الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا : سيناريوهان أحلاهما مر

رياض خليل

2013 / 6 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


السيناريو الأول ، له الأولوية ، وهو هدف مشترك : سوري- إيراني – وبدعم ومباركة روسية – صينية . ومفاده : الاحتفاظ بالهيمنة الإيرانية – الشيعية على العراق وسوريا ولبنان ، والسيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، المنصة الاستراتيجية التي تلتقي المصالح الفارسية – الروسية بضرورة إحكام السيطرة عليها ، لأسباب جيو تاريخية /استراتيجية / عسكرية / وسياسية .
الامبراطورية الإيرانية – الشيعية :
امبراطورية شرقي البحر المتوسط هذه ، تقوم على ايديولوجية تسييس المذهب الشيعي ، الدمج بين المذهبي / والسياسي ، مايعني الاعتماد على القوى الاجتماعية الشيعية في الإقليم شرق الأوسطي بشكل رئيسي ، ويتطلب هذا تبني سياسة عنصرية – طائفية – مذهبيية غير معلنة تماما ، في خطابها السياسي ، ولكنه مكشوف في الممارسة ، وهذا هو خط الدفاع الأول والأساسي لها . أما خط الدفاع الثاني ، فهو استقطاب الأقليات الدينية والمذهبية بخطاب مضلل ، ولكنه مؤثر وفعال ، ومفاده : أنهم حماة الأقليات ، والمدافعون عنهم ، كونهم مهددين بهيمنة التطرف السني المهدد للأقليات بوجودها وحرياتها وحقوقها المدنية والسياسية . بذلك يستطيع المشروع الامبريالي الفارسي حشد قوى داخلية هائلة في بلدان الإقليم ، يمكن أن تتحول إلى قوى مدنية /عسكرية ، داعمة ومشاركة في توطيد المشروع الشيعي / السياسي /شرقي المتوسط .ضد أية تهديدات سنية ، يحاولون إدراجها تحت مسمى الإرهاب والتطرف السني ، حتى ولو كانت علمانية ديمقراطية ، وهذه الأخيرة هي الأخطر على المشروع الشيعي ، وهي العدو الأول لها . وهي التي أكثر ماتخشاه إيران وحلفاؤها في العراق وسوريا ولبنان . لأن المشروع الشيعي الشمولي الاستبدادي لايصح ولايمكن محاربته سوى بالديمقراطية وبالقوى الديمقراطية ، التي هي النقيض الوحيد له ، وليست حركات الاسلام السياسي هي النقيض له ، بل الحركات الديمقراطية . من هنا كانت الحرب الشرسة ضد الثورة السورية التي ، ومنذ البدايات ، كانت ترفع شعارات الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية ، ولاتزال تلك السمة الأبرز لقوى الثورة والمعارضة الوطنية السورية ، على الرغم من كل الشوائب التي لحقت بها . إن تحويل الصراع إلى صراع طائفي هو المسوغ الوحيد للحرب ضد المشروع الديمقراطي في كل البلدان المعنية : العراق وسوريا ولبنان . ولهذا يتمسكون بالطابع الطائفي للحرب ، ويرفضون حقيقة أنها غير ذلك .
الحلقة العراقية شبه مؤمنة :
في العراق يتولى المالكي تمرير المشروع الشيعي السياسي ، والدفاع عنه في العراق ، ويملك قوى كبيرة تعينه على حماية مشروع الهلال الشيعي ، ومع هذا ، لن تستمر سياساته مجانا ، وطريق المالكي هذا غير آمن .. على الرغم من الدعم الإيراني اللامحدود لحكومة المالكي وحلفائه ، والذين تحولوا إلى وكلاء لولي الفقيه الإيراني في العراق . ولم يعد بالإمكان الاحتفاظ بسلطة المالكي الطائفية بالوسائل السياسية ، بل أصبح مرغما على الانزلاق للخيارات العسكرية الأمنية ، لمواجهة القوى الرافضة لمشاريع الهيمنة الإيرانية اعتمادا على دعم الهيمنة الشيعية الطائفية للمالكي وحلفائه . مايشير إلى سير العراق بنفس الاتجاه الذي سار فيه بشار الأسد في سوريا ، أي المواجهة المسلحة والحرب الطائفية .
سوريا : الحلقة الأخطر في المشروع الإيراني : الديني – القومي – السياسي :
1 الحاضنة الشيعية السورية :
في سوريا الأمر هو الأكثر خطورة ، لأنها الحلقة الأهم في السلسلة الشيعية الفارسية ، والاحتفاظ بها دونه ثمن لايمكن احتماله ولادفعه ، لأنه يفوق طاقة الحلف الإيراني الروسي السوري ، الذين تتهددهم خسائر تتراكم وتتنامى ، ليس بوسعهم تحمل نتائجها إلى مالانهاية ، وهو ما تشير إليه الوقائع في ميدان الصراع السوري . ومن أهمها أن الكتلة الشيعية السورية ليست بالحجم الذي هو عليه في العراق المجاور الذي على العكس من سوريا ، تشكل فيه الكتلة الشيعية أغلبية سكانية ، وعماد سكاني قوي للمشروع السياسي الإيراني العراقي الطائفي .
2 نقطة الضعف
في سوريا الوضع مختلف كثيرا ، حيث القوى السكانية الشيعية هي أقلية الأقلية ، وتشمل العلويين والمتاولة ( الشيعة ) والاسماعيليين والدروز بشكل أساسي ، ونسبتهم السكانية لاتتجاوز الخمسة عشر بالمائة من عدد السكان السوريين ، وهذا الوضع الديمغرافي يشكل نقطة ضعف لنظام حكم بشار الأسد ، فكيف يعمل ذلك النظام ، من أجل تعويض النقص في حامله أو حاضنه الاجتماعي الطائفي ؟ وكيف يمكنه التغلب على نقطة الضعف المذكورة ؟
3 البحث عن بدائل :
وفي الحالة السورية إذن ، لابد للمشروع من مرتكزات وحواضن ديمغرافية ، غير شيعية ، ولكنها موثوقة ، يمكن الاعتماد عليها كحواضن وموارد بشرية ، يمكن تحويلها إلى قواعد عسكرية متقدمة ، في عمق الجغرافيا السورية ، وبحيث تشكل نقاط ارتكاز ، تنتشر شبكيا في المناطق السورية كافة ، لتأمين السيطرة على سائر المناطق غير الشيعية ، والتي بات الثوار يسيطرون عليها إلى حد كبير ، ومايملكه نظام بشار الأسد من قوى شيعية في سوريا غير كاف لتحقيق طموحه في البقاء وإحكام السيطرة على المناطق الثائرة ، التي تكاد تشمل عموم سوريا ، ولايشذ الساحل السوري عن تلك القاعدة تماما . فهل من فرص للتعويض عن النقص في القوة السكانية المؤيدة والداعمة لنظام الأسد ؟
4 خيارات التعويض :
نعم ، بالتأكيد .. عوض الأسد ويعوض ذلك النقص من خلال عدد من الخيارات المتاحة .
على الصعيد الداخلي :
.. تمكن الأسد من استمالة نسب كبيرة إلى صفه ، من الأقليات : منها مايمكن إدراجه تحت مفهوم الفرق الشيعية : كالاسماعيلية والدروز والمتاولة ، وبعض الكرد ، ونسبة كبيرة من المسيحيين المنتشرين في كل أصقاع سوريا .
التوزع الديمغرافي العلوي :
1
ينتشر العلويون بكثافات متفاوتة في معظم الجغرافيا السورية ، ويشكلون جيوبا في العديد من المناطق والقرى والمدن والمحافظات ، وبالدرجة الأكبر يتمركزون في الساحل السوري وجباله المعروفة باسمهم ، وبالدرجة الثانية تتمركز كثافتهم في المدن الرئيسية الكبرى ، وفي أحياء بعينها في كل من دمشق وحمص وحماه وحلب ، ويعتبر هذا الوضع سلاحا ذا حدين ، لصالح وضد النظام في آن واحد .
2
العلويون يتقاسمون المدن الساحلية مع السنة والمسيحيين ، ويقارب عدد السكان من السنة والمسيحيين في تلك المدن المليون نسمة ، أما القرى المتناثرة في جبال العلويين ، فتكاد تكون صافية علويا ، لولا الوجود السكاني التاريخي للمسيحيين فيها ، كقرى بعينها ، أو كشركاء للعلويين في بعض تلك القرة ، أو في مراكز النواحي والمناطق والمدن المعروفة بمسيحيتها كليا أو جزئيا .
3
التغيرات الديمغرافية الميكانيكية الحاصلة خلال نصف القرن الماضي ، أدت إلى إعادة تشكل الخريطة الديمغرافية مكانيا ، ودون المساس بالنسب المعروفة بين المكونات السكانية السورية . حصل هذا بسبب متطلبات التطور الطبيعية ، كالانتقال من الريف إلى المدينة ، وكذلك بسبب عوامل سياسية ، حيث وفر نظام الأسد الفرص الواسعة لنمو شرائح علوية غنية وذات نفوذ في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها من مجالات ، أدت إلى بروز طبقة علوية متنفذة في المال والأعمال والاستثمار، انتشرت في سائر المناطق والحواضر السورية .
الأقليات الشيعية من غير العلويين :
باقي الأقليات كالدروز أيضا لهم انتشارهم في سوريا ، ولكن بشكل أقل من العلويين ، وظل تمركزهم في السويدا ء هوالطابع الأبرز لهم . ولاتشذ الطائفة الاسماعيلية عن هذا . أما " المتاولة " فقد عرف تمركزهم التاريخي الأكبر في دمشق ، وفي حارات بعينها سميت باسمهم : حارة المتاولة ، وتقع شمالي الصالحية أو منطقة الشركسية والشيخ محي الدين ، وهي شرقي المهاجرين على سفوح جبل قاسيون وحتى منطقة الأكراد ، وهم أقلية قليلة جدا ، لايعتد كثيرا بها ، وتوجد منهم عائلات وحارات في حلب ، وفي بعض القرى في ريف إدلب .. ومناطق أخرى ربما لم تسعفني الذاكرة بتذكرها .
الأقلية المسيحية :
كل الأقليات الشيعية لاتتجاوز نسبتها الخمسة عشرة بالمائة ، بالنسبة لعدد سكان سوريا . ولكن الأمر لايقف عند هذا الحد بالنسبة لنظام بشار الأسد . بل عمل ، وبشكل أكثف ، على استمالة واستقطاب المكون المسيحي إلى صفه في معركته المصيرية ضد الثورة السورية التي ارتكزت بالنسبة الكبرى على الحاضنة السنية السورية . وقد حقق الأسد نجاحات ملحوظة في تحالفاته تلك . خاصة وأن المسيحيين السوريين يتميزون بانتشارهم في الجسد الجغرافي السوري أكثر من غيرهم ، لأن الحساسية تجاههم كانت أقل بكثير من الحساسيات القائمة فيما بين بقية المكونات المجتمعية السورية . وكانوا مقبولين من سائر الاقليات ، وكان ولايزال وضعهم آمنا أكثر من وضع باقي المكونات . وميزة انتشارهم على امتداد الجغرافيا السورية مدنا وريفا ، يفيد منها النظام أيما فائدة ، حين يتخذها مرتكزات عسكرية أمنية تشبيحية ضد أبناء طائفتهم من جهة ، وضد الثورة عموما ، وتعمل لصالح نظام بشار الأسد ، وفي خدمة أجندته الخاصة . وهو مايحصل على نطاق لايستهان به .
ولو أضفنا المسيحيين إلى المكونات الشيعية ، وبعض الأكراد ، نكون أمام نسبة لايستهان فيها من الدعائم السكانية البشرية الداعمة لنظام الأسد ، وربما تتجاوز نسبتها الثلاثين بالمائة من مجموع عدد السكان السوريين .
المتورطين والداعمين لنظام بشار الأسد من المكون الإسلامي السني :
ولو أضفنا الداعمين والمؤيدين والمتحالفين مع نظام بشار الأسد من الطائفة السنية في كل شبر من الارض السورية ، وهم ليسوا بنسبة ضئيلة كما يحلو لنا أن نتوهم ، بل ربما هؤلاء يشكلون على أقل تقديرثلث عدد السكان من الطائفة السنية ، أي ثلث السبعين بالمائة ، أي ثلث مما يقرب من خمسة عشر مليون سوري سني ، أي خمسة ملايين سوري سني مع الأسد . لو أضفنا هذه النسبة السنية المؤيدة لبشار الأسد من السنة ، فإن بشار الأسد يكون قد تمكن من الاعتماد على نسبة لاتقل عن خمسين بالمائة من عدد سكان سوريا الاجمالي ، وهي عماده وسلاحه الأقوى في حربه ضد قوى الثورة والمعارضة المدنية والمسلحة معا ....وهي سبب احتفاظه بسيطرته الكاملة والجزئية على مناطق واسعة من التراب السوري ، وخصوصا على مواقع ومراكز المدن الكبرى الرئيسية ، وخطوط الإمداد فيما بينها ، وهو ، أي النظام ، لم يخسر حتى الآن سوى السيطرة على الأطراف ، وبعض المناطق التي لاتشير حتى الآن إلى توازن ميزان القوى بينه وبين خصومه من الثوار ، بل تشير إلى استمرار اختلال ميزان القوى لصالح نظام بشار الأسد حتى اللحظة . ينتج عما سبق أن بشار الأسد لايزال يحتفظ بتفوق ميزان القوى في الداخل من الناحية الكمية ، ولاشيء يدفعه لتقديم أي تنازل فعلي للخصوم . فكيف إذا كان يملك أرواق إضافية ، وعوامل قوى إضافية خارجية لامحدودة ؟
العوامل الخارجية :
لو أضفنا لكل ماذكر ، حجم الدعم والمساندة الخارجية لنظام الأسد ، لصح لنا أن نقول : إن ميزان القوى في الصراع الدائر داخل سوريا ، مايزال يرجح وبقوة كفة الميزان لصالح الأسد .
ولقد وصل الدعم الإيراني والروسي أقصى مايمكن أن يتوقعه الأسد ، ولدرجة أن دوره في قيادة البلاد لم يعد مطلقا . بالمقابل يستمر الفيتو الأمريكي الغربي على تسليح المعارضة للدفاع عن نفسها .
السيادة السورية في خبر كان :
في الحقيقة .. لولا الدعم الخارجي لما صمد بشار الأسد .. ولما قرر الصمود ، بل إن قرار مواجهة الثورة كان إلى حد كبير قرارا إيرانيا – روسيا ، خضع له الأسد ، وتنازل لهم عن بعض سلطته في المواجهة ، بل وتخلى عن السيادة الوطنية مقابل البقاء في السلطة هو ومن معه . وتحولت سوريا إلى مايشبه المستعمرة او المحمية الإيرانية – الروسية ، المدججة بالأسلحة والخبراء والمقاتلين من الحرس الثوري وحزب الله ، تحت الإشراف والتوجيه الروسي المباشر . بحيث لم يعد بقاء أو رحيل الأسد قرارا شخصيا منه ، بل بات قرارا روسيا – إيرانيا ، لايستطيع رفضه قطعا . وقد وضع التحالف الدولي المدافع عن نظام بشار كل بيضه في سلة الدفاع عن النظام الأسدي ، باعتباره نظامهم ، وامتداد لنفوذهم وهيمنتهم الكاملة على سوريا وماحولها ويحيط بها من بلدان مجاورة . ولن يجد الروس والإيرانيون شخصا أضعف من بشار ونظامه ليفرضوا عليه شروطهم وأجنداتهم الخاصة ، ويبتزونه ويستغلون ضعفه وخوفه لتمرير مخططاتهم الأمبريالية الإقليمية والدولية . والحرب في سورية هي حربهم كما هي حرب الأسد من أجل القضاء على أسس الثورة السورية .
التدخل الخارجي العسكري المباشر لصالح الأسد :
ولذلك يتنامى التدخل الخارجي الشيعي بشكل سافر في الشأن السوري ، بتشجيع ورعاية روسية . ويدخل المالكي وبعض الشيعة العراقيين المعركة مواربة ، بينما يدخلها حزب الله اللبناني علنا ، بعد تلقيه الأوامر الخامنئية ، التي فهمت الرسالة الغربية على أنها ضوء أخضر أو أصفر للتدخل السافر دفاعا عن الأسد ، وحربا على الشعب السوري من أوسع الأبواب . ما يفسر الشك بتواطؤ أوروبي أمريكي شائن ضد الثورة ،
الهدف الأول : الاحتفاظ بسورية الإيرانية كاملة :
إن المخطط الأساسي ، الذي له الأولوية ، هو الاحتفاظ بسوريا كلها تحت السيطرة الأسدية ، ومن ورائه السيطرة الإيرانية الروسية ، وعلى هذا الأساس توضع الخطط العسكرية ، في غرفة عمليات مشتركة : روسية – إيرانية – سورية . ويعتمد المخطط على المعركة الشبكية الغربالية ، التي تضيع فيها أية ملامح لخطوط التماس والمواجهة . وأهم مرتكزات المعركة ، هي البؤر المدنية – العسكرية التي شكلها ويشكلها نظام الأسد بالتعاون مع الروس والإيرانيين ، والتي تنتشر وتترابط على اتساع الجغرافيا السورية ، لتكون منطلقا لتسليط النيران على سائر المواقع الثائرة ، والواقعة تحت سيطرة الثوار . والرسالة الأسدية تقول : لن يهنأ الثوار بما كسبوه ؟ ولن تكون لهم السيطرة الكاملة على الأرض ، ولا القدرة على حمايتها من جحيم النيران الأسدية . والأداة العسكرية الأمنية هي الوسيلة الرئيسية لتطبيق المخطط ، عبر إعادة هيكلة القوات المسلحة طائفيا ، وعبر تأسيس قوات الدفاع الوطني ( اللجان الشعبية) ، وإطلاق يدها في القتل والمذابح والاغتصاب والسلب والنهب بلا تمييز ضد الآمنين والمسالمين والمدنيين .
الطبيعة الإقليمة الدولي للمشروع :
مثل هذا المشروع يعني لطهران إحياء أمجادها الامبراطورية الفارسية ، وتحقيق ماعجزت عن تحقيقه قبل الإسلام ، بسبب السد الروماني المنيع الذي حال وبقوة دون وصول الفرس إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة ، والتي تعتبر النافذة إلى فضاءات مفتوحة .على الاتجاهات كافة .
ومثل هذا المشروع يتطلب الدفاع المستميت عن نظام الأسد وحكمه ، لأنه الحلقة الأهم في الهلال الفارسي – الشيعي ، حلقة وصل على " طريق الحرير " الشيعي الذي يبدأ من طهران ، وينتهي في بيروت ، مرورا ببغداد فدمشق ، وتلك العواصم هي المحطات والمرتكزات العسكرية والأمنية والسياسية للسيطرة على الجغرافيا الشيعية الشاسعة .
ومثل هذا المشروع يصب في مصلحة كل من روسيا والصين ، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا . لأنه سيشكل جدارا حديديا يصد الأطماع الأطلسية اللامحدودة دوليا . وسيشكل منصة لاختراق الاحتكار الأطلسي للنفوذ في الخليج والمشرق العربي عموما . وربما في شمال إفريقيا أيضا ، عدا عن كونه الضمانة القوية للأحلام الروسية في الهيمنة على أهم نافذة اشتراتيجية في البحر الأبيض المتوسط ، ولهذا تضع كل من روسيا والصين كل بيضهما في سلة ذلك المشروع . وتدافع بشراسة عنه ، كيلا يكون للأطلسي موطئ قدم في المنطقة . ولأن الاحتفظ بالحلقة السورية ، يعني الحفاظ على " طريق الحرير " الفاسي الشيعي من طهران إلى لبنان وشواطئ المتوسط ، النافذة الاستراتيجية للمشروع الإيراني الروسي ، والحلم القديم الجديد لهما .
هنا يكمن سر الموقف الإيراني – الروسي – الصيني المتصلب والمنحاز كليا لنظام بشار الأسد ، والذي لم يعد مؤهلا للبقاء ، بسبب طبيعته المنافية للحد الأدنى من الكفاءة السياسية ، ومتطلبات الحكم . بل ولافرصة لإصلاحه وترقيعه وتكيفه مع التحولات الجارية . هذا مايفسر التمسك المتعصب من قبل الروس والإيرانيين ببقاء بشار الأسد ، الذي برحيله هو وطغمته سوف تنهار الأحلام الفارسية والروسية في الحفاظ على نفوذهما في شرقي البحر الأبيض المتوسط .
في غرفة العناية المشددة :
النظام السوري كله يرتكز على بقاء الأسد ، لأنه فعلا هو النظام ، والنظام مختصر بشخص بشار وعائلته وحلقته الضيقة ، وأي مساس بشخص بشار ، يعني المساس بالسلطة المطلقة ، والإجهاز عليها ، من خلال الإجهاز على الرأس : بشار . لايوجد حد أدنى للإصلاح . بل يوجد حد أقصى فقط . لأن إزالة بشار الأسد ليست الحد الأدنى بل الأقصى للإصلاح ، وهو يعني تماما قطع رأس النظام ( بشار الأسد) ، والنتيجة المباشرة هي انهيار صاعق لجسد النظام وسلطاته المطلقة والمتمركزة بشخص بشار نفسه دون سواه . وحين يحصل هذا ، لايمكن لأحد أو لجهة سياسية من داخل النظام التقاط السلطة المطلقة ، أو اختطافها وسرقتها واحتكارها ، لأنه سيواجه منافسة دموية حادة ، ولن يتمكن حلفاء النظام الإقليميين من إسعاف نظام الأسد ، الذي يعيش حالة غيبوبة شاملة أشبه ماتكون بالموت مع وقف التنفيذ ، بفضل إسعافه ومساعي إحيائه في غرفة العناية المركزة الإيرانية الروسية .


أمام المخطط المذكور ، والذي له الأولوية الاستراتيجية حتى الآن ، صعوبات ومطبات ومخاطر لايمكن تفاديها على المستوى البعيد . عدا عن كونه مقامرة خاسرة استراتيجيا ، لأن تحقيقها يتطلب حالة حرب متصلة ، وطويلة الأمد ، مايعني تكلفة عسكرية مفتوحة ومستمرة ، تفوق أي قدرة على تأمينها ، حتى لو تضافرت كل جهود التحالف الإيراني – الروسي للوفاء باستحقاقاتها المالية . وكلنا يتذكر هزيمة الروس في أفغانستان بعد عشر سنوات من الحرب ، وهزيمة الفرنسيين ومن بعدهم الأمريكان في فيتنام ، والتكلفة الهائلة بتريليونات الدولارات التي دفعتها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب احتلالها للعراق ، ولن أسوق المزيد من الأمثلة التاريخية القديمة والحديثة ، لتأكيد أن كلفة الاحتلال باهظة جدا ، لاتتحملها دول عظمى ، فكيف لنظام الأسد تحمل كلفة احتلاله لسوريا ، وكيف لحلفائه أن يتحملوا ذلك الثمن ؟ وإلى متى ؟
من هنا أرى أن الخيار الأول : الاحتفاظ بالسيطرة على كامل سوريا بالنيران غير رابح ولامؤكد ولا مضمون النتائج لافي المدى المنظور ، ولافي المدى غير المنظور . وهو بالتالي خيار ساقط وخاسر حتما مهما طال الزمن . ولهذا ، يضع الأسد وحلفاءه خيارا أو سيناريو احتياطي . يكون خط دفاع ثاني عن الوجود الإيراني الشيعي الممتد كأذرع الأخطبوط في المنطقة : لبنان وسوريا والعراق .
هل باع الغرب سوريا ؟
ربما حصل ، وفي هذه الحالة ، عقدوا صفقة رابحة مع الروس والإيرانيين ، حين باعوهم بضاعة ملغومة ومفخخة ، يدفعون ثمنها خسارة واستنزافا وتورطا في مستنقع يغرقهم أكثر فأكثر ، والرابح هو إسرائيل والغرب وأمريكا ، حين تأتيهم الفرصة على طبق من ذهب ، ليحققوا أهدافهم ضد المحور المعادي لهم في المنطقة والعالم ، على يد الثورة السورية المسكينة ، ومن دون أن يكلفوا أنفسهم الكثير من الدفع والمستحقات ، لأن ثمة بلدانا عربية تضع كل ثقلها المالي لسداد الفاتورة الثقيلة ، ولايبقى للأوروبيين والأمريكان الكثير مما عليهم دفعه مقابل صفقة باهظة يدفع السوريون ثمنها من دمائهم وأرواحهم وكرامتهم وحريتهم وحضارتهم واقتصادهم . فهل هي الخيانة ، أم اللعب على حبال السيرك السياسي الدولي والاقليمي ؟ وهل نتائج اللعب مضمونة لطرف من الأطراف ؟ أم أن اللعبة مستمرة ؟ وأن من هو خارج الملعب نسبيا ، قد يتحول إلى لاعب أصلي .
ليس من مصلحة الأمريكان والأوروبيين التخلي عن اللعب في الملعب السوري ، ولا القضاء على الثورة السورية ، التي تؤدي دورا كبيرا في تحطيم أسس المشروع ( الفارسي الروسي ) ، بل مصلحتها بإبقائها على قيد الحياة ، وبتوفير مايلزم للاستمرار في أداء مهمة هي في الواقع مهمة كانت ستقع على عاتق الغرب ، أصلا ، ولكن حظ الغرب كان كبيرا لأن الثورة السورية تنجز مالايمكنهم إنجازه ضد محور الشر الإقليمي والدولي المعادي لهم في كل مكان من العالم .

خسارة وربح
المعركة هو خسارة مستمرة بالنسبة للتحالف المعادي للثورة في الداخل والخارج . والحسم غير متاح لهم ، والثورة قدر لايمكن تفاديه ، لأنه استحقاق الطبيعة ، الذي يعني أن الحي أقوى من الميت ، والثورة هي الحياة ، والنظام هو الجثة الميته التي لامكان لها بعد الآن في سوريا . وتلك حقيقة لامرد لها شاء الروس والإيرانيون أم أبوا ، ولن يفلحوا في إحياء الموتى مهما دفعوا من أثمان لاقبل لهم بدفعها أصلا .
المشروع البديل : الكانتون العلوي :
إن الحلف الإيراني الروسي يدرك مدى المغامرة والمقامرة في سوريا ، وأن الهزيمة واردة وبقوة ، ولهذا لايريدون أن يخرجوا من " المولد " بلا " حمص " ، ما يبرر وضعهم لسيناريو بديل ، هو حاليا في المقام الثاني ، فلو فشلوا في الاحتفاظ بكامل سوريا ، لابد حينئذ من قبول فكرة : " دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر" ، ويعني هذا ، وضع سيناريو التقسيم ، وإقامة الكانتون العلوي المتمدد ، والمربوط جيدا بحزب الله والعلويين في طرابلس وحمص وحماه ، فيغدو الكيان أكثر تمركزا وكثافة وقوة طائفيا وسياسيا وعسكريا ، وبدعم مطلق من الإيرانيين والروس ، ويجري الإعداد للمشروع منذ وقت طويل . وسيكون محمية إيرانية – روسية ، لها وظيفتها في الحياة السياسية الدولية والإقليمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش