الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية وحرائق الجوار

محمد سيد رصاص

2013 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


أخذت سورية دوراً اقليمياً في المنطقة في عام1976 ،ولأول مرة منذ الأيوبيين، لماحصل الدخول العسكري السوري إلى بلاد الأرز على خلفية الحريق اللبناني.في الفترات السابقة من القرن العشرين كانت سورية ملعباً للآخرين وميداناً للصراع بينهم،وقد وصلت الأمور في الشهر الأول من عام1958إلى حدود من الاضطراب الداخلي،بفعل صراعات دولية- اقليمية"على سورية"بلغت ذروتها في أعوام1955-1957،وهو مادفع وفداً من الضباط السوريين للتوجه إلى القاهرة راجياً من الرئيس المصري أن يأتي ويستلم الأمور في عاصمة الأمويين،الأمر الذي كان المقدمة لسياق استغرق أربعون يوماً قبل حصول الوحدة السورية- المصرية في يوم22شباط1958.
كانت الستينيات فترة وسيطة بدءاً من انفصال28أيلول1961عن مصر ومروراً بفترة حكم البعث،تراوحت فيها دمشق بين الاستمرار كملعب للآخرين وبين أخذ دور الرديف لبغداد ضد القاهرة كمافي صيف1963لماكان البعثيون في الحكم ببغداد ودمشق وتجابهوا مع عبد الناصر بعد فشل مشروع الوحدة الثلاثية في ربيع 1963،أوفي أن تأخذ شيئاً من القوة الذاتية نتيجة صراعات اقليمية كماحصل في فترة 1964-1967في فترة انشغال القاهرة والرياض بالحرب اليمنية بالترافق مع ضعف العراق في أثناء حكم عبد السلام عارف بعد انقلابه على البعثيين في يوم18تشرين ثاني1963.
في فترة1971-1974كان التوافق الثلاثي المصري- السوري- السعودي خيمة لدور سوري جديد في الاقليم ولاستقرار داخلي لم تعرفه أنظمة الحكم السورية من قبل،كماأنه كان المظلة لحرب تشرين ولحظر النفط العربي عن الغرب. لم يؤد تزعزع هذا التوافق، مع اتجاه المصريين إلى اتفاقات منفردة مع تل أبيب بدءاً من اتفاقية فصل القوات في الشهر الأول من عام1974 ، إلى ضعف دمشق نتيجة حفاظ الأخيرة على تقارباتها مع الرياض،وعملياً فإن الدخول العسكري السوري إلى لبنان في يوم1حزيران1976 قد تم بمظلة أميركية- سعودية وضد إرادة موسكو والقاهرة وبغداد،وعندما أتى الرئيس السادات إلى قمة الرياض السداسية في تشرين أول1976التي أمنت الغطاء العربي للوجود السوري في لبنان فقد كان هذا ليس ليستعيد وضع 1971-1974لماكان أقوى أطراف ذلك الثالوث العربي بل ليكون أضعفه في طبعته المتجددة بعد ذلك المؤتمر السداسي قبل أن ينفرط عقد هذا الثالوث من جديد مع زيارة السادات لاسرائيل في يوم19تشرين ثاني1977،ومعلناً عبر تلك الزيارة استقالة مصر من شؤون آسية العربية وانكفائها على ذاتها.
من خلال توافق دمشق مع واشنطن والرياض المستمر وغير المتأثر بوضع العلاقات السورية- المصرية،وكذلك عبر استئناف للود مع موسكو في عام1978بعد توتر أعقب صدام السوريين مع اليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية في عام1976،استطاعت دمشق أن تكون المدير للأزمة اللبنانية وأن تمنع شظايا هذا الحريق من الامتداد للداخل السوري رغم اضطرابات حزيران1979- شباط1982التي رافقت الأحداث السورية آنذاك . تعزز موقع دمشق الاقليمي هذا بتحالف دمشق مع طهران منذ سقوط نظام الشاه في 11شباط1979وهو ماأتاح للسلطة السورية أن تستفيد وتضيف إلى أوراقها ماحصل من حريق اقليمي بدأ مع نشوب الحرب العراقية- الايرانية 22أيلول1980-8آب 1988 حيث لعبت دور الاطفائي للحرائق بين الايرانيين ودول الخليج ثم استطاعت أن تمسك بالورقة الكردية العراقية وبجزء من الورقة الشيعية العراقية في ظرف انفجار وتشظي البنية الداخلية العراقية الآتي بحكم تداعيات تلك الحرب بين بغداد وطهران. هذا الوضع الاقليمي القوي لدمشق في بلاد الأرز وفي بلاد الرافدين أتاح لها أن تلعب بالورقة الكردية التركية منذ نشوب التمرد الكردي ضد أنقرة بدءاً من يوم15آب1984وأن تكون مديرة لذلك الحريق في الشمال من حدودها.
هذه الأوراق السورية الثلاث أوالأربع(زائد التحالف مع طهران)،أتاحت لدمشق افشال محاولة إدارة ريغان انتزاع الورقة اللبنانية من أيدي عاصمة الأمويين وتسليمها لاسرائيل في فترة1982-1985،وقد كان التوافق السوري- الأميركي المستجد حول لبنان منذ أيلول1988عبر (اتفاق مورفي- الأسد)سبباً في قدرة دمشق على تفادي تأثيرات انهيار الحليف السوفياتي على النظام السوري وسبباً في قدرته على العوم في مرحلة القطب الواحد الأميركي للعالم من خلال بوابتي (حفر الباطن)عام1990ثم(مؤتمر مدريد)في عام1991 ومن دون أن يؤدي هذا إلى ضرائب مرافقة في بنية النظام كماحصل في تلك الفترة للكثير من الأنظمة المشابهة ذات "الحزب القائد أوالواحد"في دول (المعسكر السوفياتي)أوفي الجزائر.
عندما اضطرت دمشق في خريف1998للتخلي عن ورقة عبدالله أوجلان تحت الضغط التركي فإن هذا لم يؤد لاضعافها اقليمياً كثيراً،مادامت ممسكة بالورقة اللبنانية وبجزء من الورقة العراقية،وبسبب استمرار تحالفها مع طهران . عندما تحالفت واشنطن وطهران في غزو واحتلال العراق بعام2003وجدت دمشق نفسها في موقف صعب،وقد كان مجيء الأميركي إلى بلاد الرافدين سبباً في تغير نظرته للمنطقة والتي كان منها دخوله في مرحلة أصبح فيها موقفه مختلفاً تجاه الوجود السوري في لبنان وهو ماكان سبباً في القرار1559الصادر عن مجلس الأمن بيوم2أيلول2004،وعلى الأرجح أن اتجاه واشنطن إلى اشعال حريق لبناني تحت الأرجل السورية هو بسبب وقوف دمشق ضد الأميركي في غزو واحتلال بلاد الرافدين انطلاقاً من مقولة بوش في تلك الأيام التي اعتبر فيها العراق بوصفه"موضوع المواضيع". في تلك الأيام دافعت دمشق عن نفسها من خلال تأييدها للمقاومة العراقية ضد الأميركي وعبر دفعها للأمور في لبنان نحو اصطفاف داخلي بين(8آذار)و(14آذار) ومن خلال تقارب مع أنقرة التي ظلت حتى عام2007ضد الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين. في تلك الفترة بين عامي2003و2008كانت دمشق قادرة عبر ذلك على منع الحريقان العراقي واللبناني من الامتداد إلى البيت السوري الداخلي عبر تذكية النار تحت أرجل الأميركي في العراق وعبر إدارة اصطفاف استقطابي لبناني ضد فريق آخر (هو 14آذار) كان مدعوماً بوضوح من واشنطن،وقد زادت قدرة دمشق هذه بعد انفكاك التحالف الايراني- الأميركي إثر استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم منذ آب2005.
في فترة1976-2011لم تؤثر الحرائق المجاورة أوتمتد للداخل السوري رغم أحداث1979-1982وأحداث12آذار2004الكردية في القامشلي التي أتت كحصيلة للقوة الكردية العراقية المتنامية في إربيل بعد سقوط صدام حسين،وذلك بفعل اشتراك سورية في إدارة تلك الحرائق المجاورة. عندما نشبت الأزمة السورية الداخلية منذ يوم18آذار2011كانت الوحيدة من الدول المجاورة التي حاولت اللعب بالنار السورية هي تركية. لم ينجح رجب طيب أردوغان في ذلك رغم الغطاء الأميركي له،حيث ارتد الحريق السوري وامتد للداخل التركي في الأطر الكردية والعلوية وفي استقطاب علماني- يساري مدعوماً بالمؤسسة العسكرية ضد سياسته السورية ،ثم كان فشله في إدارة الملف السوري سبباً في اتجاه اوباما في عام2013لسحب الملف من أيدي أنقرة باتجاه توافق أميركي- روسي لحل الأزمة السورية ،وهو ماترجم في مسارات قادت لأن يدفع أردوغان فشله بالسياسة الاقليمية من خلال فواتير بدأت بالظهور في الداخل التركي منذ يوم 31أيار2013. خلال عام2013،بان أيضاً بأن الحريق السوري لايمكن أن يكون موضعياً ،كماكان الحريق اللبناني بين أعوام1975-1990والذي كان مثل منقل الشواء في بلكون المنزل الاقليمي،بل امتد إسوة بتركية إلى لبنان والعراق والأردن،فيما تشعر اسرائيل بالكثير من القلق من تداعيات هذا الحريق السوري عليها.
هل استعجال واشنطن إلى تسوية سورية"ما" مع موسكو،وهو مافاجأ الروس في أثناء زيارة جون كيري لموسكو يوم7أيار2013،هو بسبب خوفها من حريق لايمكن السيطرة عليه في الاقليم بأكمله بفعل الحريق السوري؟.....................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة