الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الخطأ- الذي تحدَّث عنه عريقات!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 9
القضية الفلسطينية



بصفته "كبير المفاوضين" الفلسطينيين، قال صائب عريقات: "قد نكون أخطأنا باعترافنا بإسرائيل قبل تعيين حدودها".
ولقد أخطأ عريقات إذْ لم يعترف بَعْد بأنَّ "المفاوِض الفلسطيني" قد أخطأ باعترافه (عن الشعب الفلسطيني) بإسرائيل قبل تعيين حدودها؛ فـ "كبير المفاوضين" الفلسطينيين أدْخَل "قَدْ" على الفعل المضارع (في عبارة "نكون") فأفادت "الشَّك (أو احتمال الوقوع)"؛ وكان ينبغي له أنْ يُدْخِل هذا الحرف على الفعل الماضي (في عبارة "أخطأنا") حتى يفيد "التأكيد".
دَعُونا نستعير من "الحقيقة" لسانها، ولو لبعض الوقت، لنتكلَّم به عن "الخطأ"، ومعناه، ودركاته، وعواقبه، وكيفية إصلاحه.
لقد "أخطأ" التلميذ، في درس الجغرافيا، إذْ أجاب عن سؤال المعلِّم له "ما هي حدود فلسطين؟"، قائلاً: "تحدها من الشمال تركيا.."، و"أخطأ" المفاوِض الفلسطيني إذْ أجاب عن سؤالٍ جغرافي مشابه قائلاً: "لبنان يحدُّ إسرائيل شمالاً.."؛ فهل لكم أنْ تتعرَّفوا "الوزن النسبي" لكلٍّ من الخطأين، أيْ وزن كليهما نِسْبَةً إلى الآخر؟
خطأ التلميذ إنَّما هو من قبيل الخطأ "1 + 1 = 3"؛ أمَّا خطأ المفاوِض الفلسطيني فهو من قبيل الخطأ "1 + 1 = قِرْد"؛ فشتَّان ما بين الخطأين.
وإنِّي لأَسْمَع نتنياهو يُعلِّق على قَوْل عريقات قائلاً: نَعَمْ، لقد أخطأتم باعترافكم بإسرائيل؛ لكنَّ خطأكم لم يكن يَكْمن في كونكم اعترفتم بها قبل تعيين حدودها. خطأكم إنَّما يَكْمُن في كونكم لم تعترفوا بها على أنَّها دولة يهودية؛ فأنتم إنَّما اعترفتم، فحسب، بأنَّ لإسرائيل الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود آمنة، ومعترَف بها؛ وحان لكم أنْ تُصْلِحوا هذا الخطأ، وأنْ تعترفوا بها، من ثمَّ، على أنَّها دولة يهودية!
والآن، سأفْتَرِض أنَّ "كبير المفاوضين" الفلسطينيين قد أَدْخَل "قد" على الفعل الماضي في عبارة "أخطأنا"، قائلاً (في قَوْلٍ جامعٍ مانعٍ) إنَّنا قد أخطأنا باعترافنا بإسرائيل قبل تعيين حدودها؛ فهل نرى في قوله الافتراضي هذا من "الحكمة" ما يكسبه، أيضاً، صفة "كبير الحكماء" الفلسطينيين؟
كلاَّ، لن نرى؛ فإنَّ ما يُعاينه ويُعانيه الفلسطينيون الآن من عواقب وتبعات ذاك "الخطأ" هو ما جَعَل عريقات يبدو "حكيماً" إذا ما قال إنَّ اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل قبل تعيين حدودها كان خطأً.
لقد قال ذاك الذي عانى وقاسى وكابد عواقب وتبعات خطأ ارتكبه في ماضيه: لو عاد بي الزمن إلى تلك اللحظة التي فيها ارْتَكَبْتُ ذاك الخطأ، لَمَا ارتَكَبْتُهُ.
هل في قوله هذا شيءٌ من "الحكمة"؟
كلاَّ، فلا نَزْر من الحكمة فيه؛ فلو عاد به الزمن إلى تلك اللحظة لعاد إلى ما كان عليه من أحوال وأوضاع، وإلى ما كان يؤثِّر (تأثيراً قويَّاً) في تفكيره وفعله، وإلى ما كان عليه من جَهْل بتلك العواقب والتَّبِعات، ولأَقْدَم، من ثمَّ، على العمل نفسه الذي يَنْظُر إليه الآن (أيْ بعد معاينته هذه العواقب والتِّبِعات، ومعاناته منها) على أنَّه "خطأ".
في تلك اللحظة، كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أحوال وظروف وأوضاع اضطَّرتها اضطِّراراً إلى أنْ تأتي بتلك "الفضيلة (الفضيلة من وجهة نظر إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما)"، وتعترف بإسرائيل قبل تعيين حدودها؛ لكنَّ إسرائيل التي أشادت بما أَقْدَمت عليه قيادة المنظمة، وامتدحته، لم تُعلِّل نفسها بأوهام كتلك التي علَّل بها نفسه المفاوِض الفلسطيني الضعيف، فشرعت تتصرَّف بما يؤكِّد أنَّها تُؤمِن بأنْ ليس في الاضطِّرار فضيلة.
والفلسطينيون اليوم ينبغي لهم أنْ يُؤمِنوا بالمبدأ نفسه؛ فلو اعترفت قيادتهم الآن، عن اضطِّرار، بأنَّ اعترافها بإسرائيل قبل تعيين حدودها كان "خطأً"، فإنَّ عليهم ألاَّ يروا في هذا الأمر "فضيلة"؛ لأنْ ليس في الاضطِّرار فضيلة.
أَعْلَمُ أنَّ في هذا الذي قُلْت يكمن كثيرٌ من الحقيقة؛ لكنِّي أَعْلَمُ، في الوقت نفسه، أنَّ كثيراً مِمَّن تشاركوا في ارتكاب ذاك "الخطأ" لا يريدون سماعه، أو تصديقه؛ لأنَّهم لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطَّم.
مِنْ قَبْل توهَّموا أنَّ اعترافهم بإسرائيل (وفي الصيغة التي قَبِلوها) هو "الورقة التفاوضية الرابحة الكبرى"؛ لأنَّ فيها من حجم ونوعية التنازل الفلسطيني ما سيُغْري إسرائيل بقبول قيام دولة فلسطينية يشمل إقليمها كل "الأراضي الفلسطينية" التي احتلتها في حرب حزيران 1967؛ والآن، أوشكوا أنْ يُعلِّلوا أنفسهم بوهم جديد هو أنَّ تلويحهم بـ "التراجع عن هذا الاعتراف" هو "ورقتهم التفاوضية الرابحة الكبرى"، والتي يكفي أنْ يلوِّحوا بها حتى تعطيهم إسرائيل "الدولة الفلسطينية (التي يريدون)" عن يدٍ وهي صاغرة.
نتنياهو دعا، ويدعو، الفلسطينيين إلى أنْ يعترفوا بإسرائيل (التي لم تُعْرَف حدودها بَعْد) على أنَّها دولة يهودية؛ وإنَّ على عباس أنْ يدعو الإسرائيليين إلى الاعتراف بفلسطين (التي لم تُعْرَف حدودها بَعْد) على أنَّها دولة عربية.
نتنياهو سيسأل عباس، عندئذٍ، "عن أيِّ فلسطين تتكلمون؟"، وسيجيبه عباس عن سؤال بسؤال "وعن أيِّ إسرائيل تتكلمون؟".
إذا أصرَّ نتنياهو على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل (التي لم تُعْرَف حدودها بعد) على أنَّها دولة يهودية، فإنَّ على عباس، عندئذٍ، أنْ يُعْلِن أنَّ الفلسطينيين يَقْبلون الاعتراف بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية؛ لكن بما يتوافَق (ولا يتعارَض) مع "الشرعية الدولية"؛ وليس من "دولة يهودية" تحظى بالشرعية الدولية إلاَّ تلك التي تَضَمَّنَها، وعيَّن حدودها، قرار الأمم المتحدة الرقم 181.
وهذا إنَّما يعني (في شأن الاعتراف بإسرائيل) أنَّ على الفلسطينيين أنْ يَقْبلوا الآن ما رفضوه (أو رفضه العرب) مِنْ قَبْل، وهو هذا القرار الدولي، وأنْ يرفضوا الآن ما قبلوه مِنْ قَبْل، أيْ الصيغة التي فيها اعترفوا بأنَّ لإسرائيل الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود آمنة، ومعترف بها؛ فإنَّ في هذا "الرفض"، وذاك "القبول"، ما يؤسِّس لتصالُحٍ أفضل بين "الشرعية الدولية" و"الحقوق القومية للشعب الفلسطيني".
أمَّا "الحد الأدنى" فيجب أنْ يَكْمُن في أساسه الآن اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين على أنَّها عضو مراقِب في المنظمة الدولية؛ وهذا إنَّما يعني "الاعتراف المتبادل المتزامِن"، فتَعْتَرِف "كلتا الدولتين" بأنَّ للأخرى الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود آمنة، ومعترف بها؛ وإلاَّ حَقَّ للفلسطينيين أنْ يظلوا على استمساكهم بـ "الحد الأقصى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و