الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكسة حزيران...التحول الكبير

جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)

2013 / 6 / 12
ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها


نكسة حزيران ... التحول الكبير
بقلم/جمال أبو لاشين
مدير الدراسات بمركز عبدالله الحورانى
صباح الخامس من يونيو 1967 شن الطيران الإسرائيلي هجوماً سريعاً ومفاجئا على المطارات المصرية فدمر ما فيها، وفي ستة أيام استطاعت إسرائيل إنزال الهزيمة بالجيوش العربية على ثلاث جبهات وهي ( المصرية والسورية والأردنية) واحتلت كل قطاع غزة وسيناء حتى قناة السويس، وكل الضفة الغربية حتى نهر الأردن والقسم الأكبر من مرتفعات الجولان السورية، وأتمت احتلال القدس بشطريها ، وخسر العرب حوالي 15 ألف شهيد، ومعدات حربية قدرت بملياري دولار وتعطل العمل في قناة السويس، ولجأ ربع مليون فلسطيني من جديد للدول العربية، وانضم إليهم حوالي 150 ألف من الجولان المحتل، وخضع مليون فلسطيني في الضفة والقطاع لحكم إسرائيل
و نتيجة ما حدث في العام 1967م من نكسة واحتلال لأراضي جديدة، فقد طرأ تحول على مواقف معظم الأحزاب الدينية الصهيونية وغير الصهيونية حيث اعتبروا هذه الحرب معجزة وإشارة ربانية وبداية الخلاص، ودعت الكثير منها إلى عدم التنازل عن الأرض التي احتلت اعتماداً على الفارق بين " دولة إسرائيل " و " أرض إسرائيل " ، فدولة إسرائيل حتى العام 1967 قامت على جزء من أرض فلسطين وهو في رأيهم جزء لا يمثل مكاناً مهماً في التقاليد الدينية لكن بعد احتلال 1967 زال الفارق عملياً وأصبح هناك تطابق بين ( أرض إسرائيل ) بمفهومها الديني وبين دولة إسرائيل بمفهومها السياسي العلماني.
بعد حرب يونيو 1967 تشكل مؤتمر لخريجي مدرسة " مركاز هراب " والذين كانوا النواة لتأسيس حركة غوش إيمونيم لاحقاً في العام 1974 وقد وجه المؤتمر ثلاثة أسئلة إلى الحاضرين والقضاة اليهود وهي :
- هل يسمح وفق تعاليم التوراة بالتخلي عن مناطق محررة من أرض إسرائيل؟
- هل يسمح بالتخلي عن مناطق محتلة خوفاً من استيعاب عدد كبير من العرب داخل حدود دولة " إسرائيل " ؟
- هل يجب أن يرغمنا الضغط الدولي على الانسحاب ؟

والملاحظ أن الأسئلة صيغت صياغة دينية، وطرحت للحسم بموجب الشريعة اليهودية لا بموجب موازين القوى والمصالح السياسية.
إن تأكيد إسرائيل على المعنى الأثنى الأيديولوجي لإسرائيل الكبرى والتي انعكست بالحديث عن حدود آمنة تمكنها من السيطرة على كل المنطقة. فبالمنظور الإستراتيجي للدولة العبرية حدودها الآمنة باتت تشمل السيطرة بكل أنواعها وبالوجود السكاني الخالص لليهود في حدود ما تصل إليه.
كما لم يقتصر الشعور بمعجزة العام 1967 على المتدينين فقط وإنما شمل قطاعات كبيرة من العلمانيين وأصبحت مقولات " الجيش الذي لا يقهر " " وسمو الشعب اليهودي " ، " وشعب الله المختار " وغيرها من الصور التي تستبيح الأرض واغتصاب حقوق الغير، هي حديث الشارع اليهودي وصار مصطلح إسرائيل الكبرى أقرب للأذهان من ذي قبل وبالتالي تعززت لدى إسرائيل أهداف عدة منها :
1- إيجاد عمق استراتيجي للدولة العبرية.
2- خلق واقع جغرافي في المنطقة العربية يمكن من خلاله استيعاب مهاجرين جدد.
3- البعد عن الحديث عن الدولتين حسب قرار التقسيم في العام 1947 تحت نظرية التفوق وواقع الاحتلال.
4- انشغال العرب بإزالة آثار العدوان وبالتالي أصبح الوعي السياسي مختلفاً.
وبذلك أصبحت إسرائيل التي قبلت قرار التقسيم وكان وقتها انتصاراً لها تتمتع بهامش سياسي أرحب فرضه نتاج حرب العام 1967 فهذه الحرب المقدسة دفعت العلمانيين للعودة لممارسة الطقوس الدينية، وظهرت الأحزاب الجاهزة لاستيطان الأراضي المحتلة كفريضة دينية لإعادة أرض الميعاد لشعب إسرائيل فكانت (حركة غوش ايمونيم ) السباقة لترجمة الحلم واقعاً ملموساً وبدأت بحركة استيطان غير مرخصة ثم دعمت وصول حزب الليكود واليمين المتطرف للسلطة وأصبحت قوة لا يستهان بها.
كتبت صحيفة دافار الإسرائيلية قائلة " منذ حرب الأيام الستة يخيل لنا أن اليهود والعرب قد تبادلوا أدوارهم التقليدية ففي الماضي كان من الممكن الاعتماد كلياً على العرب لإفشال أية مبادرة من أجل السلام دون أن نلطخ أيدينا، واليوم تغيرت الصورة فالعرب يظهرون في كل مرة مبادرات جديدة ومتلائمة مع الموقف الدولي أملاً منهم أن نقوم نحن بنسف الموقف، وقد كانت محاولة التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع العربي الإسرائيلي هي الخط الرئيسي الذي سارت عليه مصر، والأردن وبعض الدول العربية بعد عدوان 1967 " ،وفي سبيل ذلك فإنها بادرت إلى قبول جميع المشاريع التي تقدمت بها أطراف ثالثة رغم أن هذه المشاريع تجاهلت حقوق شعب فلسطين القومية والإنسانية وحتمت على العرب قبول إسرائيل كدولة قائمة ذات سيادة متنازلة بذلك عن الموقف العربي الرافض تقليدياً للوجود الإسرائيلي، وتلك المشاريع حظيت بتعنت إسرائيلي رافض لها ولأي جهد، وظهر جلياً أنها لا تريد السلام بل الأرض، وأصبح الخط السياسي الإسرائيلي العام هو إرغام العرب بقبول الأمر الواقع والتسليم بشروطها، وكان المجتمع الدولي متراخياً في إعادة الجيش الإسرائيلي للحدود التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة.
ومما بدا وقتها أن حكومة الائتلاف الوطني التي ضمت مناحيم بيغن ووزراء حزب المتدينين الوطني كانت مستعدة لإعادة معظم المناطق المحتلة مقابل السلام مع الدول العربية ولكن هذا الاستعداد طواه النسيان، وفي 1967.6.19 تبنت نفس الحكومة قراراً من أربعة بنود وأبلغته للولايات المتحدة الأمريكية جاء فيه :
1- الاستعداد للانسحاب للحدود الدولية بين مصر و إسرائيل مقابل سلام وعلاقات كاملة.
2- نزع سلاح شبه جزيرة سيناء وتأمين حرية الملاحة في مضائق تيران وقناة السويس.
3- بنفس الشروط يتم الانسحاب للحدود الدولية بين إسرائيل وسوريا مع نزع سلاح هضبة الجولان وضمان تدفق مصادر نهر الأردن الموجودة في سوريا لنهر الأردن.
4- مصير الضفة وقطاع غزة يجري بحثه بشكل منفصل وكذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين.
في حين كان موقف الحاخام تسفي يهودا كوك (وكان يمثل أباً روحياً للمتدينين) حازماً وصارماً فيما يخص الانسحاب بقوله " إن هذه البلاد لنا ولا توجد هنا أي مناطق عربية، وأرضي عربية بل أراضي إسرائيل تراث الآباء الخالد وهي في جميع حدودها الواردة في التوراة تابعة للحكم الإسرائيلي ".
لقد تخلل المناقشات الدينية صراع سياسي ونية لإقامة المستوطنات الأولى خلف الخط الأخضر فخلال الأسابيع الأولى التي أعقبت الحرب أعيد إنشاء مستوطنة كفار عصيون بمباركة الحكومة الإسرائيلية حينها لم يحمل الاستيطان الطابع العنيف الذي بدأه تلميذ تسفي كوك (الحاخام ليفنغر ) والذي قام في عام 1968 وفي عيد الفصح اليهودي بالاستيطان في الخليل تحت مبدأ الحفاظ على أراضي إسرائيل الكاملة حاسما الجدل حول مستوطنة كريات أربع في الخليل بين جميع التيارات السياسية في إسرائيل من يمين ويسار ومتدينين وعلماء وأدباء ومحاضرين وقادة كبار في الجيش وكانت عصابة ليفنغر تلك الجادة في عملية الاستيطان هي النواة الأولى لحركة غوش إيمونيم التي جرى تأسيسها نهاية شتاء 1974.
وبقدر ما مثلت نكسة العام 1967 صعوداً للتيارات الدينية المتطرفة تحت وهم فكرة ظهور المسيح بقدر ما ظهرت بدايات مبكرة للتغيرات الاجتماعية داخل إسرائيل والتي منها :
1- ظهور طبقة من صانعي حلم إسرائيل الكبرى من رجال الجيش وقادتهم المشاركين في الحرب، وصعودهم على مسرح الحياة السياسية بقوة كبيرة أمثال موشي دايان، واسحق رابين، واسحق شامير، وارئيل شارون، وشمعون بيرس، وإعطاء هالة مقدسة للبزة العسكرية.
2- التحول إلى مظاهر التدين بظهور القبعات المنسوجة فوق الرأس من جانبه الخلفي، وممارسة الطقوس الدينية عند حائط المبكى تقديراً لنعمة الانتصار.
3- نشوء الصراع بين المدارس الدينية حول أهمية التجنيد العسكري وأن المتدين الصهيوني لابد أن يحمل السلاح ويخدم في الجيش.
4- زيادة حدة الصراع الاجتماعي الطبقي بين اليهود ( الاشكناز ) وهم القادمين من أوروبا وأمريكا واليهود الشرقيين القادمين من آسيا وأفريقيا المعروفين باليهود ( السفارديم ) فهم طبقة تعتبر قياساً بيهود أوربا وأمريكا أدنى حضارياً والذين وصفهم بن غوريون بقوله: " أنهم أقرب للزنوج، وهم متخلفون يعيشون حياة العصور الوسطى ويخضعون للغرائز البدائية والمتوحشة، لذلك لم يكونوا جزءاً من الطليعة العسكرية الاشكنازية المسيطرة وأمام انتصار إسرائيل بقوا على هامش المجتمع الإسرائيلي".
ولعل حدة الانقسام بين السفارديين الاشكناز تظهر من معدل التزاوج بين المجموعتين فهو لا يزيد عن 17%، والواضح أن تشجيع المؤسسة الصهيونية الحاكمة لهجرة اليهود السوفيت من الاشكناز هو محاولة لخلق توازن سكاني بين المجموعتين حتى لا يغلب الطابع السفاردي على الدولة الصهيونية المدموغة بطابع اشكنازي تلك التغيرات وجدت طريقها في تحقيق أمرين وهما :
1- مزيد من التطور الاقتصادي بفعل المعونات الكثيرة التي تلقتها إسرائيل بعد الحرب، والتي ظهرت في ازدياد عدد المصانع بأنواعها الغذائية والعسكرية وأصبح لسلعها رواجاً في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وبدأت باقتحام أسيا وأفريقيا عبر الصفقات السرية.
2- تبلور الفكر الاستيطاني لمحاولة السيطرة على الأراضي المحتلة.

لقد وصل الانعزال إلى نهاية مفاجئة بعد سنوات الاحتلال بحيث منح ذلك للعرب في إسرائيل فرصة كبيرة ليطوروا تعاطفهم، وهويتهم مع النضال الفلسطيني فقد لاحظوا المد والجزر في عمليات المنظمات الفلسطينية في المناطق المحتلة، والأساليب التي اتبعتها إسرائيل لقمعها مثل الإبعاد، والاعتقال، وهدم البيوت، وأحسوا بآثار الكفاح الفلسطيني مواجهين ازدياد الشك اليهودي المتعاظم بهم، وبتعزز دور الإتحاد السوفيتي الذي قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل وطالبها بالانسحاب من الأراضي المحتلة تعزز بالمقابل دور راكاح الذي قام بتمجيد نضال سكان الضفة والقطاع في جريدته الاتحاد، وفتح جسور العلاقة مع جماعات تابعة للمنظمات في الأراضي المحتلة، وكان أساس نشاطهم في الداخل العربي يتركز على أن هناك أهداف مشتركة لليهود والعرب أهمها رفض الصهيونية، ووقف التمييز على أساس قومي عنصري, والمساواة والتي زعزعت إلى حد عزلة الأقلية العربية في إسرائيل أمام عالم التربية المدنية حيث يفترض أن يتقاسم العرب و اليهود حقوقاً متساوية في دولة تدعي الديمقراطية وهذه الحياة المدنية بغض النظر عن نواقصها وكيفية وجودها فإنها تحدث انقطاعاً في العزلة التي يجري تأسيسها للأقلية العربية مما يقف حجر عثرة أمام إسرائيل كدولة يهودية.
وبناء على كل ما تقدم فقد خلقت النكسة أسئلة كثيرة حول العلاقات الوطنية الفلسطينية في كل أجزاء التجمعات الفلسطينية، وطرحت حلولاً كثيرة للقضية الفلسطينية، وحركت الفلسطينيين في كل مكان لنيل حقوقهم أمام آلة شرسة صهيونية تقضم حقوقهم وأرضهم كل يوم،و كذلك كان فعلها للمحيط العربي، وهذا ما قاد في النهاية وبعد الاستعداد إلى نصر أكتوبر في العام 1973م.
في نفس الوقت لم يستثنى بأي برنامج للتنظيمات الفلسطينية "الأراضي التي احتلت إثر النكبة"، فقد شملت جميعها بما فيها برنامج منظمة التحرير الفلسطينية تحرير كامل التراب الفلسطيني وبقى هذا الجزء من الشعب الفلسطيني المتبقي داخل إسرائيل في الوعي الجماعي للمناضلين الفلسطينيين وحركة النضال الفلسطيني.
وعلى ضوء الشعور بالانتصار في مصر فقد برز الشعور بالهزيمة في إسرائيل، وتصرف المصريون العرب كمنتصرين بينما تصرف الإسرائيليون كشعب مهزوم، ومقابل ألبومات النصر الصادرة في العام 1967 في إسرئيل صدرت بعد حرب العام 1973 كتب كلها مذكرات سياسية لقادة يتهمون بعضهم بالتقصير، وشكلت لجنة (اغرانات) التي عزلت رئيس الأركان وأسقطت الحكومة وقامت تظاهرات تطالب بعزل جيل كامل من الزعماء.
وفي فبراير. 1974 حضر وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان اجتماع كبير للجنود والقادة قرب قناة السويس، وصاح أحد الجنود في وجهه قائلاً: "نحن نعيش في بلبلة أخبرني بوضوح على السؤال من انتصر في الحرب؟ ".
ضحك على سؤاله الجميع بينما لم يرد موشيه ديان وأصبح ملاحقاً لسنوات برسائل كلها شتائم وتهديدات لمسئوليته عن هزيمة أكتوبر. وظهرت حركات احتجاج واسعة تخبطت أمام مطالبها الأحزاب الإسرائيلية فهي عبرت عن اتجاهات عدة داخل إسرائيل وكانت مطالبها متناقضة بين التصلب والاعتدال تسيطر عليها حالة من الاكتئاب وعدم الثقة في الأمن القومي.
لقد حاول الفلسطينيون طوال الوقت تلمس أي حل سياسي للمشكلة الفلسطينية فمن المطالبة بالاستقلال السياسي الفلسطيني زمن الانتداب البريطاني, ثم تحرير الجزء الكبير منها الذي استولت عليه إسرائيل بعد النكبة في عام 1948 وعدم الحديث عن الضفة والقطاع المداران بأيدي عربية إلى أن وقعت كل فلسطين تحت الاحتلال في العام 1967 فأصبح التحرير لكل فلسطين , ومع نشوء منظمة التحرير ووضوح الصراع أكثر أصبح مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية على كل فلسطين كحل للوجود اليهودي عليها إلى أن تقرر مرحلية الحل وتعدد أساليب النضال.
لذلك قامت الحكومات الإسرائيلية بتنفيذ خطوات تنسجم مع رؤيتها للتسوية مع الفلسطينيين ضمن ثلاثة نقاط أساسية:
1- الاستمرار في بناء المستوطنات بحيث لا يعني تجميدها توقفها نهائياً.
2- القدس عاصمة أبدية لإسرائيل بالتهويد المستمر وبطرد الفلسطينيين والتضييق عليهم فيها.
3- إلغاء حق العودة بالكامل والتحضير لنقل العرب الإسرائيليين ( فلسطينيو العام 1948) إلى خارج الدولة الإسرائيلية والتي ستكون يهودية صافية.
وفي نفس الوقت الذي وافقت فيه إسرائيل على التسوية السياسية فإنها لا زالت تضع على رأس أولوياتها ( خيار المواجهة ) , فإذا كان السلام يضمن مؤقتاً مواجهة التحديات والضغوطات الخارجية , ففي نظرها مواجهة الفلسطينيين لازالت قائمة وإشكالية الديمغرافيا ممثلة بالزيادة الفلسطينية الكبيرة المتوقعة خلال العقود القادمة أصبحت مشكلة تؤرق إسرائيل التي لا تزال ترفض الاندماج في محيطها العربي القريب , لذا لجأت إلى السيولة في ترسيم الحدود , وحركة السكان وتخطط لتحريك الخط الأخضر نحو ( حدود العام 1967 ) شرقاً بحيث تضم إسرائيل نهائياً مراكز استيطانية كبيرة , مثل ضمها الأحياء الفلسطينية حول القدس , أو غرباً بحيث يثم التخلص من تجمعات فلسطينية داخل إسرائيل متاخمة للضفة الغربية وهي تتداول جملة من الأفكار والمخططات الهدف منها تفريغ إسرائيل الجديدة من سكانها الفلسطينيين عبر تعديلات حدودية غربي الخط الأخضر.
فمنذ النكبة عام 1948، وحتى الاحتلال الإسرائيلي لبقية الأرض الفلسطينية في عدوان حزيران 1967 اختفى شعاري الدولة الديمقراطية والدولة ثنائية القومية وهذا لأن الصهيونية نجحت بالتعاون مع القوى الامبريالية وتواطؤ بعض الدوائر العربية الرجعية في منع إقامة الدولة العربية الفلسطينية. وبتشريد أقسام أساسية من الشعب الفلسطيني وتدمير اقتصاده انتقل هذان الشعاران من حيز الإمكانية الواقعية إلى حيز الخيال أو الحلم.
وبعد حزيران 1967 واحتلال إسرائيل ما تبقى من فلسطين بدأت تلك الشعارات في الظهور ثانية على اعتبار أن فلسطين كلها عادت وتوحدت ولو ( تحت الاحتلال)، إلا أن إسرائيل لم تلحق المناطق المحتلة كجزء من إسرائيل وفضلت حكمها عسكرياً والبدء في إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة لذلك أصبحت إسرائيل في مواجهة ثلاثة خيارات وهي:
1-أن تفكك المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة وتعود لحدود العام 1967 التي يكون اليهود فيها الأغلبية، وتظل دولة ديمقراطية ويهودية بأقلية عربية من الدرجة الثانية.
2- مواصلة احتلالها لأراضي العام 1967 التي سيصبح سكانها العرب مضافاً إليهم التغيرات الديمغرافية خلال خمس أو ثمان سنوات ما يوازي عدد سكان اليهود في إسرائيل وفي كلتا الحالتين ستكون إسرائيل إما دولة يهودية أو ديمقراطية ولكنها لا يمكن أن تكون يهودية ديمقراطية في الوقت ذاته .
3- أن تواصل احتلالها للمناطق المحتلة بعد أن تتخلص من الأغلبية العربية، وهذا يعني أن تكون أول ديمقراطية مارست التطهير العرقي الشامل كمشروع دولة وهذا يضعها في موقف الدولة الخارجة عن القانون الدولي إلى الأبد، ويجعلها متمردة على المجتمع الإنساني
تبدو إسرائيل قلقة من الاندماج في محيطها العربي إذا ما ساد سلاماً حقيقياً، وهذا ما يدفع حكامهم إلى رفع أسوار الغيتو اليهودي حول إسرائيل التي بقيت آخر غيتو يهودي في العالم، وهذا يثبته مشاعر الشك والكراهية والاغتراب عن المحيط وسكانه الذي تعيشه إسرائيل وإدعائها المتواصل بالانتماء للغرب البعيد، وهي مفارقة لا مثيل لها في عالم اليوم.
في ظل هذه الأوضاع لا يغدو شعار الدولة الديمقراطية أو الثنائية القومية أن يكون سوى حلماً أو مخدراً لكل من يرى انسداد في الأفق السياسي، وتبقى هذه الأفكار والشعارات رهينة لظروف أخرى غير موجودة بتاتاً في المستوى المنظور خصوصاً في ظل التغول الإسرائيلي واتجاه الشعب الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف، وفي ظل هرولة قادة الامبريالية وعلى رأسهم الرؤساء الأمريكيين نحو إسرائيل وفى ظل انهيار عربي شامل أساسه النزعة الطائفية التي تأكل جسد الأمة وتعطى الصراع قالبا دينيا بحتا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الجديد
محمد البدري ( 2013 / 6 / 27 - 23:54 )
ما الجديد في هذا المقال يا سيدي الفاضل الكريم. فالبكائيات لم يعد لها من مكان او وقت وما علينا الا بالبحث عما فيما يسمي الثقافة العربية الملوثة اسلاميا حتي ننفك من اسار العبرانيات اليهودية التي نراها بعين مفتوحة ولا نري صديدنا الداخلي الا باعين مغلقة.


2 - شكرا لمرورك اخ محمد
جمال ابو لاشين ( 2013 / 6 / 28 - 15:25 )
أخ محمد مع كل تلك الاحداث التى تعصف بالعرب والمسلمين يجب ان لاتغيب عنا الصورة الاكبر وهو انه ليس هناك ثقافة اسلامية ملوثة انما هناك مدعين للاسلام يدمرون هذه الامة ولايريدون لها النهوض والذين لايعرفون من الدين الا اللحية والحجاب وبعض السور التى يضحكون بها على بسطاء الناس باسم الدين والغريب ان الشيطان الاكبر امريكا هى خليلتهم وصديقتهم فهم يسبحون لها ليل نهار والقدس يدمر كل يوم بالحفريات وبدلا من شد الرحال اليها يريدون الجهاد فى سوريا حتى يقع العرب والمسلمين فى فتنة طائفية ملعون من ايقظها لذلك القضايا مترابطة ولايمكن فصلها والا وقعنا فى نفس الشرك المنصوب للامة باسم الدين وما تراه اليوم هو نتاج العقلية الصهيونية التى طالت التاريخ الاسلامى وعرفت مواطن ضعفه ومنهم لويس برانديس صاحب الدراسات الهامة بتفتيت الامة العربية وهو مستشار لسنوات للامن القومى الامريكى لذلك على كل اصحاب الفكر المستنير اعلان الحرب بلا هوادة على الفكر الظلامى واذرعه فى المنطقة وشكرا.

اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد