الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقعة وزارة الثقافة... دروس لمن يستوعب

هانى جرجس عياد

2013 / 6 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ما جرى عصر أمس (الثلاثاء 11 يونيو) أمام وزارة الثقافة، ليس مجرد اعتداء مجموعة من بلطجية المتأسلمين على اعتصام سلمى داخل مبنى الوزارة، إنما هو درس يجب التوقف أمامه بعناية، واستخلاص دلالاته واستشراف تداعياته.
لدينا فى المشهد محامٍ، ممدوح إسماعيل، يفترض أنه عارف بالقانون وملم به، رغم أنه مشهور بكونه «نائب الآذان» أكثر من شهرته كمحامٍ، وشخص مجهول الهوية، أحمد المغير، لا يعرف أحد ما هى وظيفته فى الحياة، لكنه معروف إعلاميا أنه تلميذ خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة الحاكمة، ثم عمرو عبد الهادى الذى ظهر فى الصورة فجأة باعتباره عضوا فيما يسمى جبهة الضمير لصاحبها صفوت حجازى وشركاه، ولا أحد يعرف ماذا كان يفعل قبل ذلك.
اجتمع الثلاثة، وتصوروا أن المعتصمين فى مكتب وزير الثقافة هم خليط من «عيال فافى على شوية عواجيز»، وأنه من السهولة بمكان التوجه إلى مقر الوزارة وطردهم بالقوة ليكونوا «عبرة لمن يعتبر» حسبما قال المغير على حسابه الخاص، فى سياق الحشد الذى دعى إليه الثلاثة معا.
من الصعب الاعتقاد أن أحمد المغير تحرك بدون إذن مسبق من أستاذه خيرت الشاطر، ومن غير المنطقى أن يكون «نائب الآذان» قد تحمس دون أن يرى «الضوء الأخضر» من كتائب العصابات الإسلامية الأخرى الداعمة لجماعة بديع-الشاطر، كما أن عمرو عبد الهادى صاحب «الايميل المخترق» لا يتحرك إلا بموافقة مسبقة من جبهة الضمير.
أراد الإخوان وتوابعهم وحواشيهم ومشتملاتهم أن يلقنوا الشعب درسا قبل 30 يونيو، وكان مقر وزارة الثقافة بالزمالك هو «معمل الاختبار»، لكن النتيجة جاءت عكس ما اشتهوا وتوقعوا.
وظنى أن «موقعة وزارة الثقافة» هى بالفعل بروفة لما هو متوقع يوم 30 يونيو وما بعده، وقد كشفت –أولا- أن كل تجار الدين الملتفين تحت عباءة الإخوان، لا يعرفون قانونا ولا يعترفون بدولة ولا مؤسسات.
لقد سبق أن اعتصم هؤلاء المتأسلمون أنفسهم أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، لمرتين، واعتدوا على بعض العاملين فيها وعدد من ضيوفهم، كما سبق لهم أن اعتصموا أمام المحكمة الدستورية ومنعوا قضاتها من الدخول إليها وممارسة عملهم، وقد كان بوسع معارضيهم –وهم كثر- أن يذهبوا إليهم محاولين فض الاعتصام، لكنهم لم يفعلوا، حيث أن التعامل مع معتصمين، حتى ولو كانوا بلطجية، هو مسئولية الدولة ومؤسساتها، وليس مسئولية تيار أو جماعة اختلفت مع الاعتصام وأسبابه. لكن السادة المتأسلمين، وبينهم قانونى، فعلوها وحشدوا حشدهم وأعدوا عدتهم ليقوموا بأنفسهم بفض اعتصام «العيال الفافى وشوية العواجيز»، المتأسلمون لا يعترفون بدولة رغم أنهم يحكمونها، ولا يحترمون مؤسسات رغم أنهم يسيطرون عليها، وفيها وزارة الداخلية التى قدم وزيرها «أوراق اعتماده» للجماعة حسب ما قال المغير نفسه، وهذا تحديدا هو مسلك الوزير الذى يدافعون عنه، يحدثك عن فساد دون أن يقدم دليلا واحدا للنائب العام (وهو منهم وعليهم ومش هيقصر معاهم)، لكنه يمارس دور الخصم والحكم ويقرر عزل من يدعى فسادهم، ليحل محلهم أصحاب «الأيادى المتوضئة»، من زبانية الجماعة وحواشيها. وقد تردد أن السيد الوزير كان منتظرا على مقهى قريب من الوزارة، ليدخل مكتبه محمولا على أعناق زبانيته، لكنه بدلا من ذلك ذهب ليواسيهم فى المستشفى.
ثم إن موقعة الوزارة كشفت –ثانيا- عن الفراق الشاسع، إلى حد التناقض، بين من يؤمن بقضية ويدافع عن وطن، وبين من مرتزقة تحركهم إشارة من أصبع «المعلم». نعم المعتصمون فى وزارة الثقافة «عيال فافى وشوية عواجيز» يجيدون صراع والأفكار، ويبدعون فى اختلاف الرؤى، ويلهبون الخيال بإبداعهم، ليس بينهم من استخدم يوما عضلاته إلا لرفع كرتونة كتب، وجدوا أنفسهم فجأة فى مواجهة عصابة تجيد التعامل بقرن الغزال، وتبدع فى استخدام الشومة، وتتفنن فى إلهاب ظهور معارضيها بالكرابيج، ولا يتورع كبيرهم عن صفع امرأة. لكن ذلك لم يكن هو العامل الحاسم فى المواجهة، فالذى حسم المواجهة عوامل اخرى تماما ليس بينها خبرة البلطجة ولا القدرة على الضرب، وفيها أن المعتصمين فى وزارة الثقافة يدافعون عن قضية ووطن، ليس بينهم من يبحث عن مكسب شخصى، وليس منهم من ينتظر «مكافأة المعلم» فى نهاية يوم «عمل»، بينما زبانية المتأسلمين على العكس تماما. وفى العوامل الحاسمة –أيضا- أن أحدا لم يدفع المعتصمين للاعتصام، وليس بوسع كائنا من يكون أن يطلب منهم فضه، قضية الثقافة ومصير الوطن هى فقط ما يدفعهم ويحركهم، بينما على الطرف الأخر، يتحرك زبانية وبلطجية المتأسلمين بإشارة من أصبع كبيرهم، أذهبوا فيذهبوا، توقفوا فيتوقفوا.
وعندما يمتد خط «موقعة وزارة الثقافة» على استقامته، سنلمس ذات الفارق بين من يجرى الإعداد الآن لشحنهم فى أتوبيسات إلى القاهرة قبل يوم 30 يونيو ليدافعوا عن مرسى وجماعته، وبين شعب بأكمله لم يدفعه أحد ولم يدفع له أحد حتى يوقع على استمارة تمرد، شعب استجاب لدعوة، ثم قرر وحده دون أية مغريات أو تهديدات أن يخرج متظاهرا غاضبا يوم 30 يونيو، إنه ذات الفارق بين من يؤمن بقضية ويدافع عن وطن، ومن يجرى شحنهم فى أتوبيسات استجابة لأمر «المعلم»، فتتجلى الحقيقة ساطعة، أن الرئيس أصبح يستمد شرعيته من عصابات تحميه من غضب الملايين، وليس بإنجازات قدمها لتحميه وتعزز من شرعيته.
ثم فى المحصلة، وعندما يمتد خط «موقعة وزارة الثقافة» على استقامته حتى النهاية، سنجد أنفسنا أمام ذات المشهد، صحيح أنه سيكون مخضبا بالدماء، لكن الصحيح أيضا أنه يقودنا إلى ذات النهاية، مع فارق بسيط، أن «المعلمين» الكبار لن يجدوا من الوقت ما يكفى لدفع حساب من شحنوهم فى أتوبيسات، ولا حتى لزيارة المصابين فى المستشفى.
المؤمن بقضية ينتصر لقضيته، أما من تحركهم إشارة من يد «المعلم»، فلن يكون بوسعهم أن يروا «اليد»، ولا حتى «المعلم» نفسه.
ليس عندى كلام لكبار المعلمين، فهم يدافعون عن مصالحهم، حتى أخر نقطة دم لدى زبانيتهم وتلاميذهم، لكننى أظن أن على هؤلاء «التلاميذ» أن يتوقفوا بعض الوقت لينظروا إلى ما هو أبعد قليلا من موقع أقداهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس