الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تمنيت أن يأكلني الدب القطبي

وليد الحلبي

2013 / 6 / 13
كتابات ساخرة


سمعت من أساطير قبائل الأسكيمو، التي تعيش في الدائرة القطبية الشمالية، أنهم كانوا إذا شاخ الرجل أو المرأة عندهم، فإنهم كانوا يضعونه في قارب عائم على سطح المياه التي ذاب جليدها بفعل ارتفاع درجة حرارة الصيف، ثم يدفعونه باتجاه المنطقة التي يعيش فيها الدب القطبي لكي يأكله. أتذكر هذه الأسطورة كلما قرأت إعلاناً عن مسابقة ثقافية في القصة القصيرة، فأول مرة صادفت هذا الإعلان، استبشرت خيراً وقلت في نفسي: (ها قد جاء الفرج بعد طول انتظار، ولا بد أن تكون قصتي هي القصة الفائزة بالجائزة الأولى)، وبدأت بمطالعة شروط المسابقة:
1- أن تكون مطبوعة على الآلة الكاتبة: فمع أنني أجيد الطباعة بسرعة 5 كلمات في الدقيقة بسبابة يدي اليمنى، إلا أنني أستطيع مضاعفة هذا العدد فيما لو استخدمت سبابة يدي اليسرى، وهكذا حققت الشرط الأول بجدارة .
2- ألا يتجاوز عدد كلمات القصة القصيرة الألف كلمة: هنا صُدِمْتُ،،،فماذا تراني فاعلاً بقصصي التي لا يقل عدد كلمات أقصرها عن الألفي كلمة. ولكن لا بد أن أحقق هذا الشرط الثاني، فعمدت إلى قصة قابلة للتشذيب والتهذيب، وهي التي كنت أعتقد أنني قد أطنبت في كثير من جملها وأسهبت، فعمدت إليها حاذفاً جملة من هنا وكلمة من هناك، فقرة من هنا وملاحظة من هناك، حتى أتيت على ألف كلمة وأكثر، وتبينت عدد ما بقي منها بالعداد المساعد في الكمبيوتر، فوجدت أنها قد تقلصت إلى 999 كلمة، ولكي أبقى في الجانب السليم وأدخل المسابقة، حذفت جملة طويلة لم أجد لبقائها مبرراً، فنزل عدد الكلمات إلى 985 كلمة، فهدأت نفسي المضطربة، فقد اجتزت الشرط الثاني.
3- هنا كانت – لا أراكم الله – الفاجعة، فقد اشترط منظمو المسابقة ألا تزيد أعمار المشاركين فيها على الثلاثين عاماً، فأُسقِطَ في يدي، فقد ولدت بعد عام الفيل ببضع سنين، وبلغت الثلاثين منذ أكثر من ثلاثين، فما السبيل إلى تجاوز هذه العقبة ؟. فكرت أن أتجاهل الأرقام، وأن أقرن يوم مولدي بحدث تاريخي عربي جلل، واستعرضت تاريخنا منذ مئة سنة، فلم أجد غير باقة من الهزائم، تزينها مجموعة من المجازر التي تصلح كل منها تاريخاً فاصلاً بين عهدين. فكرت أن أقول أنني من مواليد مذبحة دير ياسين، فوجدت ذلك كثيراً على شبابي الذهني المتوقد، فعزمت على القول بأنني من جيل كارثة كامب ديفيد عام 78، لكنني عندما طرحت هذا الرقم ( 1978) من 2013 تبين لي أنني سأكون أكبر من المطلوب، أما تأريخ ميلادي بذكرى مصيبة أوسلو فسوف يكون مضحكاً، إذ ليس مسموحاً في عرف العبقرية العربية أن تُشَجَّعَ مواهب من هم في هذه السن الصغيرة، هؤلاء عليهم أن ينتظروا. وأخيراً رسا قراري على إخبارهم بأنني قد ولدت في اليوم التالي لاستشهاد والدي في مجازر صبرا وشاتيلا، ( ولهم أن يخمنوا متى حدثت )، وقبل يوم واحد من استشهاد أمي بنفس تلك المناسبة، علهم يشفقون على يتيم قضى والداه شهيدين خلال 48 ساعة من أجل القضية، لكنني – وبعد التمعن في الأمر - رفضت هذه الأفكار جميعها، فماذا لو اشترطوا لتسليمي الجائزة - التي سأفوز بها حتماً - أن أُعرَضَ على خبير مُسَنِّنٍ ليقدر سني من عدد أسناني، هذا إن وجد منها شيئاً، عندها ستكون الفضيحة، فألغيت فكرة الاشتراك في المسابقة من أساسها، وعمدت إلى القصة التي شوهتها، فأعدتها إلى حالتها الأصلية، ومزقت الإعلان.
فكرت في أمر هذه الأمة، فوجدتها – ويا للمهزلة - تقصُر الإبداع الأدبي على من هم بين سن الخامسة والعشرين، والخامسة والثلاثين، وتقصر الإبداع السياسي على من هم بين سن الثمانين، والمئة والعشرين، فأدركت سر مكانتنا في العالمين، ومنذ ذلك اليوم، وفي كل مرة أقرأ فيها إعلاناً عن مسابقة ثقافية، أتمنى لو أنني كنت قد هرِمتُ في بلاد الأسكيمو، فأكلني الدب القطبي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟