الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراحة في زمن المجاملة

فوزي بن يونس بن حديد

2013 / 6 / 17
كتابات ساخرة


تبدلّت الأحوال وتغيّرت القيم في زمن انقلب فيه الحال من حال إلى حال وتسيّدت المجاملات العلاقات الاجتماعية حتى اضطر الصديق أن يكذب أحيانا على صديقه أو يستخدم الحيل المتنوعة أو الكلام المنمّق ليجعل الطرف الآخر يصدّقه، وصدّقوني إنه لا يصدقه ولكنه يجاريه حتى لا يخسره في يوم من الأيام، ولأن الزمن قد تغيّر وسادت المصالح أحوال الناس، فقد أصبحت الصداقة مبتغى كل حليم حيران وتائه في ظلمات الدنيا التائهة أصلا، ولعل السبب الرئيس الذي جعل الدنيا تنقلب رأسا على عقب، فتبدّل على إثرها نمط الحياة غياب الصراحة بين القلوب، ولأن الوسواس قد تغلّب على القيم الروحية والوازع الديني لم نعد نرى الصراحة راحة كما قيل بل أصبحنا نمجّها وكأنها ضرب من الإحراج والتدخل في شؤون الغير.
ما أحلى الصراحة بين صديقين أو زوجين أو بين الأبناء والآباء والأمهات، فهي التي تجعل البيت آمنا والصحبة قائمة والعدل بائنا، هي التي تبني المجتمع على أسس من الأخلاق الرفيعة وتبين مواقع الزلل وتفرش البساط وتكشف الأوراق، وهي التي تدخل السرور وتغلّف القلوب بالحب والودّ والوئام، فما عاش أجدادنا سعداء إلا لأنهم كانوا صرحاء، وعندما غابت الصراحة في زماننا هذا رأينا التعاسة والبؤس على الوجوه رغم التطور الذي حصل، ورغم العيش الرغيد الذي وجد.
ولكن الذي يحدث أحيانا عندما تحب الصراحة، وتعتقد أنها أفضل شيء في الحياة، تصطدم بموقف من تصارحه، فإذا ذكرت له عيبه كأنك لطمته على خدّه فيتلوّن وجهه، وقد يقصيك من قائمة أصدقائه لأنك لم تعد مرغوبا لديه، وأنت تشعر أنك خسرت صديقا كان في وقت إلى جانبك يساندك ويحكي لك ما تجيش به نفسه، وعلى حين غرّة تتغير الأحوال وتصبح في نظره إنسانا متصلبا لا تفقه من الحياة شيئا ولا تعرف أصول التعامل مع الناس وأنك أصبحت فظّا غليظ القلب، لا يولّ أحد وجهه نحوك لأنك قد ارتكبت في نظره حماقة لا تغتفر، حماقة عددتها أنت حذقا ومحاولة لإصلاح نفس دأبت على هذا النوع من التعامل، ولأن النفس أمارة بالسوء فقليل منا من يقبل صوت الآخر حينما يخبره بخطئه وحينما ينبّهه إلى عيبه وحينما يريد أن يصادقه، بل إن كَبْت الفكرة قد تنفجر يوما فتصبح نكرة رغم أنها معرفة، ورغم الارتياح الذي يشعر به الإنسان عندما يصارح الآخر فإنه قد يجني من ورائه عداوة وبغضاء وربما حقدا وكراهية.
الصراحة راحة وهي ساحة وواحة لمراجعة النفس ومحاسبتها، فهاهو الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول وهو يقود أمة إذا أحسنت فأعينوني وإذا أخطأت فقوّموني، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحم الله امرؤا أهدى إليّ عيوبي، تلك هي كلمات العظماء الذين عرفوا معنى الحياة ورسّخوا مفاهيم العدل والقسط بين الناس فعرف كل فرد حدوده وما له وما عليه فعاش الجميع عيشة هنية وماتوا ميتة سوية.
مع الأسف اليوم صارت الصراحة وقاحة، وأصبحت سلوكا مرفوضا، وكل من سلك هذا الطريق قوبل بسخط شديد وعداوة بغيضة ليس لها حدود، وكلّ من عرف هذا النهج وهذا المنهج كان مصيره الصدود، وبالتالي أصبحنا وكأننا نعيش مسرحية لها وجوه متعددة وكلّ بطل فيها ينافس الآخر حتى يحظى بشعبية أكبر ويحصل على أصوات أكثر، وتظل المَشاهد تتعقد مرة بعد مرة حتى تصل إلى النهاية المأساوية وهي نهاية كل مسرحية، ربما بموت البطل وربما تنتهي بانتصار العدو ويظل المُشاهد يتشبث بالنهاية المؤلمة وهي نتيجة طبيعية لكل عمل حسن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان