الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الفكرة القومية والإسلامية للإخوان المسلمين

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2013 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ليس المقصود من هذا المقال تناول الجوانب النظرية والعملية في فكر الإخوان المسلمين بدأ من البنا ومرورا بسيد قطب وانتهاء بما تجود به مصر الآن من إخوان، هم نموذج للمذلة والهوان، عن إشكالية القضية القومية وأبعادها الإسلامية، او بالعكس، أي إشكالية القضية الإسلامية وعلاقتها بالفكرة القومية. فقد كانت تلك قضية وما تزال مثيرة للالتباس بسبب التباس القضية الإسلامية نفسها في فكر الإخوان، وبسبب التباس القضية القومية وما آلت إليه من إحباط وانحطاط في مجرى العقود الأخيرة.
إن الفكرة الاخوانية بهذا الصدد بدأ من حسن البنا ومرورا بسيد قطب تسير ضمن سياق متجانس نسبيا يجعل مما اسماه حسن البنا يوما بحلقات المصرية والعربية والإسلامية أسلوبا ورؤية تكشف عن طبيعة العلاقة العضوية بين الفكرة الوطنية والقومية والإسلامية. وبغض النظر عما فيها من التباس نظري لا مجال للحديث حوله الآن، إلا أنها كانت تعكس وتعبر عن موقف متقدم ومتجانس وأكثر استشرافا للمستقبل مقارنة حتى بأكثر التيارات ليبرالية آنذاك وتقدمية. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار هيمنة فكرة "القومية المصرية" و"المصرية الفرعونية" و"مصر المتوسطية" و"مصر الأوربية" آنذاك، وما شابهها من أفكار هي اقرب إلى أهواء منها إلى رؤية تاريخية ومنطقية.
وفي هذا يمكن تحسس اثر "التأسيس" الأول الهش للفكرة القومية في مصر، التي لم تستطع حتى الناصرية تذليلها حتى النهاية بحيث تجعل منها فكرة مرجعية لا تتأثر بالخلافات السياسية العابرة. ومن ثم تبقى أيضا جزء من معترك الفكرة الوطنية والقومية في مصر التي وضعت الإطاحة بحسن مبارك بداية طريقها الجديد، او أنها نظفت الميدان الذي تتصارع فيه وعليه قوى الماضي التقليدية (الإخوان ومن لف لفهم) وقوى المستقبل المصرية العربية.
إننا نعثر في الخطاب القومي للإخوان، كما هو جلي في خطاب محمد مرسي الأخير وعلاقته بسوريا وحزب الله، على تعثر جلي يعكس خلل المسار التاريخي للدولة العربية الحديثة وانكماشها وذبولها وتلاشيها الفعلي مقارنة بمسار وانتصار الحداثة على النطاق العالمي وتجاوزه لمآثرها الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية.
وفي هذا الخلل يمكن تحسس وتلمس ورؤية وإدراك معنى وطبيعة وغاية الخطاب الأخير لمحمد مرسي، الذي جعل للمرة الأولى من خطاب إخواني ضيق خطابا حكوميا لمصر. بمعنى إنزال تقاليد الدولة المصرية وخطابها السياسي المتراكم في مجرى قرنين من الزمن إلى مستوى بدائي مباشر. وفيه نعثر أيضا على انحطاط خطاب الحركة الاخوانية فيما يتعلق بموقفها من إشكالية الإسلام والقومية إلى مستوى مثير للبلبلة والإشكالية العصية على الفهم بمعايير الواقعية العقلانية والمستقبل التضامني للأمة. ومن ثم يشكل خروجا جليا على فحوى ومضمون الفكرة الإسلامية في فلسفة الإخوان المسلمين الأولية. ليس هذا فحسب بل ويمكن اعتباره انتكاسا مريبا حتى مقارنة بالأفكار الانعزالية الضيقة "للوطنية العرقية". وذلك لأنه يخضع للمرة الأولى شكل ومضمون وغاية الخطاب الدولتي لمصر إلى مذهبية ضيقة وطائفية سياسية محكومة بمزاج وأهواء ومصالح أكثر القوى بدوية وهامشية وهمجية!
فقد كان المسار العام للانحطاط المصري، بوصفه عينة نموذجية كبرى للانحطاط العربي العام، هو التدرج في الهبوط من عبد الناصر إلى السادات ومنه إلى حسني مبارك ومنه إلى مرسي!! وغدا إلى عرعور مصري يجدد لها الدين!! الأمر الذي يجعل من الممكن القول، بأنه لا غرابة في خطاب مرسي الأخير من حيث إمكانية ظهوره. لكن الغرابة في كمية ونوعية وسرعة انحطاطه.
إننا نقف أمام انتقال راديكالي وليس تدريجيا في الانحطاط! فالصورة العامة المثيرة للاستغراب في خطابه، من حيث الشكل والأداء والمضمون والغاية، تقوم في أنها تجعلك تقف أمام أسئلة عديدة مثيرة، مثل هل أن محمد مرسي رئيس مصر العربية؟ أم ريس حركة اخوانية؟ وماذا يعني ذلك؟ ماذا يعني الرئيس إن لم يكن رأسا؟ وأي رأس يحمله مرسي وأي رأس يمثل؟ ولماذا انحدرت مصر إلى هذا الحد وبهذه السرعة؟ وهل هي نقطة النهاية، أم مفترق طرق، أم ما قبل الهاوية؟ ولماذا انحدرت مصر الاخوانية إلى درجة أن يأخذ فقهاء آل سعود المأجورين مهمة تعليمهم الدين والوطنية والقومية وفرز الحق من الباطل، وتعليمهم إن سوريا خارجة على الإسلام وان إسرائيل من أهل الكتاب؟ وما شابه ذلك من أشياء تبدو في واقعيتها اشد استهجانا من اشد السرياليات غرابة! ولماذا ادخل محمد مرسي مصر العربية في فلك الخيانة السعودية للفكرة القومية؟ ولماذا جعل منها تابعا ذليلا لوهابية متخلفة وبدائية هي "سنة" أعراب لا إيمان فيها (بالمعنى الإسلامي). إذ ليست الوهابية إسلاما بالمعنى الدقيق للكلمة، بقدر ما هي دين بدوي جديد بمجموعه هو مجرد قيم وأعراف نجدية خشنة؟ وأخيرا لماذا تنحدر مصر ذات التقاليد الثقافية الهائلة إلى هذا المستوى الرديء؟
إننا نقف أمام أسئلة مثيرة ومحيرة ومدهشة، ولكن ليس بوصفها بداية التفلسف او غايته، بقدر ما أنها تعكس حالة المرارة المخيبة للأمل. لكنها شأن كل حالة من هذا القبيل هي مقدمة الرؤية النقدية واستشراف المستقبل، الذي تبدو ملامحه الجلية بما في ذلك من خلال هذا السقوط السريع والمريع. إذ يعكس هذا السقوط الحالة المميزة لطبيعة الانتقال من سيئ إلى أسوء بوصفه أسلوب وجود العالم العربي ومصر بشكل خاص من جهة، كما يعكس من جهة أخرى الحقيقة القائلة، بان مرحلة تاريخية قد أخذت بالتلاشي، وبأثرها بدأت تبرز ملامح مرحلة تاريخية كبرى جديدة. والمقصود بذلك بداية تلاشي ما ادعوه بالمرحلة الدينية اللاهوتية في الوعي السياسي. وليس "إنعاش" النعرة الطائفية والمذهبية ووضعها في أساس الرؤية السياسية سوى الخاتمة المغلقة لهذه المرحلة وأسلوبها في "العلم والعمل".
إذ لا يعني تبني المشروع الطائفي من جانب مصر سوى إسقاط مصر إلى الحضيض. بمعنى مسابقتها ممالك وإمارات الخليج "العربية" في أمور هي عين الهلاك والخراب. إذ لا يعنى حتى "نجاحها" في منافسة آل سعود وأمثالهم سوى عين السقوط في أوحال لا علاقة لمصر بها ولا قدرة على تبنيها حتى النهاية. فالطائفية العلنية والمستترة في مملكة آل سعود وإمارات الخليج هي جزء عضوي من تركيبتها السياسية والقبلية والعقائدية والثقافية والدينية، بينما لا شيء منها في مصر.
بل حتى فكرة "أهل السنة والجماعة" في مصر هي فكرة طارئة وخارجية ومفتعلة ومتخلفة أيضا. لقد كانت تقاليدها في العموم إسلامية عامة. بينما فكرة "السنّة" فيها هي نتاج مرحلة الانحطاط، أي مرحلة هيمنة وسطوة الصعاليك والمماليك. فما قبلها كانت إسلامية تمتزج فيها تقاليد مصر القديمة بالصعود الإسلامي، الذي نجد انعكاسه في مختلف ميادين الإبداع النظري والعملي الإسلامي، وبروز شخصيات روحية كبرى مثل ذو النون المصري وابن الفارض. ثم تبعتها فاطمية ذات تقاليد فلسفية إسماعيلية عميقة. وما بعدها موات وتمويت للروح الثقافي وسيطرة التقليد الفج ومن ثم تقاليد الحشو من تجميع، وشروح، وشروح على الشروح، التي تتطابق مع تقاليد النقل والرواية المميزة "لأهل السنة والجماعة"، أي تلك التقاليد التي تحارب بقدر واحد العقل والاجتهاد والنزعة الإنسانية. بل أن تقاليد الإخوان الأصلية كما نراها في كتابات وأراء ومواقف حسن البنا وسيد قطب هي إسلامية عامة خالصة، أي أنها لم تنحدر إلى مستوى الطائفية والمذهبية الضيقة. بل على العكس كانت تحاربهما بقوة. وقبل ذلك كانت تقاليد الفكرة الإصلاحية التي مثلها محمد عبده، الذي وجد في الوهابية قوة مدمرة للثقافة. وبآرائه تأثرت مختلف الاتجاهات المصرية الإسلامية والليبرالية والوطنية والقومية، أي كل ذلك الرعيل الذي صنع شخصية مصر الحديثة، بوصفها دولة دنيوية ورائدة في الثقافة العربية الحديثة. لكنها ريادة كانت وثيقة الارتباط بالدور الهائل الذي لعبه رجال النهضة السوريين.
الأمر الذي يشير إلى أن تاريخ مصر الحديث هو جزء من تاريخ المشرق العربي (الهلال الخصيب) تماما كما أن تاريخ المشرق العربي الحديث هو جزء من تاريخ مصر الحديثة. إنهما كلاهما كانا على الدوام وحدة مترابطة، وجدت تعبيرها النموذجي في أول فرصة سانحة (ولتكن غير ناجحة) في تجربة الوحدة العربية الحديثة. إنهما كلاهما صيرورة معقدة ومتصارعة. وكلما يرتقي الوعي الوطني والقومي فيهما كلما يجعل من وحدتهما مهمة عملية. أما سلوك محمد مرسي في خطابه الأخير فانه يقف بالضد ويتعارض مع كل وقائع وحقائق التاريخ السوري - المصري الحديث، أي كل تاريخ الفكرة العربية القومية والإسلامية.
فمن الناحية السياسية والفكرية يمكننا العثور في خطاب وسلوك الحركة الاخوانية كما هو جلي في شخصية وخطاب محمد مرسي مؤشرا أوليا على عقم الفكرة الاخوانية الحالية وانحطاطها ومن ثم انهيارها القريب. أما من الناحية التاريخية والفكرة المستقبلية، فأنها تعكس خصوصية مرحلة الانتقال الخشنة والمؤلمة للعالم العربي من مرحلة اللاهوت الديني إلى مرحلة اللاهوت السياسي ومنه إلى فضاء يذلل تقاليد التدين السياسي المفتعل واللاهوت الحزبي والطائفي. بعبارة أخرى، إننا نقف أمام حالة النزع الأخير لهذا النمط من التفكير والممارسة السياسية "الإسلامية" المنحدرة صوب بنية ما قبل الدولة والحداثة، والمتعاونة بوعي او دون وعي مع أعداء وخصوم الفكرة العربية القومية والإسلامية الثقافية.
*** *** ***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة