الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة على حافة الدمع

مزمل الباقر

2013 / 6 / 13
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


اللصان اللذان سطيا على منزلك قرابة أذان الفجر بنحو ساعةٍ، انقذاك من ذلك السكير الذي أراد أن يضاجعك رغما عنك. وانت تدفعينه بلكتا يديك. كنت تضحكين رغم عنك حينما رأيته يتعثر بحافة العنقريب في اثناء هروبه العلني وأردت أن تشكريهم لولا أن أحدهم حاول أن يجرب حظه معك، عندما زجره رفيقه مذكراً أياه بأنهما قدما للمال وليس للنساء, وساومك الأخير وأراد ثمناً لسكوتهما ومكافأة على انقاذهما لك من براثن ذئب بشري.



تحاملت على نفسك ومضيت في هوانٍ نحو السّحارة ورفعت ثوبك الأخضر الليموني ، لون زينب إن شئت. ثم ملائتين أحسنت كيهما البارحة. وتناولت من تحت الملائتين ما تتدخرين من نقود كيما تدفعين ببعضها لهما. وغير أحد اللصين غافلك وانتزع نقودك من يدك بخشونة وارتقى مع رفيقه حائط الجالوص بحوش الذي تتوسطه غرفة رخيصة الأثاث هي غرفتك .برهة واختفيا في زحمة الحي العشوائي.



فارقك النوم وقد افرغت ما في جوفك بعد ان ضقت ذرعاً برائحة العرقي التي تفوح من ذلك السكير وحينما تسلقت الشمس هامة شجرة الدوم التي تتكيء على ناصية الشارع كنت تشرعين في تجفيف أكواب الشاي بعد أن غسلتيها جيداً وتسندين وجهك بكفك الايسر وتغرسين عينين جميلتين في جسد أفق بعيد متشائمة من هذا الصباح.



أخذ منك السير في الطريق الذي يصل بين بيتك ومحطة المواصلات قرابة الثلاثين دقيقة. وبآخر الشارع كانت هنالك أكداس من البشر واقفة في صبر والبص المتهالك يلوح في الافق تنبعث من مؤخرته سحابة دخان يميل لونه إلى الأسود.

زاحمت جيرانك من سكان الحي في الحافلة التي تريد السوق العربي ولكنهم تكدسوا في الحافلة وتركوك تقفين وحدك جوار لوحة إعلانية كبيرة تشرح باستفاضة طرق انتقال مرض الايدز، مزيلة باسم احد الجمعيات التطوعية التي تكافح المرض بحيك العشوائي.

كنت جميلة حد الفتنة، حزينة حد البكاء. لكن لا تبكين، انت إمرأة على حافة الدمع. آخر مرة بكيت فيها كانت عندما داهمت نوبة السعال المعتادة أمك وطفقت تبصق دماً حتى فارقت الدنيا في ذلك الفجر وتركت لك ميراثاً هو غرفة رخيصة الأثاث وإبدخانةٍ قديمةٍ متهالك وسريرين من الحديد الصدئ وسحارة خشبية بهت لون طلائها واواني الشاي وشيئا من الثياب هي ثيابك وثياب أمك.



غرست حدقتا عينيك الجميلة مجدداً في الفراغ الذي يشغل الحيز بين ذكرياتك القديمة وطريقٍ ترابي قديم رصفته السلطات لكم بعباراتٍ خطابية باعت لكم فيها ارتال من الأماني والأحلام تتعلق بتطوير الحي بإشعاله بالكهرباء وتوفير مياه الشرب فيه بكل بيت.
غرست مقلتيك في البعيد .. ربما تأتي المواصلات في القريب، كي تلحقين رزقك وتجنين شيئاً من المال من السابلة الذين يحتسون الشاي في طرقات السوق العربي .. غرست مقلتيك في الفراغ الذي يشغل الحيز بين ذكرياتك وطريق ترابي لاحت فيه مركبة عامة تأتي من البعيد فيختلط دخان مؤخرتها بعبار الطريق الترابي القديم.. ندت من تنهيدة وهمست : يااااااااا رب. !



3 أبريل 2005م
ميدان ابي جنزير – الخرطوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ‏لوحة -لبياتريتشا-


.. من خلال رسوماتهن فنانات تشكيليات تدون التاريخ




.. المغرب قرويات تواجهن تحديات تحول دون انخراطهن في التنمية


.. ظل أعرج قصة تجسد واقع نساء تعشن داخل مجتمع ذكوري




.. منها الوصم المجتمعي معاناة النساء بعد الطلاق