الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتمردة

اميرة بيت شموئيل

2013 / 6 / 18
الادب والفن


وقف جمال امام بابها صامتا يتحين فرصة خروجها ليدفع بجسمه داخل شقتها عنوة ، فهو يعلم تماما بانها لن تدعوه الى بيتها ليتعرف على عالمها السري ، اذا لم يفاجئها بالاقتحام والسرعة.
- ما الذي تريده من جراء هذا الاسلوب المشين ؟
- لطالما وددت لو تعرفت الى عالمك الغامض
- ولماذا تريد معرفة عالمي السري ؟
- تمردك هو الذي يغريني باقتحام عالمك
- حسنا ولكن ، تأكد انه لن يسعدك التعرف عليه
جال بعينيه على الحيطان الغارقة في عتمة السواد واخذ يحولهما بينها وبين بيبان الغرف الاكثر سوادا في لونها قائلا:
- ماهذا السواد الذي يلف جدران وبيبان شقتك ؟؟
- انها الحقيقة التي اعشقها
- لا اصدق ان سيدة الهزل والتمرد والصراخ تعيش السواد في بيتها
- الم يقال الطائر المذبوح يرقص من الالم ؟؟
- اي الم يجلعلك عابثة بحياتك وحياة الاخرين
- جميعنا لانستحق ان نعيش بسلام ... انظر ما فعله الاخرين بحياتي
اخذته من يده وسحبته وراءها الى كل غرفة من غرفها المظلمة قائلة :
- هذه غرفة ابي وامي الذين قتلتهم الحروب الطائفية ... وهذه غرفة اخي الذي اعدم من قبل احد حكام الدكتاتورية ... وهذه غرفة حبيبي الذي قتله ابناء العنصرية ... لم يبقى منهم الا صورا وضعتها على الحيطان .. وهذه انا الهاربة بجلدي والميتة بقلبي . فهل عرفتنا ؟ ام انك بحاجة الى شرح اوسع ؟
- هذا يكفي ، دعينا نذهب من هنا الى مكان هادئ
- وهل وجدت هذا المكان يصرخ في وجهك ؟
اقترب منها ليضمها بين جناحيه عسى ان تهدئ الثورة فيها ولكنها ابعدته قائلة :
- لست بحاجة الى مورفين المحبة من احضانك ، هيا اخرج من بيتي بسرعة.
- الان فقط عرفت لماذا تستهزئي وتصرخي خاصة ، عندما تكوني وسط العراقيين .
- نعم ، انا اكرهكم لانكم سبب مأساتي لانكم لم ترفعوا الظلم القابع على راسي يوما. هيا اخرج.
قبل ان يخرج لاحظ بعض الصور القديمة المنتشرة في غرفة الاستقبال والغرف الاخرى والتي تظهر بتول فيها طفلة هادئة وخجولة .
اخذ جمال يفكر في طريق عودته الى بيته ببتول وحجم مأساتها التي حولتها الى فتاة متمردة لم تعرف السكينة اليها سبيلا ، محاولا ايجاد طريقة يمكن ان يساعدها في اعادة الهدوئ ولو قليلا الى حياتها.
في اليوم الثاني وجدها بين العراقيين في صراع جديد بوجهها المتمرد المستهزئ
- نعم ، اقولها بصراحة ، الدكتاتور المخلوع كان الافضل
- الا تخجلين يا امرأة ؟؟ يظهر انك ناقمة او ربما عميلة ومدسوسة .
- حقا ؟؟ اهذا قمة تحليلكم لشخصيتي ؟؟ ناقمة او عميلة ومدسوسة ؟؟ حسنا ، انا لا هذا ولا ذاك انا هنا لاعبر عن رأيي بحرية . حقا ان الدكتاتور المخلوع كان الافضل.
- اغربي من بيننا قبل ان اقلع اسنانك
تدخل جمال بينها وبين المهاجم ليدفعه بعيدا عنها :
- انها تعني الدكتاتور كان الافضل بين منتسبي حزبه وليس بينكم
- ومن اين تكهنت بما تعني
- لاني افهمها اكثر منكم
سحبها من يدها ليخرجها من بينهم قبل ان يشتد النقاش ويأخذ حجما اكبر.
- اترك يدي ، فلست انت باحسن منهم .
- ارجوك يا بتول لاتحاولي استفزازهم .. قد يقوم احدهم بالحاق الاذى بك يوما .
- لا يهمني ، هل رأيت انهم لا يفهموا الكلام.
- اي كلام ، لقد كنت تستفزينهم
- لو كان لهم عقل لما استفزهم الكلام ولكنهم اغبياء ولهذا تجدنا نعيش المأسي.
- ولكن عليك ان تعلمي بان لكل منهم احزان قد تزيد او تنقص عن احزانك.
تحركت يداه لتمسك بيدها للمرة الثانية فلاحظ انها تركت يدها في يده فسحبها الى ان عبرا الشارع ودخلا الى كافيه ليجلسا في زاوية حيث جلست قبالته تحتسي قهوتهما بهدوء لاول مرة منذ عرفها
- هل تعرفي انك جميلة جدا ؟
- بعد كل ما حدث بيننا ؟؟
- نعم ، مازلت اجدك جميلة
- لا تجامل ، فعندما انظر الى المرآة اجد اقبح امرأة في العالم
- مارأيك ان تنظري الى المرآة وانت هادئة
اخذت الضحكة تخرج من بين شفتيها راسمة احمرار رائع على خديها قبل ان تختفي لتأخذ نفسا طويلا يعيد اليها الهدوء وتسأله
- هل حقا ان لهؤلاء احزان مثل احزاني
- قد لا تشبه احزانك ولكن لهم ايضا احزانهم الخاصة بهم
- وانت ، ماهي احزانك
- لقد فقدت الكثير من اهلي واقربائي واصدقائي
- في الحروب؟
- والسجون والمخابرات والطرق وغيرها
- هل تفتقدهم ؟
- كثيرا ، ولكني اجدهم في وجوهكم
- ومن من هؤلاء تجده في وجهي ؟؟
- امي واختي وحبيبتي
- من تعتقد السبب في مأساتنا
- مأساتنا اكبر من ان نلقيها على بعضنا البعض ، علينا ان نتصالح ونسامح ونساعد بعضنا لنخرج منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي