الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 3

حبيب هنا

2013 / 6 / 8
الادب والفن


-3-
انتاب تالا شعور بالخطر قبل انتشار الخبر أسكنها الصمت والتيه ، وكلما حاولت معرفة كنهه أوغلت في كآبة لا قرار لها ، كآبة من ذلك الطراز الذي لا يرتد دون أن يخلف وراءه حالات انفعالية من الممكن أن تفضي إلى أمراض خطيرة ما لم يتداركها الإنسان سريعاً.
غادرت مكان العمل اعتقاداً منها أن الجدران الأربع تساعد على استمرار التفكير في هذه الحالة ، ولكن عبثاً كانت فكرتها . في الشوارع أغلق عليها الأمر ولم تر الناس الذين تمر عنهم كأني بها فاقدة الحواس ، لم تشاهد وجوهاً كانت تألفها كثيراً وترتاح جداً عند الحديث معها ، لم يستوقفها آخر عروض الأزياء وهي التي تهتم بها أكثر من أي شيء آخر ، تسير لا تعرف إلى أين هي ذاهبة ، فقط كل ما كان يهم هو التحرك والتقدم إلى الأمام دون تحديد هدف بغية الوصول إليه بأسرع الطرق . الكلمات تتطاير من حولها دون أن تعيرها اهتماماً كمن تسيطر عليها فكرة عصية على التخلص منها .
فجأة أخذت أبواق السيارات بصراخ غير مألوف،الأمر الذي أيقظ حواسها وبدأت تنظر صوب مختلف الاتجاهات بغرض معرفة السبب ، ولم يطل الأمر كثيراً، بعد أن رأت المحال التجارية تغلق أبوابها . وتناثرت الكلمات بين الناس : لن تصمت حماس على اغتيال مسئول بهذا الوزن !. إننا مقدمون على حرب جديدة لن تبقي شيئاً دون أن يتعرض للخطر وربما للدمار وفقدان الأمان .
ذهبت إلى البيت من فورها شعوراً منها أن ثمة ما هو قادم ولا مرد له بعد أن رأت الناس آخذة بالتراكض وسط الشارع كي تتمكن من الوصول إلى بيوتها أو الجهة التي يقصدونها .
وهكذا بدأ اليوم الأول .. عشرات الصواريخ تتساقط على البلدات المحيطة بغزة بعد أن أعلنت الفصائل الفلسطينية حالة الطوارئ ،غير أن إسرائيل لم تصمت ، أعلنت في خبر عاجل استهداف القائد العسكري لحركة حماس وقتله مع أحد مرافقيه فوراً في الوقت الذي بدأت ترد على إطلاق الصواريخ بعنف غير مسبوق بهدف جعل المقاومة تعيد حساباتها وتصمت بغض النظر عن الدمار وقتل الأبرياء ..
إذن نحن أمام مرحلة جديدة من نيران لا تكتفي بالتهام غابات كاملة من الأشجار . مرحلة تتعانق فيها الصواريخ في كبد السماء للضغط على الأعصاب مع استمرار عض الأصابع ..
إسرائيل تصعد وتيرة الضغط وطائراتها تحوم في السماء حاملة الموت وبركان الدمار لكل شيء في غزة ، والمقاومة تطلق المزيد من الصواريخ إلى البلدات الأبعد عن المربع الذي يحيط بغزة .
والإسرائيليون يفروا من الجنوب إلى الوسط بعد أن طالت الصواريخ بلداتهم التي كانت آمنه فيما مضى .. معادلة لم تكن في السابق ، باتت اليوم محكومة بالموت والرعب المتبادلين .
ارتفعت أصوات كثيرة ممن لم يعتادوا على الحرب:أوقفوا هذا الموت ! إسرائيل تمضي قدماً وتمعن أكثر في قتل الأبرياء ، بيوت بكاملها سويت بالأرض بمن فيها من بشر وحيوانات أليفة وبعض الضواري الهاربة من الانفجارات .
والمقاومة على نحو غامض تقول للشعب راقبوا السماء ، والشعب "مكره آخاك لا بطل" يلتف حول المقاومة ويحتمي فيها كما تفعل هي . إذ لا مقاولة مستوردة من الخارج ، فهي ابن عامل وفلاح ومخيم وصاحب مصنع ، ابن تاجر وسمسار عقارات وسائق تاكسي ،ابن هذا وذاك وهؤلاء جميعاً ..
والسماء لا تتوقف عن صب غضبها . مفتوحة لكل الاحتمالات، للطائرات والصواريخ والمطر، فهذا موسم الحصاد في شهور الزرع .. البحر يصب غضبه والبر والجو، وفي السماء المفاجآت : صاروخ يراوغ "القبة الحديدية " يمر أمام البعض ممن تصدى له وخلف البعض الآخر الذي يحاول قطع الطريق عليه .. ينبئنا بخبر عاجل وصوله للهدف المحدد قلب تل أبيب ويضيف إن المقاومة قادرة على الوصول إلى كل مكان .. الإسرائيليون ترتفع أصواتهم مجدداً : أوقفوا هذه الحرب ..
تبتسم تالا فجأة فيصاب أهل البيت بالدهشة . تسأل أختها الوحيدة الأصغر :الكل يراقب الانفجارات بحذر وخوف وأنت تبتسمين ، أخبرينا ما هو السبب ؟ تضحك بصوت عال وهي تقول : لأول مرة الإسرائيليون يتساوون معنا ويشعرون بالخوف ، وربما أكثر منا لأنهم لم يعتادوا عليه قبل الآن ، وهذا الحدث الأهم في هذه الحرب .
- لم تنته حتى تقولين هذا هو الأهم .
- آجلاً أم عاجلاً ستنتهي ونقف عند الأطلال ونحن نتفقد ذكرياتنا وبعض التفاصيل الخاصة ..
- ألهذا الحد أنت واثقة ؟ .
- الأمر لا يحتاج إلى الثقة . التاريخ كله لم يشهد حرباً دون نهاية ..
تترك الأخت أختها مع باقي أفراد العائلة وتتسلل إلى غرفتها ، تبحث عن الهاتف الخلوي إلى أن تعثر عليه ، وتحاول الاتصال بخليل خطيب أختها دون جدوى ، يأتي الرد من الطرف الآخر :لا يمكن الوصول. تكرر المحاولة مرة أخرى ، يرن الهاتف حتى يمل دون أن يجيب أحد ، ومرة ثالثة ورابعة ، دون أن يكلف أحد نفسه عناء الرد ..
تتساءل في سرها : هل تالا فعلت ما جعله غير معني بها على الأقل حتى الآن ؟ غير أنها تجيب على تساؤلاتها بنفسها : مهما يكن لا يجوز عدم الرد في هذا التوقيت بالذات ، قد تكون بحاجة ماسة إليه،أيتركها وحيدة دون الاعتناء بشأنها ، هذا غير معقول ، مستحيل أن يكون هذا التصرف سوي وينبغي على تالا أن تضع حداً لهذه العلاقة قبل إتمام الزواج فهي مازالت على بر الأمان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب