الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مؤامرة كونية إلى ثورة

طيب تيزيني

2013 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


جاء التصريح الذي أطلقه بوتين قبل أسبوع ونيف، ليعلن ظاهرة جديدة يمكن تسجيلها في خانة «يقظة ضمير أم خلخلة المصالح». فلقد قال بوضوح: إن الرئيس السوري لم يفعل شيئاً حتى الآن على صعيد الإصلاح، للأسف. ولو فعل شيئاً منذ البدء، لما كان لهذا الذي يحدث في سوريا وجود. والمرء يدرك أن انتقال رئيس من موقف إلى موقف آخر، لا يأتي هكذا دونماً أسباب معلنة أو خفية: فالفعل السياسي حالة مركبة تعرف بأنها «لعبة السياسة». وتحت هذه العبارة تندرج من العواطف والمصالح والمواقف ما قد يشكل وضعية موزائيكية، يمكن أن تخفي شخصية صاحبها، أو تظهرها على غير حقيقتها. أما أن بوتين قد أطلق تصريحه بقناعة أو بعد وصوله إليها، فهذا أمر قد يخفي التباساً أو آخر لكن الناتج في هذه الحال لا شك أنه لصالح الحقيقة عموماً وللمصداقية السياسية والشرف السياسي بخاصة.

إنه لأمر يستفز العواطف ويلهب النار في قلوب السوريين أن يدفعوا هذا الثمن الفاحش الهائل، لأن السلطة القائمة أخطأت في التقدير- حسب بوتين- ولم تكتشف - في حينه - ضرورة الاستجابة لمطالب شعبها، ولذلك فوتت فرصة اقتراب حقيقي من الشعب في اللحظة التاريخية الصحيحة. ومن ثم، فإن خطأين اثنين جرى ارتكابهما، مع الإصرار على السير في الطريق الذي فتح أبواب النار. لقد وضع بوتين يده على حقيقة الموقف، وإن جاء ذلك متأخراً، وبعد تكلفة تعادل الوجود، وأذكر بأن الدعوة إلى القيام بإصلاح حقيقي وفعلي كانت قد مثلت فضيلة وأيما فضيلة من طرف، وأنها كانت - لو استجيب إليها - قد أحدثت تحولاً عميقاً في سوريا من طرف آخر. أما الأمر الذي ظهر شائناً وفظيعاً، فكان قد تمثل في وصْم الانتفاضة بكونها «مؤامرة كونية»، هكذا بكل خِفة وسخرية، مع اتهام الشباب الذين خرجوا إلى الشارع للتظاهر السلمي، بأنهم عملاء لهذا البلد أو ذاك.

لم يقرأ المسؤولون في سوريا الرسالة التي أخذت تلوّح - كما كان يرى العالم العربي ابن خلدون - بأن الزمان أزمنة وهذه إن لم يقرأها المرء ولم يفهمها بطريقة صحيحة علمية وليس عبْر أجهزة لا تضمر للشعب ولا لعلمائه ومؤسساته، إلا ما يجعل السجون غاصّة بمقتضى قوانين الطوارئ والأحكام العرفية.

وسأذكر هنا حادثتين اثنتين لأدلل على أن الداخل السوري وصل إلى مرحلة المرارة القصوى والاستفزاز الهائل، وكلتا الحادثتين عشتهما شخصياً.

تقدمت «بمشروع إصلاحي» لأحد المسؤولين الكبار في النظام وبناء على اقتراحه ذلك عليّ، وكان بعنوان: من الدولة المدنية الرشيدة إلى المجتمع الوطني الديمقراطي». كان مصير مخطوط ذلك المشروع أني لم أسمع خبراً عنه، وأني لم أره ثانية ولا ثالثة.

أما الحادثة الأخرى فتتحدد في أن سقوط بغداد جعل كولن باول وزير الدفاع الأميركي، في حينه، يوجه رسالة على التلفاز إلى دمشق بعد يوم من سقوطها، قال فيها: «على دمشق أن تتقن الدرس البغدادي»! فكان ذلك بمثابة استفزاز للشعوب العربية كافة، والسوري منها بخاصة، وقد كان ذلك بمثابة استفزاز شخصي لي، فكتبت بياناً بخط اليد، ووزعته على الناس بيدي خاطبت فيه النظام السوري والنظم العربية. وكان عنوانه على النحو التالي: «سارعوا أنتم وافتحوا الدائرة، قبل أن يفتحها الأغيار!».

ومرت الأيام والسنون، وظلت الدائرة السورية مغلقة، إلى أن أتى مسؤولان اثنان في درعا، وفتحاها، ولكنْ على الناس وضدهم في الداخل، والطريف الملفت أن هذين المسؤولين لم «يُلفت» نظرهما على الأقل، لما فعلاه، ولو بسيطاً، وبحق البعض من سكان بسطاء في درعا، واندلعت بعده الانتفاضة!

إن قانون التطور الاجتماعي في بلد ما مجاور لبلدان أخرى، محكوم أولاً بما يحدث في داخله من إيجابيات وسلبيات، قبل أن يكون محكوماً من الخارج. وفي سياق ذلك، يجد الخارجُ فرصته سهلة المنال، فيتدخل حسبما تقتضيه مصالحه. إنها جدلية الداخل والخارج هي التي وقفت وراء البدء، بدء الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة. إذن، من الغبن وضيق الأفق المعرفي أن نقول: إنها مؤامرة كونية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط إسرائيليون لا يريدون مواصلة الخدمة العسكرية


.. سقوط صاروخ على قاعدة في كريات شمونة




.. مشاهد لغارة إسرائيلية على بعلبك في البقاع شرقي لبنان‌


.. صحيفة إيرانية : التيار المتطرف في إيران يخشى وجود لاريجاني




.. بعد صدور الحكم النهائي .. 30 يوما أمام الرئيس الأميركي الساب