الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست ثورة مثقفين

ثائر زكي الزعزوع

2013 / 6 / 12
الادب والفن


نحن معشر المثقفين الكتاب الشعراء الفنانين الصحفيين الرسامين كنا عبئاً ثقيلاً على الثورة، لم نقرأ سطورها كما ينبغي، لم نغنِّ لها كما يجب، لم نرقص ونحتفل بها، نحن معشر المثقفين راقبنا الثورة وهي تنطلق فجأة من بين أوراقنا، وبين حواراتنا المسرحية، لكننا لم نفكر بها، لم نعدّ لها العدة، حتى أننا لم نحلم بها..

كنا ننزوي في الظل، نحن معشر نحب الظل كثيراً بعيداً عن المخابرات، لكننا نحب الظهور كثيراً أمام العدسات، وحين اندفعت الثورة مثل قصيدة متمردة، مثل أغنية أسطورية عقدت ألسنتنا الدهشة وراقبناها وهي تتخلص منا، ثم لحقنا بها: يا ثورة خذينا معك، لا تتركينا مهملين بين ركامنا، وتحت غبار سنواتنا، خلصينا يا ثورة من الشعارات المتعفنة، ومن لغتنا الخشبية الكريهة، خلصينا يا ثورة منا، من هزائمنا المتلاحقة، من يأسنا المقيم، من تملقنا للغة كي تصير رشيقة، خلصينا، كوني طوق النجاة الذي انتظرناه طويلاً، كوني بدايتنا التي لم نبدأها، كوني لوحتنا التي لم نرسمها، كوني نصوصنا التي لم نستطع كتابتها، ادخلي في ثنايانا الرطبة، حررينا من سنوات خوفنا، أيتها الثورة التي لم نفكر بها، بل لم نجرؤ أن نفكر بها، امنحينا دفئك، حماستك، كي ننقضّ على ماضينا الحافل بالانكسار، كي نعيد اكتشاف ذواتنا.

نحن معشر المثقفين...

اجتاحتنا الثورة، فخلعنا أحذيتنا وركضنا وراءها، لحقنا بها، تمسكنا براياتها، ولافتاتها، تملقناها كي لا تلعننا، تملقناها كي تغمرنا بضوئها، لم نقدم لها شيئاً، لم نقرأها كما يجب، ولم نكتبها كما يجب، بينما هي تراقبنا وتهمس: يا حيف.

نحن معشر المنافقين..

الذين قال بعضنا لبشار أنت الأمل، وقال بعضنا الآخر لحليفه المعمم: أنت البطل.

نحن معشر القانعين..

الذين ارتضى بعضنا أن يكون ثمة حظيرة تجمعنا اسمها اتحاد الكتاب العرب، يشرف عليها حزب السلطة.

نحن معشر الحداثويين..

الذين هربنا إلى نصوص مبهمة، وألوان صارخة لا تحمل معنى، كيلا نقع في "سين وجيم".

نحن معشر المتسولين...

الذين رضي الكثيرون منا أن ينشر كتاباته في صحف تديرها المخابرات، وكنا فرحين بالعمل في تلفزيون لا يعلم إن كانت سوريا جمهورية أم مملكة.

نحن معشر الصامتين..

الذين كانت أجهزة الأمن تعتقل أصدقاءنا، فنتحسر عليهم، وكانت تعتقلنا فيتحسر علينا أصدقاؤنا.

نحن معشر المستسلمين..

الذين كنا نرضى أن يشطب رقيب في وزارة الإعلام عباراتنا، ويرفض مدير مركز ثقافي استضافتنا، وتشرق وجوهنا إن تبسم ثغر وزير الثقافة لنا.

نحن معشر المتفرجين..

الذين كانت السينما عندنا تصنع بموافقة المخابرات، وكنا نهز رؤوسنا معجبين بما تنتجه معتقلاتهم.

نحن معشر المصفقين..

الذين نسينا كيف يمكن أن يغير المسرح التاريخ، وكيف يمكن للفنان أن يحاور الحاكم فيغلبه.

نحن، ونحن، ونحن

نحن معشر المثقفين...

نقول عن الثورة بأنها ثورتنا مع أننا لم نحلم بها، وكنا نخشى التفكير بها، ولم نهمس لزوجاتنا باسمها، تسلقنا على الثورة كما تسلق الكثيرون، ركبنا على ظهرها كما ركب الكثيرون، رقصنا وغنينا لها، ووضعنا علمها على صدورنا، وتحولنا إلى صفحات على "الفيس بوك" تتغنى ببطولة الثوار.

نعم نؤمن بالثورة، نعم فرحون بالثورة، لكن ما الذي قدمناه لها؟

هامش1: هناك بعض الكتاب والصحفيين والفنانين قدموا كثيراً وما زالوا، لكن الغالبية العظمى تحولوا إلى لاجئين لأنهم يساندون الثورة، وهم يساندونها من البعيد.

هامش2: خلال أربعين سنة كان من النادر العثور على كلمة الثورة في أي نص أدبي، أو مقالة، أو فيلم سينمائي سوري، أو أغنية أو مسرحية، إلا إذا كان الحديث عن "ثورة آذار" اللعينة.

هامش3: حين كنت معتقلاً وأثناء التحقيق معي في إدارة أمن الدولة قال المحقق بعصبية: لك العمى ضربك، معقولة تكون صحفي وشاعر وبدك حرية مثل هالزعران؟؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟