الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب المصرية وإجهاض الثورة

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 6 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



تتميز النخب المصرية بالتناقض في رؤيتها للتاريخ والأحداث الجارية، وغالبيتهم من الرجال المتخصصين في علم السياسة، وهو مثل علم الطب الذي درسناه باللغة الإنكليزية، والذي لا ينبع من دراسة أمراضنا الواقعية وتحليلها بعقولنا وإبداع نظريات جديدة لعلاجها، بل يتبع النظريات المنقولة عن عقول خارجية اعتمدت في نظرياتها على واقعها ومشاكلها ورؤيتها لمستقبلها ومصالحها.

لا تكف النخب المصرية عن استخدام الأسماء الأجنبية والمصطلحات المعقدة في مقالاتهم ومؤلفاتهم. يتباهون بكثرة الاطلاع والتعقيد والغموض. لا يدركون أن الفكرة الأصيلة المبدعة سهلة الفهم والإدراك، بديهية، لأنها تنبع من العقل المبدع المتجدد والواقع المعيش. تتناقض هذه النخب في تحليلها ثورة يناير ٢٠١١ أو أي حركة شعبية، ومنها حركة تحرير المرأة المصرية. يرجع ذلك إلى أسباب متعددة، منها تخلف التعليم الجامعي كجزء من التخلف العام، وخضوعهم للفكر الطبقي الأبوي (الذكوري) في الدولة والأسرة، والفصل بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، وبين العلم والفن، والاعتماد على التخصصات الأكاديمية الجافة، وفقدان النظرة الكلية للإنسان والكون والفرد والمجتمع، والاعتماد على المناهج الأجنبية في التعليم والثقافة والأدب بمثل الاعتماد على القروض والمعونات الخارجية في الاقتصاد والتنمية، كما تلعب القيود السياسية والدينية المفروضة دوراً في مصادرة التفكير الحر والإبداع. وتميل هذه النخب إلى البعد من مخاطر المشاركة في الحركة الشعبية في الشارع، وتعتمد في تحليلاتها على النقل من الكتب.

ويدور حوار طويل بين النخب حول أسئلة مثل: لماذا لم يعمل «المجلس العسكري» لصالح الثورة؟ كأنما لم يكن هذا المجلس جزءاً من النظام القديم، وجاء بقرار من حسني مبارك نفسه، أو كأنه لا يحصل كل عام على أكثر من بليون دولار أميركي من بؤرة الاستعمار في واشنطن؟ ويرى بعض النخب البارزة في مصر أن «المجلس العسكري» لم يكن مسؤولاً عن تحقيق مبادئ الثورة، وكان دوره قاصراً على وضع القواعد القانونية والدستورية في المرحلة الانتقالية التي ستقود في ما بعد لتحقيق مبادئ الثورة. يتجاهلون أن مراحل الثورة حلقات متصلة، وبالتالي تشمل المرحلة الانتقالية، وأن تحقيق مبادئ الثورة غير منفصل عن القواعد القانونية والدستورية التي تقود لتحقيق أهدافها.

ويقول بعضهم إن الشعب المصري عجز عن انتخاب ممثلي الثورة من خلال القواعد القانونية والدستورية العادلة التي وضعها «المجلس العسكري»، وهنا يتجاهلون أن هذه القواعد لم تكن عادلة، بل العكس هو الصحيح، إذ بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط مبارك، أعلن «المجلس العسكري» تشكيل لجنة طارق البشري (غالبيتها من الإخوان المسلمين) التي فتحت الباب لإجهاض الثورة، بإجراء الانتخابات قبل وضع الدستور الجديد، ما أنتج برلماناً هزلياً تم حله بالضرورة، ومجلس شورى صدر الحكم ببطلانه بالقانون، ورئيس للدولة لم تكف التظاهرات الشعبية ضده، وتم تجميع ملايين التوقيعات لسحب الثقة منه في ٣٠ الجاري. شاركت النخب السياسية (مدنية ودينية ومعارضة وحكومة) في إجهاض الثورة بتعبئة الجماهير للذهاب إلى انتخابات غير صحيحة، قالوا عنها «عرس الديموقراطية». أصبح الإيمان بالصندوق عندهم كالإيمان بالله، رغم أنه كان واضحاً منذ البداية أن «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» وحكومة أوباما، خططوا لهذه الانتخابات لتمكين «الإخوان» من الحكم. تضلل هذه النخب الرأي العام بإرجاع فشل الثورة إلى خيبة الثوار وضعف الشعب المصري المستعبد ثلاثين عاماً تحت حكم مبارك.

يتجاهلون أن هذا الشعب المستعبد استطاع بثورته العارمة أن يخلع مبارك في ١٨ يوماً فقط، وكان يمكن أن يسقط جسد النظام بعد سقوط رأسه، لولا تآمر القوى الخارجية الاستعمارية مع «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» لسحق الثورة والثوار، وإعادة مصر إلى عصور الظلام والحروب الدينية. ولا تكف هذه النخب أيضاً عن الدفاع عن حقوق المرأة، ويقولون إنه منذ قاسم أمين لم يظهر أحد، وأننا في انتظار قاسم أمين آخر لينقذ المرأة من الردة، ثم يناقضون أنفسهم ويقولون لا بد أن تعلن النساء العصيان والتمرد، فلن يحرر المرأة إلا المرأة، ثم يصفون النساء المتمردات الثائرات بالاسترجال وعدم الأنوثة، ويتم إقصاؤهن وإبعادهن عن مراكز القرار. هذا التناقض يكشف محاولة استخدامهم قضية المرأة، مثل استخدامهم قضية الفقر أو العمال والفلاحين، لتحقيق مطامعهم في الحكم والثروة. لا تحترم هذه النخب إلا جهود الرجال وبعضَ النساء، مثل حرم الرئيس ومن يعينهن من الوزيرات أو المساعدات أو رئيسات المجالس القومية للمرأة، وتتجاهل النساء المناضلات اللائي تعرضن للموت أثناء الثورة ودخلن السجون وتحملن الاضطهاد من أجل تحرير النساء.

كان يمكن الثورة المصرية أن تسير قدماً نحو تحقيق أهدافها (الحرية، العدالة، الكرامة) لولا وجود هذه النخب وجذورها الراسخة في التربة المصرية. ولا يمكن الخلاص من هذه النخب إلا بثورة ثقافية وتعليمية وتربوية وأخلاقية تصاحب الثورات السياسية والاقتصادية وتفرز نخبة جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العائشون في الوهم
محمد بن عبدالله ( 2013 / 6 / 11 - 12:30 )
واهم حالم مغيب من يدعي ان (((الشعب المستعبد استطاع بثورته العارمة أن يخلع مبارك في ١-;-٨-;- يوماً فقط)))..

من قلب نظام الحكم كان الاسلاميون الذين أججوا النقمة بين البسطاء ضد مبارك ومن قبله لأكثر من 80 عاما

الاخوان المسلمين وخلاياهم النائمة في القوات المسلحة وحدهم من قلبوا نظام الحكم واضطرت الولايات المتحدة للتعاون معهم حفاظا على مصلحتها أي الهدوء في المنطقة والسلام مع اسرائيل لضمان انتظام وصول البترول لمن يحتاجه في الغرب العاقل المنتج ولا لوم عليها في ذلك

من تصدى بالعنف للشرطة ولغيرها في الميدان؟
من أحرق كل الأقسام وفتح السجون في اللحظة نفسها؟
الظلاميون والظلاميون وحدهم. لو كان على شوية العيال بتوع الفسبوك لانفضت هوجة 25 يناير بعد اليوم الأول

التعصب الديني الاسلامي مازال القوة الباطشة الفاعلة التي على الساحة لا ينافسها سوى العنجهية الشوفينية لعبيد عبد الناصر الحاقد المتشنجين ضد (اسرائيل والصهيونية العالمية والغرب) !! .

لا حياة لأي رأي مطالب بالحرية الحقيقية..علينا الانتظار قرنا أو قرنين لعل العقل والحكمة ينتصران عند الـ99% من الشعب


2 - الموروث الدينى
على سالم ( 2013 / 6 / 11 - 17:35 )
ان من سوء حظ مصر عبر الاجيال والقرون الكالحه ومنذ وطئها الارهابى القاتل عمرو ابن العاص وعصابته الاجراميه هو وقوع غالبيه المصريين اسرى لغسيل المخ الاسلامى الهمجى وفرضه عليهم بحد السيف ,لاجدال ان الموروث الاسلامى البربرى هو السبب الرئيسى فى الفوضى الفكريه والخوف والجهل والتخلف والعشوائيه ,مشكله ملايين المصريين المثقفين قبل الجهله هو الخوف والخوف من نقد شرائع الاسلام الصحراويه الغبيه خشيه القتل والذبح ,هذا الخوف يتم توارثه عبر الاجيال وهو السبب الرئيسى فى اخفاقنا وتخلفنا الحضارى والسياسى والاجتماعى ,قبل كل شئ يجب فتح الخراج الاسلامى واخراج الصديد والعفن وتعقيمه وبتر هذا الخراج المسمم العفن ,الموروث الاسلامى سوف يكون حجره عاثره فى كل المحاولات الهادفه الى اخراج مصر لكى تكون دوله عصريه تنعم بالمساواه والامن والاستقرار والحريه

اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء