الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل أمريكا المريض

أميرة الطحاوي

2005 / 4 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


رجل أمريكا المريض
أميرة الطحاوي
يبدو لنا التاريخ مدرسة إجبارية للتعلم لا تملك أن تتسرب منها أو تدير ظهرك لأحكامها، تنظر لأحداث مرت قبل عقود و قرون، فتفاجأ بمثيلها الآن مع اختلافات العصر و المكان، يقولون لك التاريخ لا يحب كلمة لو ، لكنهم ينسون أن التاريخ قد يكرر نفسه أحيانا مستخدما فرضيات "لو "هذه، فيُعاد الحدث بمعطيات جديدة كادت أن تقع من قبل"لو"حدث كذا و كذا، نتذكر مثلاً فترة نهايات الإمبراطورية العثمانية،كانت دول أوربا الأكبر -وقتها-تهتم ببقاء هذا الرجل المريض و هي تدرك أن المرض قد دب في أوصاله و تمكن منها، و أن هناك تمرد هنا و ثورة هناك، تعلم أن سقوط هذا الرجل بات قريبا،لكن يرفض الجميع أن يموت،أمدوه بكل ما استطاعوا من عون حتى لا يسقط، فهم يريدون تركة جاهزة بدون مشاكل، بالمقابل لم تكن مشاكل و صراعات هذه الدول الكبرى محسومة بعد،فلم العجلة؟دعوه يسقط ببطء حتى ننهي مشاكلنا و حتى نتسلم أنصبتنا منه خالصة من القلاقل و ضعيفة بما يكفي للاستيلاء عليها أو الادعاء أننا جئنا لنخلصها من تخلفها و مشاكلها.
عندما ظهر بديل ليس على هواهم- محمد علي و ابنه إبراهيم و بدرجة ما إسماعيل ،لم يعجبهم أن يتولى التركة أو جزء منها هؤلاء، كما أن محمد علي كان على وشك دخول الآستانة أي أنه كان قادما بهدف محدد هو دفن جثة الرجل المريض الذي أجلوا هم الإعلان عن وفاته،رجل قوي مثل محمد علي سيحدث انقلابا على السيناريو الذي وضعوه و حافظوا عليه لعقود،فكانت مناوشات و اتفاقيات التحجيم للـ"والي" و حتى معاهدة لندن ،لاحقاً عندما اتجه إسماعيل جنوبا حتى النيل الأبيض وبحر الغزال،لم يعترضوا كثيرا،صحيح تحدث رجال البلاط الأوربي عن الرقيق و عن خطوط الطرق و المسارات و بعض الامتيازات المالية و القضائية،لكن الضغط لم يكن كافيا .. و طالما لن ينافسنا في غنيمة الرجل المريض فلن نعاديه،و عندما وافت الإمبراطورية العثمانية أجلها التام،و لم تجد من يدفن الجثة بعد أن حوصرت أو أفسدت النخب القادرة أو الراغبة في أداء هذه المهمة،كان دور الكبار في إكمال مخططهم القديم بحذافيره، و جاء الاحتلال الفرنسي و البريطاني و الإيطالي و الأسباني الخ، و اقتسموا الأوصال بنفس نسب توازن القوى الواقع آنذاك، ثم كان الوفاق الودي المتبادل بين فرنسا و انجلترا فإعادة توزيع النفوذ و الثروة ثم الحرب العالمية الأولى التي تخللها سايكس بيكو و إعادة توزيع الغنائم حتى تلك التي لم تسقط بعد.
الآن و ببساطة يعيد التاريخ نفسه
تبدو نظم الحكم التسلطية في بلاد عدة أقرب للموت، مليئة بالفساد، و تكاد أركانها أن تتصدع من فرط الهشاشة، تماما مثل الحالة التي كان عليها رجل أوربا المريض،هؤلاء يمكن وصفهم بثقة برجال أمريكا المرضى،فلم تكن معظم دول الإمبراطورية العثمانية جزء من أوربا بالمعنى الجغرافي ، و لم يكن مهما أن تكون ، فطالما ساعد نظام دولة أياً من القوى الكبرى فأنت رجلهم، بالتعبير المصري- الراجل بتاعنا.
على هذا يمكنك أن تفهم لماذا إسرائيل هي جزء من أمريكا و لماذا دول أخرى عربية و شرق أوسطية هي جزء من اهتمامات و أجندات دول أوربية رغم بعد المسافة،تشملها بالرعاية و تحصنها حتى ضد شعوبها، و لماذا تركيا الملفوظة أوربيا هي نفسها الدولة المفروضة أمريكيا في الناتو و المُدافع عنها من قبل واشنطون في محافل حقوق الإنسان و غير الانسان، الأمر لا يتوقف عند مجرد علاقات صداقة متبادلة، القصة أن هناك من عرض و هناك من اشترى، و أن مساومة ما حدثت لفترة و تكررت مرات عدة ربما لاختلاف على المقابل أو لتحسين صو ر هذه النظم أمام شعوبها، و رجال أمريكا لا يستفيدون دوماً منها ماليا لكن زيارة واحدة من سكرتير ثانٍ أو ثالث في الخارجية الأمريكية لدولة ديكتاتورية كان كافيا لتبييض صفحة هذه الدولة و التلويح بأنها مسنودة من القوى الأكبر ،ضد جيرانها و حتى شعبها،انظر مثلاً إلى علاقة صدام بأمريكا و تطورها عبر أربع عقود،هل كان صدام بحاجة مثلا لأموال واشنطون ؟ هل كان عميلا يملي تقارير؟ لا يهم المهم أن أفعاله صبت في غير صالح بلاده و دوماً لصالح آخرين غير شعبه،و هي القاعدة التي تطبق باطمئنان على أي من الساسة (حكاماً و معارضين أحيانا ) حتى هؤلاء الذي يصدعون أدمغتنا بالكلام عن الوطن و الأمة.
ظل مبدأ" الراجل بتاعنا" ساري المفعول في العالم الثالث و الشرق الأوسط حتى جاءت فكرة"الشرق الأوسط الكبير"
وجدت أمريكا أنها ليست بحاجة إلى قبضايات لينفذوا لها ما تريد، ثم أن هؤلاء القبضايات لم يعودوا بنفس القوة القديمة، ثم إنهم يحرجون أمريكا "ديموقراطياً" أمام العالم، فلماذا لا تنزل أمريكا بنفسها " و تخلص الموضوع و تحصد الاتفاقات و الامتيازات بنفسها" فكانت حرب العراق- و لأسباب عدة " لم ينجح كثيرا مبدأ " اضرب المربوط يخاب السايب " رجال أمريكا الآخرون لم يتساقطوا رغم التلويح أمريكياً بانتهاء مفعول الصفقة التي حكمت استمرار وجودهم،بعضهم يقاوم، البعض يتجمل و البعض ينصاع لكن لا أحد يرحل.
فماذا تفعل أمريكا ؟ ورطة ؟موش كده؟
في الوقت نفسه كانت الشعوب المقهورة من وكلاء أمريكا المرضى ترفض استمرار تحكم القبضايات بهم ،بل و لحسن الحظ بدأ الرجل المريض في التلوي و التململ،تسعفه أمريكا بالمنشطات و الأدوية،فهو لازال يقوم بدوره لحين توفير بديل، و هي لازالت منشغلة بورطتها بالعراق،لا تريد أن يرحل الرجل المريض الآن فهي لا تريد رجالا أقوياء من بعده، ناهيك أن هؤلاء الرجال ربما لن يعيدوا سيرة سلفهم بأن يقبلوا أن يكونوا " رجال أحد " فالحل إذن أن تبقى الأمور هادئة حتى حين،،و أمريكا تعرف أنه لا يوجد شخص آخر على هواها ليدفن الجثة .. فماذا تفعل ؟؟
تخرج من هنا مظاهرة فتسأل أمريكا" الناس دي ممكن تكون بتاعتنا " يقول العالمون " لأ" فتعطي أمريكا - سراً أو علناً-حقنة أخرى منشطة للرجل المريض- الميت، و في الآن ذاته تخرج له ملفاته القديمة و الحديثة فهي تريد أن تحضر ما يليق و يفسر دفن رجلها الذي تخلت عنه، لكن الكل يدرك أن الرجل المريض مات بالفعل، كما أن أحدا لم يتقدم لدفن الجثة.
الآن تحاول بعض القوى أن تقوم بهذا الواجب الشرعي" أو ليس إكرام الميت دفنه " ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا