بقلق.
فكّر قليلا. وبعد لحظتين، أجاب: "لا."
"لماذا؟"
"لأنه... لن يصدقني أحد... ولا أريدهم أن يصدقوا. لم أعد أريد منهم شيئا." قال. ثم مد نظره اليّ وقال: "ولكن... أريد منك شيئا."
"مني أنا؟" تعجبت. ثم استدركت نفسي. "آهه... فهمت. كان عليّ أن أعرف أن لكل شيء ثمنه."
ضحك ضحكة خفيفة. "لا أظن أن ما أريده منك يمكن اعتباره ثمنا." قال.
"وماذا تريد بالضبط؟"
"أريد أن نكون... شركاء."
"شركاء؟"
"نعم. في البحث عن رباب."
فوجئت بكلامه. نظرت اليه بارتياب.
"يبدو لي... أن كلامي لا يعجبك." قال.
"ويبدو لي... أنني لا أملك بدا الا أن أوافقك."
"وأنا ظننت أن ما يهمك هو اكتشاف سر اختفاء رباب؟!"
"هذا صحيح."
"إذن، فأنت لا تثقين بي."
لم أرُد. وبعد لحظتين... قال: "لا بأس. أتفهم الأمر. ولكنني متأسف. فقد ظننت أن بإمكاننا أن نفعل شيئا مجديا."
ثم ترك المكان وتركني معلقة الى حيرتي.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي