الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعاً عن ربيع الشعوب العربية

بدر الدين شنن

2013 / 6 / 11
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


هناك ما يوازي القوانين ، دلالة وأثراً ، قدمتها تجربة الحياة الإنسانية . يقول بعضها :

طالما أن الإنسان يفكر .. يحلم .. هو حر .. متمرد .. أو قادر على التمرد .
وعندما يسلب الإنسان قدرة التفكير .. وينتزع الحلم من أفق وجوده .. يفقد حريته .. ويكرس عبداً .
ولئلا يتمرد الإنسان .. يجنح من أجل ما يراه أفضل ، خارج واقعه المشروط " بقوانين " وأعراف ، وتقاليد ، الجماعة المنتمي إليها .. كان مالكو سطوة الحكم والثروة ، يمارسون شتى أنواع القمع ، والترهيب بمفاعيل ومجاهيل فوق بشرية ،لإعادة تدمير قدرات تفكيره ، واغتيال أحلامه ، لتأبيد سطوتهم عليه . .

في الماضي قام الطغاة بالتماهي في الآلهة .. أو موهوها بذواتهم .. لتصبح عبادة الآلهة .. عبادة لهم .. وأداة تمنح القدسية لسيطرتهم على حياة ومصائر من يعيشون في محيطهم . وقد تجلى ذلك في كثير من البلدان . لكن أكثر تجليات هذا النمط من العبودية ، ظهر في مصر الفرعونية . واستمرت هذه العبودية طوال آلاف السنين ، قبل الديانات السماوية ، واستمرت بعدها ، باستبدال العبودية لآلهة متعددة منظورة ، بالعبادة لإله واحد غير منظور ، يمنح ملكوت السلطة باسمه لمن يتبع أحكامه ونواهيه .

وعبر تراكمات القهر .. والجهل .. والتجهيل .. تجذر الخضوع للأقوى في السطوة وللأدهى في المخادعة . وتأصلت العادات والتقاليد الاستلابية للشخصية الإنسانية ، و’شوهت المشاعر والاحتياجات الإنسانية الروحية ، وأغلق العقل أمام فهم حقوق الذات ، وحقوق الآخر . وخاصة حق الاعتبار والحرية ، وحق امتلاك القدرة على الإجابة على الأسئلة المخيفة ، التي تدور حول الحياة ، وحول ما بعد الحياة .
وقد ساهمت مركبات المفاهيم " القدرية ما فوق البشرية " الملتبسة ، العصية على الفهم ، في قوننة الالتزام الشرعي ، أو القهري ، بطاعة أولي الأمر ، وفي مصادرة العقل ، واستباحة واغتيال الحلم ، وفي قولبة مفاهيم ، اختزلت مع الأيام بمسميات " الحرية والكرامة والوطن "

وخلال انتقال المجتمع الإنساني من النظام العبودي الفظ ، إلى النظام العبودي الاقطاعي ، ومن ثم إلى النظام الرأسمالي ، لم يطرأ تغيير جوهري على عوامل وشروط موروثات الماضي ، وإنما حافظت على استمرارها باشكال أخرى ، وحافظت القوى السائدة على السلطة " الدولة " الضامنة للإنقسام الطبقي العبودي .
بيد أن عدداً من البلدان ، عبر سيرورة مشحونة بالصراعات ، تمكنت من إقالة الآلهة القديمة في الشؤون المدنية ، بفصل الدين عن الدولة ، وإيقاف منح رجال الدين الشرعية للملك " للسلطة " . وأصبحت الطبقات السائدة الحاكمة .. تحتكر السلطة ، والثروة ، ووسائل الإنتاج ، وآليات المعرفة ، و’تذيب القدسية السلطوية السابقة في مجموعة قيم سياسية مسوغة ، لتكريس ولاء المجتمع لسلطاتها المتعددة ، ولمصالحها ، ومفاهيمها ، التي استقرت ، بعد مراحل صاخبة من الجدل الاقتصادي والفكري على مفاهيم .. الليبرالية .. والديمقراطية .. واقتصاد السوق ، كأقانيم مقدسة ، تجاوزت " الأب والابن وروح القدس "

وفي غمرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، تحولت السياسة في البلدان المتطورة ، إلى حاضنة لمفاهيم تقديس السلطة عبر الديمقراطية الاحتكارية ، وإلى محفزة لإعادة توظيف الآلهة المقالة لديها في البلدان المفوتة ، المراد في مخططاتها الكونية غزوها مجدداً والهيمنة عليها .
البلدان العربية ، التي ما زالت حكوماتها خاضعة للهوية الدينية ، هي أكثر بلدان العالم استعداداً لتلقي ما يخطط لها من متغيرات سلطوية ، إذ هي الأكثر تنوعاً وتناقضاً في بنيها الاجتماعية والاقتصادية ، وفي مضامين ومفاهيم السلطة ، وفي علاقاتها بالمقدس السلطوي ، وفي مسائل الحرية والاعتبار . ففي بلدان الخليج تنتشر أرقى أشكال التكنولوجيا الاستهلاكية ، والعمرانية ، والحربية ، وأعقد وسائل الاتصال الفضائية ، وأكثر العلاقات الدولية " الانفتاحية " انفلاتاً حيث تشمل إسرائيل . لكن كل هذا المستوى التكنولوجي والفضائي ، والانفلات الانفتاحي الدولي ، لم يبدل شيئاً في علاقة المقدس بالسلطة ، ولم يساعد على إحداث اختراق إنساني منفتح على الحدود الدنيا ، من مفاهيم الحرية والاعتبار , فجميع هذه البلدان متماهية بمصالح واستراتيجيات الدول الامبريالية ، السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية ، والثقافية ، والاعلامية ، وتحكمها عائلات قبلية تحمل " شرعية القداسة " الوراثية ، مثل آل الصباح في الكويت ، وآل ثاني في قطر ، وآل بوسعيدي في عمان ، وآل خليفة في البحرين ، وآل سعود في المملكة السعودية ، وآل نهيان في الأمارات المتحدة . يضاف إليها بشكل أكثر تمسكاً بقداسة السلطة ، المملكة العلوية المغربية .. حيث يعتبر الملك من أهل البيت من سلالة الحسن بن علي بن ابي طالب وأميراً للمؤمنين ، والمملكة الهاشمية الأردنية حيث يعتبر الملك من أهل البيت من سلالة هاشم عم النبي .. وجميع هذه الدول تضع الاله والسيف بينها وبين من يتنطع لأي مساس بهذه القدسية .

البلدان العربية الأكثر إحراجاً واضطراباً في وضعها الآن ، هي البلدان " الجمهورية " المحاصرة بإرهاب ما سمي " الربيع العربي " . فهي تتعرض لأحدث تحولات " المقدس " في السلطة بألوان جديدة ، تبدو في الشكل مغايرة للمقدس الموروث ، لكنها في المضمون محافظة عليه ، مع شحنة مضافة تزيد من التباسه ، ودوره ، وسطوته . فهي " التحولات " تأتي بلبوس جديدة ، ضمن مخططات إقليمية ودولية تعددية الأبعاد ، بذريعة إزاحة ما استنقع وتعفن من أنظمة تجاهلت في ممارسة السياسة معايير ، هي من أولويات المقدس الموروث ، الذي بنى عليه الأوائل العقل والوعي ، لضمان مصالح السادة الكبار.. الذين يتبوأون إدارة الكون .

على أن هذه التحولات محكومة بتناقضات هي اقرب إلى المهزلة . فمن يقود التحولات المذكورة من الدول العربية والغربية ، هي أكثر عفناً ، واستنقاعاً ، في مسألة التسلط العبودي ، من الدول المستهدفة بهذه التحولات . بل إن الطرف العربي خاصة المشارك فيها ، يمثل أسوا أشكال أنظمة الحكم تسلطاً وعبودية .. ويمارس لعبة إسقاط قادة وأنظمة ليأتي بغيرها أكثر تسلطاً .. ويستخدم الإرهاب لاستحداث ديمقراطية ملتبسة .. ويوظف الآلهة لهدم دور العبادة .

وهذا يقدم لنا معطى في غاية الأهمية ، مفاده ، أن الموروث في تقديس السلطة ، أسس لقيام أنظمة حكم رجعية مفوتة وأنظمة استبدادية قمعية ، وأسس لإغلاق باب الإبداع .. وإغلاق نوافذ العقل على العلوم الإنسانية الأساسية .. ودفع للقيام بمحاولات ، تتسم بالميز المعتقدي والتقية ، لاختراق هذا الإغلاق ، وتحقيق متغيرات سياسية ، ما أدى إلى مزيد من الإغلاق .. وتشوه العقل .. ورجرجة الانتماء الوطني والقومي . وأتاح لاحقاً لممارسة شتى أنواع اللعب بمصائر الشعوب .
على هذه الخلفية المفوتة .. المتجذرة في الوعي .. والواقع ، وبعد أن أدت " فضائح ويكيلكس " دورها ، انطلقت سيناريوهات ، مفخخة بمخططات التدخل العسكري الخارجي ، وإشعال فتيل النزاعات الطائفية ، والتقسيم ، التي وضعتها وتدير تنفيذها علناً عواصم غربية وعربية ، حاملة على المكشوف مشروع تغيير لقيادات وحكومات معينة ، انتصاراً لقيم المقدس السياسي السلطوي الجديد ، ومستبطنة فتوحات ، جغرافية سياسية ، ووضع اليد على اكتشافات مخزون نفط وغاز هائل ، وعلى أسواق وكم مذهل من الثروات ، لتحتفظ ، دون قوى دولية نامية ، بمقود مصائر العالم في مختلف القارات ، مستخدمة في تحقيق هذه التحولات ، الظروف السياسية والاجتماعية ، والاقتصادية البائسة ، التي تكابد منها شعوب مسارح التحولات ، والتي شاركت هي في إحداثها عبر الحروب والمؤمرات والعلاقات غير المتكافئة ، واحتكار التكنولوجيا المتطورة . محدثة حركة استباقية لاحتمالات انفجار الاحتجاجات الشعبية بعيداً عن سيطرتها . ما قد يؤدي إلى حركة 23 تموز 1952 جديدة في مصر، وإلى حركة 14 تموز 1958 أخرى في الراق ، أو قد يؤدي إلى ما يشبه التحولات السياسية الجذرية في أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة ، وذلك في محاولة منها لنسف مقومات قدوم " ربيع سياسي " تصنعه إرادة الشعوب العربية .

يؤكد ما ذهبنا إليه آنفاً مجريات ونتائج ربيع التدخلات الدولية والعربية الرجعية ، التي سميت بالربيع العربي في عدد من البلدان العربية ، التي نشرت فيها آليات هذا الربيع ، من ذرائع ملتبسة ، وفتاوى تحض على القتل ، ومسلحين محترفين متعددي الجنسيات ، وإعلام تحريضي ، وأموال بمليارات الدولارات ، للإنفاق على الاقتتال والحرب وإغراء المهمشين وتحويلهم إلى حواضن للإرهاب ، وتحويل المشهد العربي ، إلى فوضى وخوف وقلق على المصير في كافة البلدان العربية ، وإلى دمار ودماء وجري نحو المجهول في عدد من البلدان في شمال افريقيا والشرق الأدنى . بحيث أن أي إنسان ، قد عايش السياسة والتفاعلات السياسية ، خلال العقود الماضية ، ويمتلك الحد الأدنى من مقومات الضمير والوعي السياسي ، لايستطيع بأي حال من الأحوال ، أن يقول أن الشعوب العربية ، كانت تناضل ، ويدخل مناضلوها السجون والمعتقلات ، ويستشهد بعضهم تحت التعذيب في سجون الأنظمة الرجعية والاستبدادية ، من أجل أن يستحوذ على السلطة ، في تونس بعد زين العابدين ، راشد الغنوشي وجماعته وتابعه منصف المرزوقي بدلاً من القوى الديمقراطية التقدمية . وأن يحل محمد مرسي وأخوانه وشركاؤه السلفيون محل حملة الحلم الديمقراطي الشعبي في مصر بعد مبارك . وأن تتحكم بعد القذافي في ليبيا التنظيمات الإرهابية المسلحة ناشرة الدمار والشلل الحكومي بدلاً من نظام أكثر عطاء وحرية وكرامة . . وأن تتحول مطالب الحراك الاحتجاجي السوري الديمقراطية إلى حرب دموية يتفشى فيها الحقد والتعصب ولعنة الطائفية والتقسيم ، حرب تشارك فيها قوى إرهابية طائفية تكفيرية ، وتتبناها وتدعمها قوى عربية رجعية وقوى استعمارية غربية عريقة ، تعتمد على الموروث المقدس لتضليل البسطاء ، وعلى الإرهاب المتوحش لتحل الخلافة التكفيرية ، محل الديمقراطية وتحل الطائفية محل الهوية الوطنية والقومية والدولة المدنية العلمانية .

إن حصيلة ما سمي " بالثورات الشعبية " أو الربيع العربي ، ليس خسارة وهزيمة رؤساء وحكومات في بلدان تم ، أم قد يتم ، استهدافها ، وإنما خسارة المشروع العربي الديمقراطي ، الذي كان يطمح بعد إزالة مقومات ومكونات الرجعية والاستبداد ، إلى بناء دول وطنية ديمقراطية علمانية ، ذات أبعاد اجتماعية عادلة ، وأبعاد قومية تحررية .

وما نشهده الآن من نشاطات معارضة للسلطات الجديدة التي اختطفت وشوهت حلم " الثورة " بالمعنى الشعبي النقي ، واستحوذت على السلطة ، بدعم متعدد الأشكال ، عربي وغربي ، تتجلى في المظاهرات والاعتصامات في تونس ن ومصر ، واليمن ، والاقتتال في ليبيا ، والحرب الدامية في سوريا ، هو تعبير واضح ، عن أن الشعوب العربية ، لم تعتبر البدائل التي جاءت ، بتآمر ودعم الدول الرجعية العربية والغربية ، بعد زين العابدين ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح ، والبدائل المقاتلة للنظام السوري هي مقنعة لها أو تمثلها ، أو هي أهل لتحقيق أهدافها ومطالبها الديمقراطية المشروعة ، وهو تعبير عن ضرورة إحياء مشروعها الوطني الديمقراطي ، وتحقيق انتصار البديل الذي يمثلها ، بعيداً عن كل أشكال التدخل الخارجي ،المنتقص من مشروعيتها ، ومن هويتها الوطنية وحقوق السيادة الوطنية ، وهو تعبير عن أن ربيعها .. ربيع الشعوب العربية .. الوطني الديمقراطي .. العلماني .. الاجتماعي .. القومي التحرري .. قادم . وهو الذي سينتصر .. لأنه هو الذي يتطابق حقاً .. مع استحقاقات الواقع وحركة التريخ .. ومع كافة القيم الإنسانية والحضارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس