الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآن .... أو فى المشمش!

خليل كلفت

2013 / 6 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


1: رغم تدهور شعبية الإخوان المسلمين، تتواصل أخونة الدولة والمجتمع على قدم وساق، بخطًى واسعة من شأنها إنْ لم تنجح الثورة والشعب فى تحرير البلاد منها، أن تنجح هى فى توطيد وترسيخ الحكم الدينى الإخوانى وضمان استمراره عقودا ووأْد الثورة الشعبية كما حدث منذ عقود فى إيران. ولا يمكن أن نَعْمَى عن حقيقة أن الثورة متواصلة بنضالاتها ومعاركها ومقاوماتها غير أنه بين هذه الحقيقة وحقيقة الطابع التدريجى بالضرورة لعمليات تصفية الثورة يقع ظلٌّ ثقيل.
2: وفى المقابل تدخل قوى اجتماعية وسياسية متنوعة ذات أهداف متنوعة ومتعارضة فيما يتعلق ببعض هذه القوى. ولا شك فى أن القوى التى تخوض الآن معركة ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين على رأس جماعات الإسلام السياسى تنطوى على كثرة من التقاء المصالح أو تعارضها. وفى مقابل عجز القوى الشعبية الثورية عن إسقاط الحكم الدينى الآخذ فى التبلور بقوتها الذاتية فى المدى المباشر، ولكنْ بالاعتماد على الدينامية الثورية التى تخلقها هذه القوى بالذات دون غيرها، تنطوى قوى الثورة المضادة الرافضة للحكم الدينى على قوة مادية هائلة يمكن أن تكون حاسمة فى هذه المواجهة التى تتجمع نقاطها عند 30 يونيو. أىْ أن جانبا حاسما من الصراع المفتوح أمام أعيننا الآن تحدث داخل قطاعات حاسمة فى الطبقة الحاكمة وبالأخص بين قوى دولة مبارك المستندة إلى جهود حركة تمرد الشعبية ضمن حركة قوى الثورة ككل، من جهة، وقوى دولة الحكم الدينى بكل جماعات وأحزاب وحركات الإسلام السياسى بالاستناد إلى قاعدة شعبية إخوانية سلفية أوصلت الجماعة إلى الحكم، وتحميها إلى الآن، رغم تناقض المصالح الاجتماعية بين الطبقة الرأسمالية الكبيرة التى تنتمى إليها قيادات الأحزاب الدينية وقواعدِها التى تتكون من فقراء الريف والمدينة الذين تزايدت ملايينهم، وتعمَّق إفقارهم وتهميشهم وقهرهم، وتدهور فكرهم، وتفاقم التلاعب الأيديولوچى بعقولهم؛ فى بلد متخلف ينزل من الجانب الآخر من التل ضمن التراجع التاريخى للعالم الثالث كله. وتاريخ الصراعات العنيفة وحتى الحربية بين قطاعات من الطبقة الرأسمالية الكبيرة يمكن أن يملأ المجلدات، وهذه القطاعات هى التى ظلت تطيح ببعضها البعض ويرث بعضها البعض فى العصر الحديث، باستغلال وتوظيف الثورات والحركات والانتفاضات الشعبية فى كل الأحوال.
3: وفى المعركة المباشرة الآن إذن مواجهات عديدة وذات طبيعة مختلفة؛ فقوى الثورة تواجه الدولتين: دولة مبارك ودولة الحكم الدينى الإخوانى السلفى، ورغم أن القضية التاريخية الجوهرية لهاتين الدولتين المتصارعتين هى تصفية الثورة، ولا شك فى أن دولة مبارك هى التى جاءت بدولة الحكم الدينى كتطور طبيعى لتحالفهما الاضطرارى ضد الثورة، فإن استمرار هذا التحالف بين الدولتين صار غير وارد، وصار الانصهار بينهما مستحيلا. لماذا؟ لأن وصول قطاعات من الرأسمالية إلى سلطة الدولة يعنى بالضرورة عملها الواسع النطاق على تأمينها وتمكينها على حساب القطاعات الأخرى من نفس الرأسمالية الكبيرة التابعة مثلها للإمپريالية. وهذا صحيح بصورة خاصة فيما يتعلق بجماعات الحكم الإخوانى السلفى القادمة حديثا ولأول مرة إلى سلطة الدولة من كهوف سجون ومعتقلات عهود الرئاسات المصرية الاستبدادية المتعاقبة، كما كان صحيحا رغم الخصوصيات فيما يتعلق بآيات الله على رأس الثورة الإسلامية فى إيران. فكيف يضمن الجيش مثلا تأمين نصيبه الهائل من كعكة الاقتصاد المصرى فى ظل الحكم الإخوانى؟ وكيف تقبل مختلف قطاعات الرأسمالية المالكة فى عهد مبارك أن يكون خروجها من قفص حكم الشخص فى عهد مبارك لحساب الإغلاق عليها بالضبة والمفتاح فى عهد الحكم الإخوانى؟ وعلى أقل تقدير فإن الحكم الدينى يستطيع بصورة تدريجية تهميش هذه القطاعات غير الإسلامية اقتصاديا وسياسيا وإغلاق الباب على تطلعات بداخلها نحو التحول إلى طبقة حاكمة حقا بآليات طبيعية أو شبه طبيعية للحكم الطبقى.
4: ولا تستطيع قوى الثورة أن تستمر بنضالات ثورتها ضد دولة من الدولتين الرأسماليتين التابعتين دون الأخرى. وعلى سبيل المثال فإن جانبا أساسيا من النضال الاقتصادى للطبقة العاملة إنما تدور فى نطاق المصالح الاقتصادية للورثة الشرعيِّين لدولة مبارك، مع أن تحرير الشعب المصرى من الحكم الدينى يشكِّل فى المدى المباشر الحلقة الرئيسية فى النضالات المباشرة للثورة. ولأن الحكم الدينى الإخوانى السلفى يشن هجومه الشامل على قوى اجتماعية وسياسية متنوعة تنتمى إلى طبقات اجتماعية تبدأ بالطبقات العاملة والفلاحية والشعبية والكادحة والفقيرة ولا تنتهى بالقطاعات المباركية من الرأسمالية الكبيرة، فإن من الضرورى أن تدرك القوى الثورية مدى تعقيد قضايا الإستراتيچيات والتاكتيكات فى مختلف المراحل وبالأخص فى الحلقة المباشرة الحالية من نضالاتها. ولا ينبغى أن تقع قوى الثورة فى فخّ الوقوف مع دولة من الدولتين ضد الأخرى فى هذا الصراع الذى يشتدّ جانب حاسم من جوانبه بين دولة مبارك ودولة الإخوان كما سبقت الإشارة. غير أن هذا لا ينفى أن جانبا حاسما من جوانب النضال السياسى لقوى الثورة يشتدّ الآن بصورة خاصة ضد الحكم الدينى الإخوانى السلفى بهدف إسقاطه والإطاحة به والتحرُّر منه. وفى كل هذا ينبغى اعتماد مبدأ السير منفردين والضرب منفردين بعيدا تماما عن مبدأ السير منفردين والضرب معًا.
5: وقد بدأت وتطورت "حركة تمرد" كحركة شعبية شبابية خالصة، كما يعرف الجميع تفاصيل بداياتها وتطوراتها، غير أن هذا لا يمكن أن يمنع هذه الحركة، كما لم يمنع ثورة 25 يناير الشعبية كلها، من الوقوع فى إستراتيچيات خاطئة وتاكتيكات خاطئة، ومن ذلك على وجه الخصوص توظيف إسقاط الحكم الإخوانى لحساب إعادتنا إلى نفس الدائرة الشريرة المفرغة من الاستفتاءات والانتخابات والدساتير والشرعية الدستورية التى أسقطتها الثورة وأعاد بناءها المجلس العسكرى والإسلام الإخوانى السلفى، بما فى ذلك شعار انتخابات رئاسية مبكرة؛ وهو فوق هذا شعار مناقض للخلع لأنه يعنى إجراء انتخابات فى ظل حكم مرسى والإخوان. كما أن من الأخطاء التى تقع فيها حركة تمرد وقوى الثورة الشعبية الآن، بقصور ذاتى من جانبها وبتأثير قوىٍّ من جانب قوى دولة مبارك، رفْض الحكم الإخوانى ليس كرفض للدولة الدينية كمبدأ بل كرفض للسلوك السياسى الخارج على القانون لهذا الحكم. وجرائم الإخوان والسلفيِّين منذ تحالفهم مع مبارك ودولته فى شخص المجلس العسكرى ثم بصورة خاصة منذ صعودهم إلى سلطة الدولة معروفة للكافة؛ غير أن من المهم أن ندرك جيدا ماذا تعنى الدولة الدينية التى من شأنها إعادة مصر إلى ما قبل القرون الوسطى ووقف نموها وتنميتها وكل احتمال لاستقلالها وتحرُّرها من التبعية، وبالتالى أن نرفضها قبل كل شيء كرفض للدولة الدينية من حيث المبدأ وليس على أساس سياسات بعينها ليست فى نهاية الأمر سوى أدوات للدولة الدينية.
6: وبطبيعة الحال فإنه لا أحد يضمن أن تنجح المحاولة الحالية لخلع مرسى والإخوان ولكن التاريخ لم يعرف محاولة قام بها شعب ضامنا نجاحها، وإذا نجحتْ قوى ليبرالية وقومية وناصرية ويسارية مترددة كعادتها فى كسر إضرابات الشعب فى كسر وإجهاض محاولة خلع مرسى والإخوان هذه المرة أيضا فإن هذه المحاولة ستكون ضربة تفتح الباب لخلع الحكم الإخوانى فى وقت قريب.
7: ولا شك فى أننا جميعا نتمنى البديل الثورى أىْ إقامة سلطة شعبية ثورية فى سياق مسيرة تاريخية ذات أهداف أعظم، غير أننا لا ينبغى أن نقف فى لحظة بعينها عند تمنيات البديل الثورى الذى يتجاوز المستوى الحالى للقدرة المادية لقوى الثورة على الأرض، متخذين موقف اللامبالاة إزاء سؤال الأشكال الانتقالية التى يمكن تأييدها وتفضيلها على الدولة الدينية، مثلا هيئة أو حكومة انتقالية لا يشارك فيها الإسلاميون بحال من الأحوال وتكون قابلة للعزل بآليات شعبية متفق عليها ولا يحميها فى الحقيقة إلا قوى الثورة. وما تزال قوى كثيرة تتغنى بأسطورة روح الثمانية عشر يوما المجيدة، فلا تتعلَّم من التجربة المريرة ضرورة القطيعة مع شعارات كالتوافق والتوافقية والتعايش السلمى وغيرها من شعارات زائفة مضللة.
8: ولا يمكن أن تُخيفنا تهديدات القوى الإخوانية والسلفية، فقد تحرر الشعب من الخوف، وصار لا مناص من التحرر من حكم الإخوان والدولة الدينية مهما كان الثمن، كما ينبغى أن ندرك أن دخول قوى الإسلام السياسى فى هذه المواجهة الشاملة يجعلها أضعف من أن تنتصر على الشعب. وبطبيعة الحال فإن الموجة القادمة من الثورة سلمية غير أن العنف ضدها يفتح الباب واسعا أمام العنف الدفاعى العادل المظفَّر، تماما كما كان الأمر فى ثورة 25 يناير.
9 يونيو 1913








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الآن أو أبدًا!
سها السباعي ( 2013 / 6 / 9 - 06:49 )
اخترت عنوانًا موفقًا جدًّا يا أستاذي العزيز. واسمح لي أنه بالإضافة إلى ما ذكرت، يبقى رد فعل الناس. الناس الذين لا يملكون - حتى الآن - أمام ما يحدث إلا السباب المعبر عن حقيقة مشاعرهم تجاه ما يحدث من قبل كل الأطراف، وارتفاع عقيرتهم بالدعاء على الحاكمين ومن كانوا السبب. أن يقول فنان ومثقف بعد كل ما جرى ما معناه أنه يخجل من مبارك وأنصاره الآن، ويندم على ما حدث، فماذا يبقى للعامة.
في قصة الهجانة ليسف إدريس، رضي العامة والخاصة من أهل القرية بحظر التجوال والضرب والإهانة، ثم بدأ المتعلمون والأفندية بالحديث والنقد ثم بدأ فعل المقاومة بحركة ماكرة قام بها بعض الفلاحين بقيادة ابن ليل محترف، ولكنه محب لبلدته وأهلها لدرجة أنه لا يسرق ولا يقتل منهم، وقام بدوره الرئيسي بعد أن ذاق الإهانة والحبس والضرب على يد الهجانة بسبب مقاومته لهم. ويختتم إدريس قصته لأن الناس لم تعرف ماذا سيحدث بعد رحيل الهجانة، هل سيحضر غيرهم، لكنهم يحتفلون لاحرية ليلة، ويغنون -أهي ليلة يا جميل-! نحتاج إلى هدف، نحتاج إلى عمل مبتكر غير مكرر، نحتاج إلى قائد، حتى لو كان ابن ليل، لكنه يحب البلد ويأبى المهانة. شكرًا لك يا أستاذي.


2 - في المشمش والبطيخ
عبد الله اغونان ( 2013 / 6 / 10 - 18:02 )

كل هذه الدعوات غير ديمقراطية وغير دستورية وليست في مصلحة الشعب
اذ حشد الحشود يتقنه الاخوان أكثر من غيرهم وهم الأكثر تنظيما وشعبية
حركة تمرد تواجهها حركة تجرد
والأقباط أقلية غير منظمة
ولكل حادث حديث

اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج