الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في حوار د. خضر سليم البصون:هل كنا مكون يهودي أم جالية يهودية في العراق ؟. -4-

سعد سامي نادر

2013 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


قراءة في حوار د. خضر سليم البصون:هل كنا مكون يهودي أم جالية يهودية في العراق ؟. -4-

مفاهيم بالية:
------------
بقدر ما كانت حصيلة ما خرج به دكتور خضر عن "الأغلبية الحضرية " ليهود العراق –قراءة 3- مثيرة للجدل، فقد حرّكت لديه كيهودي، شعورا بالغبن والمظلومية التاريخية. بان ذلك واضحا في: " ساءلت نفسي مراراً: هل كنا غرباء؟ أكنا في المنفى أو في وطننا الأم ؟....لقد نشأت واليهود يوصفون بكل الموصفات السيئة والبذيئة في الصحف والإذاعة والتلفزيون . لكني بالرغم من هذا الشعور لم ولا اشعر بضغينة للعراق أو لشعب العراق."
هكذا يفكر مثقف لبرالي مثل خضر، بلا أفكار مسبقة تولـِّد لديه الكراهية والضغائن وسوء الفهم المسبق. شروط الموضوعية تفرض عليه كمثقف، ان يستنفذ كل ملابسات التاريخ ومكره لتغطية موضوع تاريخي وسياسي شائك كالقضية اليهودية.
ولفك هذا الالتباس، اختار خضر خوض غمار بحث أكاديمي بسيط، التجول في معاجم لغتي أبناء العمومة الساميتين. وتفحص جذور مفرداتهما، لعله يجد من خلالهما على اقل تقدير، ما يثبت ان يهود العراق ليسوا جالية بل مكون رئيسي !
فهل حقاً، ان لبرالي كخضر يهمه ان أصل كلمة جالية بالعربية، جاء من جذرها جلا !؟ وان مرادفها بلغة توءمها العبرية هو جولا وجالوت !؟ وتعني منفى وشتات (المنفى يمثل جزء مهم من الوعي الثقافي للشعب اليهودي عبر التاريخ، وترانيم سفر العودة لاورشليم القدس خير دليل). وهل يعني له شيء صراع المفاهيم، وان تعبير الجالية اصطلاح يطلق على كل مجموعة "جلت" من وطن واستقرت بوطن جديد آخر!؟

حوار عقيم كهذا أثار سخريته، لكنه مع ذلك، وظف المصطلح بعد ان ربطه بتاريخ السبي البابلي لليهود، ليخرج لنا بتعليق ساخر مرّ: "لعلنا نفس المجموعة التي سكنت وطنا جديدا قبل2600عام تقريبا !! هل بعد كل هذا التاريخ ونحن جالية!؟"
في عصر تجاوز صراع المفاهيم البالية منذ عشرات السنين، سنقف فيه يائسون ومذعورون أمام كوميديا سوداء لمفارقة مضحكة، ما بين وطن ما زال دائم التفريط بأبنائه المتنورين والمثقفين و المخلصين الذين تمتد جذورهم (لما قبل الفتح الإسلامي بألف عام ) وبين دول الغرب المتحضر الكافر ! التي تمنح "مهجريه" جنسيتها بعد ان يقيم فيها خمس سنوات متواصلة.! هل هناك مسخرة مبكية اكثر سوداوية من هذا العته الوطني !؟ إذن، مَنْ سيقيِّم مدى ألم وسخط خضر وهو يقلب بأسى مآسي تاريخه اليهودي ونكباته؟ الفرهود، والقتل والسلب والتهجير وقانون إسقاط الجنسية المشبوه ! عام 1951.؟ هنا يتساءل خضر عن شكوكه وحقيقة الشبهات تلك : على أي أساس أسقطت الجنسية عن المعتقلين السياسيين اليهود بعد اطلاق سراحهم من السجون، وحتى الذين كانوا ضد الصهيونية؟ (*)

الغريب ان ما أطلق على يهود العراق من أسماء عبر التاريخ ، تأثر بشكل ما بظرفنا التاريخي والسياسي، أي ليس له علاقة بكون اليهود تجمع او طيف ديني. فحملوا اسماءً شتى:( العبرانيين، بني إسرائيل، يهود بابل، الجالية اليهودية، الطائفة الإسرائيلية. وبعد إنشاء دولة إسرائيل عُرفنا بالطائفة الموسوية لحساسية أن نوصف بالإسرائيلية ).

لكننا سنـُصدَمْ حين نقرأ ما جاء بكتاب " لسان العرب" لأبن منظور ونعرف منه: (أن الجالية كمصطلح استعمل لوصف أَهل الذمة. والجالية كل من لزمهم دفع الجزية من أَهل الكتاب فسموا جالية، مما يعني أن هذا المصطلح قديم، وبما يفسَر: " إن لم تكن مسلماً فأنت جالية".
لكننا سنُصدم أكثر، حين نسمع تصاعد أصوات شاذة وفي عصر العولمة، تطالب بتطبيق قوانين الشرع الإسلامي بفرض الجزية على أهل الذمة والكتاب المساكين!! على ضوئها، عن أي ديمقراطية وأغلبية سوف نتحدث !؟

لم يفعل د.خضر أكثر مِنْ نقل الكفر، وما يقوله المتعلقون بالتاريخ، فهو مترفع عن خوض جدل ديني بلا معنى، ولا نقاش سياسي متشابك مع الدين ومُختلف عليه جملة وتفصيلا ، خاصة ضمن أحداث ما يجري الآن في الربيع الإسلامي- خريفنا العربي ، المبشر بمشروع لشرق أوسطي جديد كارثي! باتت ملامحه وراياته السود واضحة المعالم. سؤالي : بعد تهجير المسيحيين وغيرهم من مكونات المجتمع العراقي، في أي شتات ستولي وجوه النخب المتنورة والمُحلل قتلها من "أهل اللا كتاب" لهم !؟ يا للمسخرة !

عُصارة المفاهيم
جمالية حوارات خضر انها بسيطة وواضحة، كشفت من البدء ،ثقافته و شخصيته المسالمة، وفضحت جميع مكنوناته الفكرية بوضوح تام. ومن خلال ومضات مضيئة نثرها في حواراته المكوكية عبر التاريخ، كان من السهل علينا ان تتعرف منها، أن خضر علماني النزعة، مما يعكس عدم اهتمامه برمزية المفاهيم تلك، بقدر اهتمامه بجوهرها الإنساني..
فرغم غوره في التاريخ، لكنه سخّف فكرة البحث عن هويته الوطنية . بعدها وعلى مهل، أعلن موقفه العلماني الديمقراطي الصريح، وتحرره من كل المفاهيم والأفكار البالية العالقة بالماضي ووحل التاريخ. فقد تجاوزها عصرنا الرقمي المذهل بقرون ـ معلناً بثقة، عدم إيمانه أصلاً بمفهوم الانتماء الوطني كما نعرفه نحن، ونغوص بوحل نزواته وكبواته الآن.
لكن خضر في نفس الوقت، قدم لنا درساً بليغاً بمعنى مفاهيم الوطن ومشتقاته: "لا أعرف ما هو الانتماء وما معنى الوطنية. أنا اعتقد أنها ربما مصطلحات بالية بمفهومها التقليدي في زمن العولمة وسهولة وسرعة الاتصالات. أنا أؤمن بمفاهيم إنسانية تتعدى الحدود السياسية والقومية والدينية والثقافية. الانتماء لي هو صورة مركبة تعتمد على الزمان والمكان. أين ولدت، أين نشأت، تاريخي، ديني، تراثي، لغاتي وكيف اعبر عن أفكاري ومشاعري، ثقافاتي، مجتمعي، عائلتي، سعادتي. إن كنت سعيد فهذا هو موطني ولا أقول وطني".
لمن لا يفهم! يقينا، انه درس مبسط آخر باللبرالية وفلسفة العولمة.!. وهو يتطابق مع ما كتبته سابقا عن نفس الموضوع. لكنه قدمه بشكل ابسط وأسهل للفهم.
يقينا ان جميع هذه المفاهيم لم نحسها نحن يوما. فكيف نستطيع فك رموز تجريدات سياسية من جذر واحد. رموز لم تعني لنا بشيء بمعزل عن الحياة ، عن كينونة الوجود، الإنسان - جوهر وجوهرة الوجود- وحين يسمي خضر الموطن مرادفا للوطن كمكان قابل للعيش، يكون الوطن فيه، تعبيراً آخرََ للسلطة السياسية التي تنظم هذا العيش، وتمنح المواطن شعورا شاملا بالحرية وحس المواطنة: حقوق غير منقوصة مقابل واجبات دون تقصير.!!

بومضة ذكية أخرى جوهرها الإنسان ، حسم بها خضر صراع المفاهيم والأفكار: " أذن المسألة هي ليست إن كنا مكون أو جالية. المهم هو كيف يُعرّفنا الآخرون وكيف نُعرّف أنفسنا على ارض الواقع". وهذا ما يفسر توافقه مع ما اعتمدته الباحثة من أصل عراقي أميلي ( أمل ) بورتر، لوصف أي جالية استبدلت وطنها لاي سبب كان ، وبما يعرف اليوم بمصطلح (المكون- community) . وبهذا المفهوم الحداثوي للمكون، يكون د خضر قد حسم بحثه عن هويته ، حاسماً معها كل المفاهيم والأفكار البالية القديمة.

استمهلنا خضر بعدها ليطلق صرخته العراقية الأخيرة ، هدفها كان خرابنا الحضاري، ثقافتنا السائدة. اختصر فيها مشهدنا السياسي العراقي ومأزقنا الطائفي الخطير. سخر بها من بحثه التاريخي، ترجم لنا عبرها طرطرة الجواهري، ونبؤءة مظفر النواب معاً. لخَّص فيها كل حواراته ، وما كتبته انا من سخط ويأس .. جمعها كلها بصرخة دون صوت : (( اذا لم يتوقف نزيف الدم والتحريض الطائفي البغيض في العراق، سيضطر !!!! العراقيون أن يستخدموا قريبا !!! مصطلحات: الجالية المتمدنة، الجالية المثقفة، جالية الشهادات الأصلية! أو قل المكون المتمدن.!! للتعبير عما فقده ويفقده العراق." ماذا يعني خضر بذلك؟ أليس شرط تحذيره خطير بما يفسر ما قاله مظفر قبل اربعة عقود : "...سنصبح نحن يهود التاريخ.. ونعوي عبر الصحراء بلا مأوى..!" أم وقعت في سوء فهم يائس!
ثم جاءت رصاصة الرحمة لتفسير سوء فهمي ! :" من هذه الناحية نحن يهود العراق كنا أوفر "حظاً" في أن نشق لأنفسنا ولأولادنا وأحفادنا مستقبلاً افضل."
مع نصيحة هذا العراقي الحالم، تنتهي حوارات خضر الذكية الرائعة، أحلام جديرة بالمتابعة . كان الفارق بينها وبين أحلامنا وآمالنا المشتركة كعراقيين، ان حلم خضر ، معاصر وهادئ دون كوابيس ، كونه بلا حسد..!! ليس إلا ،عراقياً "أوفر حظاً"..!

(*)قراءتي وجهة نظر تتعلق بمحور الحوار، خارج منظورنا للصراع العربي الاسرائيلي.. فموقفي الصريح من هذا الصراع، نشرته في مقالات عدة منها" نتنياهو والربيع العربي " بجزأيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل