الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين وصل الإسلام السياسي؟

منعم زيدان صويص

2013 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عندما حقق الإسلام السياسي أول نجاحاتة في الوصول إلى السلطة في مصر وتونس، إنتشرت موجة من خيبة الأمل بين العلمانيين وفي صفوف دعاة حرية التفكير واليساريين والقوميين في العالم العربي، وبين المثقفين والفنانين وأصحاب المواهب من مختلف الإتجاهات، وشعروا أن نجاح الإسلام السياسى سيشل الحياة الثقافية وتقدم الفنون والسياحة، وخاصة في مصر، التى كانت، مع لبنان، قائدة التطور الفكري والثقافي في العالم العربي منذ أن أحضر نابليون بونابارت الى بولاق أول مطبعة عربية في التاريخ في بداية القرن التاسع عشر، وسميت لاحقا مطبعة بولاق بعد أن إفتتحها حاكم مصر التقدمي المستنير محمد علي باشا سنة 1820. ولا نستطيع أن نلوم هؤلاء على خيبة أملهم هذه، فمختلف الفنون في العالم العربي، وفي جميع المجالات، نشأت في مصر، التي كانت في المرتبة الثانية عشرة في العالم في مجال صناعة السينما والأفلام الروائية الطويلة في النصف الأول من القرن الماضي. وانتشرت الثقافة من مصر إلى بلاد الشام والعراق وشمال إفريقيا وأنتجت مصر عباقرة في الأدب -- طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد وكثيرين -- وشعراء عظام مثل أحمد شوقي وحافظ أبراهيم وخليل مطران ومئات غيرهم. وتأسس المسرح المصري، وهو فن لم يعهده المجتمع العربي، وبنيت الأوبرا وانتعشت الموسيقى وظهر كبار العازفين والملحنين والمؤلفين الموسيقيين في النصف الأول من القرن العشرين، والذين، كما يُجمع الكثيرون، لم يتكرروا في المنطقة العربية، ولا يزال الناس يجترون شعرهم وموسقاهم، لأن ما أنتج بعدهم لم يصل إلى مستواهم. ومن سخرية القدر أن هذا الإنحدار بدأ مع تسييس المجتمع وانتشار الأحزاب السياسية وخاصة الأحزاب القومية وحركات الإسلام السياسي.

لقد ظهرت عدم مقدرة الإسلام السياسي في مصر على حكم البلاد منذ ربح الإسلاميون الإنتخابات البرلمانية بعد ثورة 25 يناير، فاستمرت القلاقل والإحتجاجات والعنف، ويظهر أن نتيجة الإنتخابات هذه كانت النجاح الأكبر للإسلاميين، لأن نجمهم بدأ يخبوا بعد ذلك، فمرسى في الحقيقة لم يحصل على أغلبية شعبية، ولو إتفق حزبان آخران على مرشح واحد، لتغلب مرشحهما عليه في الإنتخابات الرئاسية، فقد حصل مرسي فقط على أكثر بقليل من خُمْس أصوات الناخبين، وأكثر بقليل من الأصوات التي حصل عليها منافس آخر. يضاف إلى ذلك أن الصدام بين الإخوان المسلمين والسلفيين ظهرمنذ البداية وكانت تصريحات السلفيين محرجة للإخوان، وعندما حُلّ البرلمان لأسباب قانونية، شعر الإخوان بالإرتياح لأن معارضيهم في البرلمان من السلفيين كانوا سيحرجونهم كلما اتخذ مرسي قرارا يتعلق بالغرب، أوإسرائيل، أوالولايات المتحدة. والإحتمال قائم أن الإخوان والإسلاميين الآخرين لن يحصلوا حتى على نصف المقاعد التي حصلوا عليها في البرلمان المنحل إذا أجريت إنتخابات جديدة.

في بداية الثورات الشعبية العربية دعا بعض الكتاب والمثقفين الى ترك الأسلاميين يحكمون لكي يخضعوا لامتحان الحكم وذلك لأن هؤلاء الكتاب كانوا متأكدين أن الأسلاميين غير ناجحين كساسة وأنهم ما أن يتسلموا السلطة حتي ينكشفوا على حقيقتهم، وحصل هذا في مصر وتونس، وبدأ الناس يبتعدون عنهم وانتقلت العدوى إلى ليبيا واليمن وسوريا وحتى إلى تركيا. فتجربة الإسلاميين -- الإخوان والحركات الجهادية في سوريا -- كانت مُرّة لأن الشعب السوري، ومعظم الشعوب العربية والعالم سحبوا تأييدهم لهم ورفضوا تزويدهم بالسلاح ولم يتبنوا موقفا فعالا ضد دعم روسيا وأيران وحزب الله للنظام السوري، وبدأت كفة تحالف حزب الله والأسد ترجح عليهم. ولم يبق لهم منبر سوى قناة الجريرة التي فقدت مصداقيتها وحياديتها، و قناة "العرعور،" ولم يبق من مؤيديهم ومن مؤيدي الإسلام السياسي سوى قلة على رأسها الشيخ يوسف القرضاوي الذي حرق كل سفنه عندما رفع من سقف شعاراته الطائفية ضد الشيعة والطائفة العلوية في سوريا، وعندما حرض على قتل العلويين وقال إنهم "كفار أكثر من اليهود والنصارى" ودعا المسلمين إلى محاربة إيران وحزب الله.

نحن لا نؤيد لا أيران ولا حزب الله ولا حتى بشار الأسد، ولكن دعوات هذا الشيخ هى دعوات طائفية مجنونة ستدمر البلاد والشعوب العربية والإسلامية، وقد حولت مطالبة الشعب السوري بالحرية والديمقراطية إلى حرب طائفية، فهو يفتخر بأن الشيعة، كما يقول، لا يتعدون 100 مليون ولن يستطيعوا أن يتغلبوا على 1700 مليون من أهل السنة، وكأنه يطلب من السنة أن يبدأوا بتصفية الشيعة. ويظهر أن دعوة القرضاوي وجدت إستجابة سريعة، فقد نقلت وكالات الأنباء في 12 حزيران الجاري أن مقاتلي جبهة النصرة قتلوا 60 شيعيا "على الأقل" وحرقوا بيوتهم في قرية بمحافظة دير الزور.

أما ما يحصل في تركيا فهو شيء لا يصدق، فقد إمتدت الحركة المناوئة للإسلام السياسي إلى هذه الدولة التي يحكمها حزب إسلامي يدعي أنه يطبق العلمانية، ويحاول أن يبرهن لاوروبا أنه يطبق نسخة مبادىء حقوق الإنسان التي يطبقها الإتحاد الأوروبي. ولا شك أن نسخة حزب العدالة والتنمية في الإسلام السياسي متقدمة على نسخة الإخوان المسلمين، وسبق لأردوغان أن نصح الإخوان في العالم العربي أن يتبنوا مبادىء حزبه، فقد قال لأحد القنالات التلفزيونية المصرية في بداية ثورة يناير: "أنا لست علمانيا بل مسلم ولكنني رئيس وزراء لدولة علمانية،" مشددا على أنه "لا تعارض بين الإسلام والعلمانية بمفهومها الحديث." وقال: "ان العلمانية معناها وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان، أما الأشخاص فليس من الضروري ان يكونوا علمانيين. يستطيعون أن يكونوا متدينين أو ضد الدين أو من أديان أخرى، فهذا شيء طبيعي." وقال إنه يؤمن بان المصريين "سيكتشفون أن الدولة العلمانية لا تنشر اللادين ولكنها تحترم كل الأديان." وقال ايضا: " فحتى الذي لا يؤمن بالدين يجب على الدولة أن تحترمه. وإذا تم وضع تلك الضمانات فهذه هي الدولة العلمانية."

غير أن قطاعا واسعا من الشعب التركي لا يكتفي بعلمانية أردوغان بل يريد إسقاط الحكم الذي يمثله، فالمظاهرات والإحتجاجات العنيفة في إستانبول حتما ليست للدفاع عن البيئة أو لمعارضة بناء مسجد ومجمع تجاري في ميدان تكسيم وإنما لمعارضة أحزاب مبنية على أسس دينية، فالمعارضة تقول إن الحكومة لها أجندة خاصة وتتجاهل آراء الآخرين. ومن الواضح أن حكومة أردوغان عاملت المحتجين بالضبط كما عاملتهم الأنظمة العربية.

هذا هو وضع الإسلام السياسي حاليا، فليس هناك أية دوله في العالم تؤيده، والدعم الشعبي للحكومات الإسلامية يضعف باستمرار، فالإسلام السياسي غير مقبول، فهو مصدر تفرقة لأنه مبني على اتجاهات وتفسيرات متعددة، وسيجد الساسة الإسلاميون أن أول أعدائهم سيكونون من الإسلاميين الآخرين الذين ينافسونهم في تسييس الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر