الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية ( ني عراقي ) للمخرج الأكاديمي عباس التاجر

سرمد السرمدي

2013 / 6 / 18
الادب والفن


يوازن هذا العرض فكريا بين الأطروحات الجماهيرية الثورية لما يسمى الربيع العربي والفكر الديمقراطي الذي ينمو في المشهد السياسي العراقي, من خلال مقاربة الصراعات الحزبية التي دارت في العقد الثاني من القرن العشرين, والتي امتدت إلى أن وصلت حد الطوفان بكل النظريات المستوردة والهجينة في جدل قائم ما بين الدين والدولة, ثم اتجه لزاوية اقل حدة في تناول هذه النظريات مستمدة من آثارها على المواطن العربي, حيث اتخذ من هذا المواطن وجهات نظر تجسد معاناته اليومية الممتدة بسبب عملية الطحن المستمر الذي يتعرض له بشكل متناوب فيما بين سياسي وآخر, إلا أن شخصيات المسرحية كانت من السياسيين الذين جسدوا مواطنتهم العليا في إشارة رمزية للمفارقة ما بين حاكم ومحكوم, حاولت المسرحية أن تجمع كل هذه الصراعات تحت مظلة نظرية المؤامرة التي تجسد سلبية الجدل السياسي العربي.

تمرد العرض فنيا على الصيحات الفنية المطروحة في أسواق الفقر الأدائي الممتد منذ الحصار الاقتصادي, حيث تميز بالتزامه كمسرح علبة تقليدي الطابع وعرضت المسرحية من على خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل بتاريخ 16-6-2013م, مستندا بذلك إلى جذور المسارح العالمية التي دونت روائعها في الكتب المنهجية للدراسات الأكاديمية لفن المسرح, وقدم بهذا محاضرة عملية راقية عن أسلوب المخرج الفني, في اتجاه الواقعية على صعيد المضمون برمزية محكمة على صعيد الشكل الذي قدمت من خلاله المسرحية.

لم يكن التمثيل إلا درسا آخر في فنون الأداء, فقد تلاعب الممثل الأستاذ علي رضا بحرفة قل نظيرها في المسرح البابلي, فعلى مستوى الأداء الكوميدي الممزوج بلمسة النقد الساخر من نفاق السياسي العربي المعاصر الذي قام بكل براعة بتأدية أحد شخصيات المسرحية التي لم تخرج من هذا الإطار, اجتهد في تلوين أداءه الصوتي ليصل درجة الرغبة في تصفيق المتلقي التي يقتطعها محولا اتجاه أداءه نحو قضية لا تحتمل إلا الصمت بنفس اللحظة, تكرر هذا التوجه التعبيري منه على مستوى التعبير الحركي ليتوهج عمق صالة الجمهور بالتصفيق ربما رغما عنه فلم يعد يحتسب أين يقف وهو يتصاعد في تناهيه مع الشخصية, متوازيا مع أداء الممثل الأستاذ عامر حامد الذي اتخذ جانب الدفع نحو تمكين المشهد من المرور بكل سلاسة إلى ما اتجهت إليه المسرحية, حيث التزم أداء صوتيا عميق الأثر في دوره بحدة مفترضة لتعادل عمق التناقض ما بين القول والفعل عند شخصية السياسي العربي متمكنا من خلال حركة رشيقة أن يستبدل مكنون الشخصية النمطية المبرمجة عليها عقولنا بنظرة جديدة أحال مهمة إكمال رسمها إلى الممثل الأستاذ حسن جاسم الذي أجاد بدوره تبسيط الحد الأقصى من صراع الشخصيات بطريقة تلوينه السخرية بالجد المبالغ فيه على مستوى نبرة الخطاب الموجه للجماهير من جهة وقد أوكلت مهمة توضيح الجهة الأخرى على مستوى تعبيري أكثر عمقا للأستاذ الممثل علي الركابي حينما تميز بنزول تراجيدي النكهة في صحوة ضمير الشخصية المؤقت الذي نال من حنق الشخصيات الأخرى نصيبا في قسوة تعاملهم مع شبه الخارج عن مؤامرتهم ضد أنفسهم والشعب ولو للحظة فأجاد الممثل تعبيرا بكل ما أوتي من قدرة إيماءة لمحاكاة الرغبة في صرخة حق مكبوتة بداخل المتلقي الذي شاطره تلك اللحظة التي تمرد بها على شخصيته والتبس في ضميره مما حدا بالممثل أن يغادر تركيبة شخصيته الرئيسية في كواليس خشبة مسرح مكشوفة على مستوى الأداء الذي ترتب ضبط إيقاعه على وجود مايسترو لم تكن لتقوم لهذا العرض قائمة دون مسكه بخيوط الأربع شخصيات على ما جاءت عليه في نمطيتها المقاربة لكشوف الأداء التعبيري للمسرح السياسي في بعض خطوات سير المشهد فكان وجود الممثل الأستاذ عباس التاجر في زمكانيته الأدائية بالضرورة التي افترضها أطار فن التمثيل تقمصا وتقديما على تباين ألم بكل صدع على وشك أن يحدث ثغرة ليسارع بترتيب إيماءة ثم حركة ثم صوت في تسلسل غير موجه للجمهور أكثر منه ضبطا لإيقاع أداء الأربعة ممثلين أثناء تجوالهم الذي يراد من تلقائيته توجيه خطاب ضمني بأن فريقا لكرة القدم يلاعب نفسه فلا فرق حينها بين الخسارة والفوز أن لم يكن هنالك حكم دولي يراقب تدحرج جغرافية المسرح من تحت أقدامهم فتطلب هذا الدور أن يكون خارج المكان حينا والزمان حينا آخر إلا انه الحاضر الغائب لدى المتلقي بحكم كونه شخصية تجسد الاختلاف على مستوى أبعادها والخلاف الدائم على صعيد خطابها.

يستمد الإخراج خطته استنادا إلى توزيع محكم لقدرات الممثلين اللاعبين في تمكنهم من استعراض طاقتهم على أساس أن محيطهم المسرحي مساند بالدرجة الأولى على الرغم من اعتماد عنصر الديكور الذي كاد أن يكون لوحة تجريدية بوصفه محركا للفراغ الذي يستبعد ضمن تسلسل انتقالات الممثل نحو إزاحة متنوعة في وسائل تحقيقها حينما استثمرت خطة الإخراج كل التلوين الممكن في الأداء ليولد قدرة صراع مطلوبة من خلال بذرة حوار شعري استنطقه دوران الشخصيات التي تخطت عتبة الأدب المسرحي انطلاقا نحو أفق مشكل بعنصر أساسي كان ولا بد أن يوجد على حد معين من حلبة الصراع مستقلا بذاته كمشهد مرافق للحدث المعروض من ناحية ومسيطرا دائما عليه من ناحية أخرى في إطار نفي لوجود محرك خارجي لدوافع الشخصيات تلازم بحكم قصد المخرج مع إجادة إثبات إمكانية كون التحريك الخارجي شماعة ضعف داخلي لا محالة من مواجهة منشودة له نحو طريق بناء مستقل الإنسان الوطن أجاد الدعوة إليه فنيا المعد والمخرج المسرحي الأستاذ الدكتور عباس التاجر والذي امتلك من الجرأة الكثير مما دفعه ليقتحم المسرح والشعر من زاوية مغايرة تفجر جدلا حول ماهية الشعر في المسرح المعاصر.

اتخذت التقنيات مكانة ثانوية ما عدا الديكور الذي كان رهنا بتعامل الممثلين وأجاده كادر المسرحية التمثيلي, فالموسيقى والإضاءة لم تفلح باللحاق بركب العرض لارتفاع مستوى الأداء التمثيلي, حيث كان لزاما على المخرج أن يحدد مساراتها وقد فعل, فلو لم يكن المخرج يمسك بزمام التوقيت من خلال إشارة الجرس في يده أثناء تمثيله لشخصية في المسرحية لكان هنالك كوارث ألمت بالعرض وخاصة في تأثيرها على مستوى الأداء التمثيلي.

الكاتب
سرمد السرمدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة