الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين- الدولة 194- خطوة غير مكتملة

ليلى هشام عورتاني

2013 / 6 / 11
ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها


فلسطين" الدولة 194" خطوة غير مكتملة
ليلى هشام عورتاني

إن حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، لم يغير كثيراً على الوضع القانوني الذي كان سائداً قبل هذا الإجراء، لأن فلسطين على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية كانت وما زالت محتلة من قبل إسرائيل وتنطبق عليها أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الخاص لحقوق الإنسان بصفتها إقليماً ما زال محتلاً. وأن إسرائيل دولة احتلال مسؤولة عن رعاية الشعب الفلسطيني وحماية المدنيين كما هو مقرر بموجب القانون الدولي الإنساني وأهمها اتفاقية جنيف الرابعة. بالإضافة الى أن التزام إسرائيل بالمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي العرفي للنزاعات الدولية وغير الدولية يحتم عليها واجبات ومسؤوليات تنصلت منها دولة الاحتلال، وخرقتها بكل المقاييس.
إن تعرض الشعب الفلسطيني للاضطهاد والقمع ومصادرة الحقوق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة الى الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، والاستيطان المنتشر كالسرطان على كل تلة في مناطق "C" والقدس الشرقية، والأسرى الذين يتعرضون الى أسوأ اشكال التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، كل هذا أدى الى دعم وتشجيع هذه الخطوة من مختلف أطياف وفئات الشعب الفلسطيني، لكي تتمكن فلسطين من التوجه الى محكمة الجنايات الدولية، ورفع قضايا ضد مرتكبي جرائم الحرب من الإسرائيليين. إن الجمهور الفلسطيني ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، وقد أيد هذه الخطوة أساساً لهذا السبب. لقد علق شعبنا آمالاً كبيرة على هذه الخطوة، واعتبرها انتصاراً طال انتظاره في ظل خيبات الأمل المتكررة التي أطاحت بمعنويات هذا الشعب.
ولكن في الواقع الآمال بدأت تضمحل، وما زال الانضمام الى الأمم المتحدة والحصول على دولة غير عضو هو خطوة غير مكتملة. إن لا قيمة لهذه الخطوة طالما أنها لم تترجم الى خطوات عملية تهدف الى معاقبة مرتكبي الجرائم من الإسرائيليين، وأن تُجرم الاستيطان، وتهدم جدار الضم والتوسع... وكل هذا لن يتحقق طالما أن السلطة الوطنية لم تنضم الى أي من الاتفاقيات الدولية المهمة (ميثاق روما، العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية).
بعد مرور تسعة شهور على حصول فلسطين على صفة دولة غير عضو، لم تُقدم الى الآن السلطة أي طلب للانضمام الى هذه المعاهدات المهمة. نتفهم جميعاً إذا كانت السلطة ما زالت تدرس هذه الاتفاقيات وما هي تبعاتها التي من الممكن أن ترتد عليهم بالسوء، كون القانون الدولي هو "سلاح ذو حدين". أو ربما تعرضت السلطة لابتزازات مالية من قبل المانحين (أميركا والاتحاد الأوروبي)، أو من قبل إسرائيل بحجز أموال الضرائب، وحتى قيل على لسان الرئيس أن دولاً عربية ضغطت على السلطة لمنعها من التوجه الى محكمة الجنايات الدولية بهدف مقاضاة إسرائيل.
إنه من غير المقبول أن تخضع السلطة لهذه الابتزازات، حيث أن واقع الأزمات المالية الخانقة، والحاجة الى الدعم والمال لن يتغير في الوقت القريب، وستبقى السلطة الوطنية الفلسطينية قائمة بفعل أموال المانحين، ومن غير المعقول أن ترتبط المطالبة بحقوقنا الفلسطينية بهذا الشرط الصعب. ومن حق الشعب الذي دعم قيادته في هذه الخطوة أن يحصل على إجابات حول أسباب تأخر السلطة في الانضمام الى هذه الاتفاقيات.

خطوات إجرائية باتجاه تحقيق إنجازات فلسطينية على الصعيد الدولي
لا يزال هنالك الكثير مما يمكن أن تفعله القيادة الفلسطينية بهدف تحقيق المزيد من الإنجازات على الصعيد الدولي، من أبرزها ما يلي:
• الانضمام الى اتفاقية جنيف الرابعة
بالرغم من سريان هذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى قبل أن تحصل فلسطين على صفة دولة غير عضو، إلا أن الانضمام الى هذه الاتفاقية قد يتيح للسلطة فرصة اتخاذ إجراءات خارج هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالتعاون مع الدول الأخرى السامية المتعاقدة والملتزمة بهذه الاتفاقية. كما أنه من المهم الانضمام الى اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب.
• الانضمام الى ميثاق روما
إن الانضمام الى ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية يتيح للسلطة فرصة محاكمة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين. إن جرائم الحرب التي ارتكبها القادة الإسرائيليين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة هي كثيرة جداً، وممنهجة وموثقة لدى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية. ومن الأمثلة على هذه الجرائم:
- جرائم العقوبات الجماعية بجميع أشكالها وهذه الجرائم محظورة في اتفاقية جنيف الرابعة وتقع في دائرة جرائم الحرب.
- جرائم قتل المدنيين، خصوصاً خلال الانتفاضة الثانية في عام 2002، ومن أهم هذه المجازر اجتياح مخيم جنين للاجئين وقتل أكثر من 600 فلسطيني غالبيتهم من المدنيين، وجرائم قتل المدنيين في غزة خلال حرب الرصاص المصبوب عام 2008، وأيضاً الحرب الثانية على غزة في عام 2012. وقد ارتكبت إسرائيل جرائم أخرى تتعلق "بتدمير ممتلكات الاشخاص المحميين"، وانتهاج سياسة قصف المنازل والبيوت والمساجد والمدارس وتدمير الشوارع، متجاوزة مبدأ الضرورة العسكرية والتناسبية في القوة المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة.
- سياسة التعذيب في السجون الإسرائيلية، وهي سياسة إسرائيلية ممنهجة ورسمية. لقد استشهد حتى الآن 71 فلسطيني بسبب التعذيب وسياسة الإهمال الطبي.. وآخر هذه الجرائم جريمة استشهاد عرفات جرادات التي أثارت في الوسط الفلسطيني رأياً عاماً، بسب عدم اتخاذ السلطة الفلسطينية أي إجراء عملي سوى التهديد والوعيد بالتوجه الى محكمة الجنايات الدولية، وهم بالأساس لم يقدموا طلب انضمامهم الى هذه المحكمة حتى الآن..
- تجريم الاستيطان استناداً الى ما ورد باتفاقية جنيف الرابعة، "حيث لا يجوز لدولة الاحتلال نقل السكان المدنيين الى أراض الدولة التي تحتلها". وهنا يجب استغلال تقرير لجنة تقصي الحقائق حول آثار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، والتي خلصت الى "أن هنالك التزامات معينة بموجب القانون الدولي الإنساني، وأن المحكمة الجنائية الدولية لها الاختصاص في النظر بقيام قوة الاحتلال بنقل شعبها الى الأراضي المحتلة". إن من واجب السلطة التمسك بهكذا فرص، وعدم إضاعتها أو التنازل عنها لأي سبب كان.
- كما أن موضوع الجدار من المواضيع التي يمكن تحقيق مكاسب بخصوصها إذا ما تم التعامل معها بجدية، واذا ما استُغلت كافة الإمكانيات المتاحة لتجريم جدار الضم والتوسع. وهنا أيضاً يوجد أساساً قانونياً تستند عليه السلطة، وهو فتوى محكمة العدل الدولية بخصوص "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة". والتي اعتبرت "أن تشييد الجدار لا يدخل في نطاق الضرورات العسكرية، ولا هو مرتبط بحالة الدفاع عن النفس، وأن إسرائيل يجب أن تتحمل مسؤولياتها بأن توقف بناء الجدار على الفور وأن تقوم بهدمه، وأن تلغي كافة القوانين واللوائح المتصلة بتشييده. كما أنها ملتزمة بالتعويض عن الأضرار الناجمة للأشخاص الذين تأثروا من تشييد هذا الجدار".
- إن جرائم الحرب "لا تسقط بالتقادم" : إن النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية ينص على أنه "ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي" 1999، أي لا يمكن أن تبحث المحكمة بأي جرائم ارتكبت قبل هذا التاريخ. لكن، لا يجب أن تنجو إسرائيل بجرائمها التاريخية التي ارتكبت سنة 1948 وأشهرها مذبحة دير ياسين، ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومن غير المقبول أن نستسلم، بل يجب أن نطالب بإجراء محاكم خاصة أسوة بمحكمة روندا، أو محكمة يوغوسلافيا.

• الحشد والمناصرة لإجبار إسرائيل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن_181، 242،338،194
يجب ممارسة الضغط والحشد الدبلوماسي، لكي يتم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الملزمة، وإجبار إسرائيل على تنفيذ هذه القرارات، إن تنفيذ هذه القرارات إلزامي بموجب القانون الدولي، ويحتم على الدول الأعضاء الالتزام بمسؤولياتها واتخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها التدخل العسكري لإلزام الدول على تطبقها.

• تثبيت السيادة الفلسطينية على أرض الواقع
إذ يتوجب على الدولة الفلسطينية أن تسعى للإنضمام للمعاهدات الدولية المهمة، مثلاً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية، والانضمام الى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ويبدو أن المرسوم الرئاسي الذي صدر قبل فترة حول تجريم التعذيب بالسجون الفلسطينية هو مقدمة للانضمام الى هذه الاتفاقية.
• الانضمام بشكل رسمي الى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" ورفع التحفظات عنها.
• التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل.
• الانضمام الى المؤسسات الدولية داخل الأمم المتحدة، مثل منظمة العدل الدولية والصحة العالمية ومنظمة الغذاء والصحة للأمم المتحدة ومنظمة الطيران المدني وغيرها من المنظمات.

لا يُعتبر القانون الدولي (الخاص أو الإنساني) بأي حال من الأحوال هو الحل الأخير أو الأوحد لإنهاء معاناتنا كفلسطينيين قابعين تحت احتلال غاشم. إن اللجوء الى القانون الدولي هو أحد السبل المتاحة حالياً، خصوصاً بعد أن أصبحت فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، لكن هذا الخيار متوفر فقط في حال انضمام فلسطين الى الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
يجب على السلطة الفلسطينية أن تنقل ملف الصراع مع إسرائيل الى المحافل الدولية، وعليها إدارة هذا الملف بحنكة وذكاء، فالقانون الدولي الإنساني هو ليس قانون الضعيف كما يُهيأ لنا، إنه قانون خاضع لتجاذبات القوى والتحالفات العالمية، وهذا القانون لا يُجرّم الحروب ولا الاحتلال ويتعامل معهما كأمر واقع .
إن للشعب العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، تجربة تاريخية مريرة مع الهيئات الدولية. فقد أقرت عصبة الأمم وثائق الانتداب الأجنبي على "الدول الغير قادرة على حكم وإدارة نفسها" ومنها دول الوطن العربي. هذه العصبة لم تشرعن الانتداب فقط، بل وضعته في قالب إنساني يهدف الى مساعدة المستعمرات على التطور وإدارة نفسها بنفسها، ولم تعتبر أن هذا الانتداب هو اعتداء على سيادة دولة أخرى وأنه بالأساس "استعمار".
أما بخصوص الوضع الفلسطيني، فقد تعرضت فلسطين الى مؤامرة دولية برعاية بريطانية، وتمثلت بوعد بلفور إبان فترة الانتداب البريطاني عام 1917. لقد شهد العالم عمليات الترانسفير اليهودية التي تضاعفت في الفترة 1917-1948، وسيطرت العصابات اليهودية على أكثر من 57% من الأراضي الفلسطينية، وارتكابها جرائم إبادة كاملة للسكان في بعض القرى الفلسطينية، كل هذا تحت مرأى ومسمع العالم الذي لم يحرك ساكناً.
إن قرار التقسيم رقم 181الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة هو أيضاً إجحاف وتنكر لحقوق شعب اغتصبت أرضه، وهو مناف تماماً لحق تقرير المصير للفلسطينيين أصحاب الأرض، وهو في المقابل تثبيت لحقوق شعب آخر احتل هذه الأرض عنوة. ولطالما تعاملت هيئة الأمم المتحدة بازدواجية المعايير، فقد اعترفت بدولة إسرائيل وسمحت لها الدخول في هيئات الأمم المتحدة بعد وقت قصير من إصدار هذا القرار، ولم تسمح لفلسطين بالانضمام إلا مؤخراً ولم تمنحها عضوية كاملة. ويجب التنويه الى أن القرار 181 أصبح لاحقاً أساساً للمفاوضات على أساس حل الدولتين.
إن القانون الذي يناقش آليات الحرب ويحاول أن يهذبها ويجعلها إنسانية ولا يحاول أن يمنع حدوثها، هو قانون لا إنساني. لكن نحن كفلسطينيين يجب أن لا ننظر الى الأمور من الزاوية الضيقة، وأن لا نطلق أحكاماً قد تسيء إلينا والى قضيتنا. إن مداخل القانون الدولي الإنساني متعددة، ويجب أن نخوض هذا الغمار بثقة تامة من منطلق الإيمان بعدالة قضيتنا وحقنا في التحرر من الاحتلال بشتى السبل.
إن أمام السلطة الوطنية عمل شاق، لكن التحلي بالإرادة والشجاعة هو مفتاح العمل. و"الحرب الدبلوماسية" هي خيار مفتوح، لكن أيضاً يجب التمسك بكافة الخيوط، وعدم التعويل على طريقة أو خيار محدد، فما يشوب عمل السلطة الوطنية في التعامل مع الملف الإسرائيلي أنها لا تتيح لنفسها الخوض في خيارات متعددة، فقد تمسكت بخيار المفاوضات لسنوات طويلة، وفشل هذا الخيار وباعتراف بعض القيادات، لكنها أيضاً دفعت ثمناً وخسرت ما خسرته.
إن العمل يجب أن يكون على عدة جبهات، المفاوضات والعمل السياسي من جهة، وأن تكون هذه المفاوضات ضمن شروط معينة. ومن ثم العمل الدبلوماسي والحشد والمناصرة الدوليين للحصول على أكبر تأييد ممكن لقضيتنا الفلسطينية، وكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل.
يجب على قياداتنا التوقف عن التلويح والتهديد بالذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، والانتقال الى مرحلة التنفيذ ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين على صعيد دولي، وعدم إبرام أية اتفاقيات تنتقص من حقوقنا كفلسطينيين، مثل ما تردد مؤخراً عن إمكانية تبادل الأراضي مع إسرائيل، علماً أن هذا الإجراء هو مخالف تماماً لما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة حول عدم مشروعية تبادل الأراضي، وهو انتقاص من حقوق الشعب القابع تحت الاحتلال.
وأخيراً ما زال خيار المقاومة بجميع أشكالها هو من أهم الخيارات المتاحة لدى الشعب الفلسطيني، سواءً كانت "مقاومة لا عنفية" أو "مقاومة مسلحة". إن جميع أنواع المقاومة هي مباحة ومكفولة في المواثيق الدولية، وأهمها اتفاقية جنيف الرابعة. إن إرادة الشعب مهمة، والمقاومة هي من القرارات التي يجب أن تقررها الإرادة الشعبية الفلسطينية وهي ليست منوطة برغبة شخص أو حزب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح