الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفعة الزعيم عبدالكريم قاسم القاضية – قصة طارق حياوي المباركي – أهمية الرمز في القصة القصيرة

عبدالله الداخل

2013 / 6 / 20
الادب والفن


قرأتُ هذه القصة قبل عامين تقريباً وأعجبتني، لأهمية المضمون الذي يحتوي على ترميز فذ، فاختيار المضمون والرمز في هذه القصة يقول الكثير عن الكاتب.
الواقع أنها ليست قصة متكاملة بقدر تعلق الأمر بتقنية القصة القصيرة، إنما هي "ومضة ذاكرة"، كما يُقال، وُضِعتْ بإطارٍ فني ناجح. لذا فإنها تقول لنا أمرين: أهمية الرمز، وصدق التجربة، صدق الكاتب، لأنه ليس قاصاً.
إذاً، بغض النظر عن اللغة البسيطة، الواضحة، أو تسلسل الأحداث المعقول الذي يشير إلى مستوى رفيع في منطق الكاتب، فإن الأسلوب يُعطينا لمحة مشرقة، غير مباشرة إطلاقاً، عن وجهات النظر السياسية والطبقية التي يحملها. وهكذا يمكن الاستنتاج، بمساعدة هذه القصة الفريدة بأن اللغة ليست بنفس أهمية الأسلوب. لكن ما يتفوق على الإثنين (الأسلوب واللغة) في الأهمية، في رأيي، هو ما تطرحه القصة من المفاهيم السياسية والطبقية، حيث في هذا المثال قام الكاتب بصياغتها بدقة مذهلة بوضعها على شكل رمز كبير. هذا الرمز يستطيع القارئ بسهولة أن يدرك بأن الكاتب يعنيه ويعني أن يضعه بوضوح أمام عيني القراء، كواحدة من تجاربه، وهو يقول في نهاية القصة (وهو ما يتعلق بالجانب الايجابي في شخصية عبدالكريم قاسم): "وكنت ارقب وجوه عمال البلدية الفقراء وكأنهم يريدون تقبيل يد التمثال." فالترميز هنا يشمل التاريخ الطبقي لأهم حقبة في حياة الشعب العراقي، مثلما يشير الى الانتشار الأخير لأفكار متباينة عن رؤساء الأنظمة التي تعاقبت في حكم العراق. هذه الأفكار التي تحمل نوعين من التناقض، النوع الأول تناقض بسيط: وضع الشرير (نوري السعيد مثلاً) موضع الخيّر، أو محاولات إضفاء طابع الوطنية والاستقلال على سلوك صدام السابق واللاحق للإحتلال، والنوع الثاني معقد وهو ما يتعلق بالدرجة الرئيسية بشخصية عبدالكريم قاسم الشديدة التناقض.
ليس في القصة رمزٌ صارم، إن صح التعبير! بعبارة أخرى انها ليست قصة رمزية من البداية الى النهاية، أو ما يمكن أن يقابل الأليغورية في الرواية، أي ليس العمودُ الفقري للقصة رمزاً، لأن الرمز فيها مختصر وفي نهاية القصة؛ لكنها على العموم توحي بالافكار التالية:
أولاً – هذه القصة تقول لنا كثيراً عن الطاقات الكامنة لأناس كان من الممكن أن يكونوا كتاباً أو روائيين أو شعراء او علماء رائعين لولا الظروف الاجتماعية او الاقتصادية أو السياسية لبلادهم والتي منعتهم من أن يكونوا كذلك. الخسارة واضحة. هذا الكاتب لم يصبح قاصاً معروفاً، للأسف الشديد، ليس فقط لأنه مضى في تخصص جامعي مختلف حيث تبع ذلك تجنيدُه القسري حسب القوانين العسكرية السائدة في العراق، وهذا ما يقوله في بداية القصة، وإنما أيضاً يبدو أن نوع الحياة السياسية والاجتماعية قد منعه من تحقيق بعض أو كثير من أهدافه بقدر تعلق الأمر بالطموح لتحقيق بعض المنجزات الفكرية. إن ادراكنا لأصالة اختيار هذا النوع من الرمز وهذا الأسلوب الأدبي genre هو إدراكٌ لحجم الخسارة التي تتضح في أهدافٍ فنية نستطيع رؤيتها من خلال قراءتنا للقصة والتي لم تتحقق رغم أنه كان من الممكن للقاص أن يحققها في ظروف مغايرة.
ثانياً – الرمز في القصة القصيرة، عموماً، هو اهم مكوّن فيها، بل هو أهم مكوّن قصصي بشكل عام.
ماذا أعني بهذا؟
أعني به الفرق في ما يمكن ان يتحمله من رمزٍ كلّ ٌمن القصة القصيرة أو الرواية (بأنواعها)، فالرمز في هذه القصة مثلاً جاء طبيعياً، لذا صار مفهوماً على التو، متيناً ومعقولاً لأنه صادق، ففي الأليغورية allegory يتسم الرمز بالعرض المفرط الذي يكاد يحتل جميع مساحة الرواية وهو في بعض الروايات (أو المسرحيات) رائع، يدخل رويداً وبتؤدة إلى لاوعي المتلقـّي لكن بدون تكلف وبلا تنازل من الكاتب، حتى ليبدو أن الكاتب لم يكن يعني أيَّ ترميز إطلاقاً: ذلك هو شأن الكاتب العراقي رفيع المستوى عادل كاظم، ففي "الذئب وعيون المدينة" مثلاً، قادر بك هو الدولة أو النظام القديم؛ رجب هو موظفو الدولة: آني رجب، باجر (أو "بكره" أي غداً، تعال غداً، وهي العبارة الأثيرة لموظفي الدولة العراقية والمتوارثة من زمن العثمانيين)؛ أفراح هي الجيل الجديد ..إلخ من التفاصيل في الأسماء مثلما في نوع الشخصيات والأحداث.
(هناك مزيد من الآراء في الأليغورية في الهامش أدناه بعد قصة طارق حياوي المباركي)
ما يقابل هذا في الرواية المصرية هو رواية "أولاد حارتنا" للروائي الكبير نجيب محفوظ، التي هي، للأسف، تحتوي على فصول تبعث على الملل الذي يمكن أن يُعزى في اعتقادي إلى الوضوح المفرط في الرمز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"صفعة عبد الكريم قاسم القاضية" قصة طارق حياوي المباركي المنشورة في بعض المواقع الخاصة

في بداية سنة 1970 وتنفيذا لقرار من الجهات المختصة تقرر ان نخدم كجنود لمدة سنة واحدة وبعد فترة التدريب تم تنسيبنا الى مديرية المتحف الحربي في الباب المعظم والتي كانت محكمة الشعب ابان ثورة تموز وكانت قبل ذلك البلاط الملكي في العهد الملكي .
وخلال عملنا انا وزميل لي خريج نفس الدورة جاء كتاب من المراجع العليا يقضي بجلب تمثال الزعيم عبد الكريم قاسم ونصبه في حديقة المتحف العسكري وقام المدير بتنسيبي وزميلي مع سائق وسيارة امريكية قديمة جدا من نوع ريو لانجاز هذه المهمة وتم تزويدنا بجادر كبير لتغطية التمثال خلال نقله كي لايراه الناس وسافرنا الى المقداديه او شهربان وعند الاستفسار عن موقع هذا التمثال قيل لنا انه مدفون في بلدية المقداديه وذهبنا لنجد ان التمثال تعلوه اطنان من الانقاض والازبال وتمت الاستعانة برافعة لاخراجه.

كان التمثال من البرونز، مجوف يتكون من قطعتين القطعة الاولى من الحزام حتى الراس والقطعة الثانية من الحزام حتى القدمين وبالملابس العسكرية الانيقة وهو ثقيل جدا ويزن كم طن لا اتذكر على وجه الدقة. بعد اخراج التمثال استعنا بسيارة اطفاء لغسله تماما من العوالق والاوساخ وهكذا خرج الى النور مرة اخرى وقمنا بتنظيفه تماما وبدات المرحلة الثانية وهي رفعه على ظهر السيارة اللوري وكان هناك احد موظفي البلدية باللباس العسكري ويضع جنبه مسدس كبير وكان يصرخ هنا وهناك ويكيل الشتائم والسباب للتمثال ويمشي مزهوا منفوخا منفوش الريش وبين الحين والحين يبصق على التمثال ليثبت لنا وللاخرين مدى وطنيته وتم رفع النصف الاول من التمثال ليستقر في وسط السياره ولكن لوجود الكثير من الخشب كان التمثال غير مستقر ويحتاج الى ان يرفع قليلا وتزاح من تحته الخشبه كي يتوازن.
ونحن بصدد انجاز العمل واذا بصاحبنا الغيور يقفز على ظهر السيارة ونحن نتابع حركاته البهلوانية وما كان منه الا ان بصق على التمثال وضرب جبين التمثال براحة يده وهنا اختل توازن التمثال ليسقط الى الخلف وبذلك ارتفعت يده اليسرى لتضرب هذا البهلوان ضربة قاضية رمته ركاما خارج السياره وقد تكسرت اسنانه وتشوه وجهه وبقي نائما حتى نقلته سيارة الاسعاف وكنت ارقب وجوه عمال البلدية الفقراء وكانهم يريدون تقبيل يد التمثال.
واخيرا نقلنا التمثال لنضعه في حديقه المتحف العسكري.
كان من عمل الفنان خالد الرحال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
أولاً
الرمز: واحد من أهم الأبعاد التي يمكن أن يمنحها الكاتب لقصته، لذا فإن من أنجح روايات نجيب محفوظ هي "اللص والكلاب" التي قرأتـُها مرة واحدة عام 63، في رأيي المتواضع تكاد تكون أكثر نجاحاً من "أولاد حارتنا" ذات الأليغورية الصارخة، المملة.
في الرابط التالي مثال واحد عما يُنشر حول الرمز في القصة القصيرة العربية
http://www.nashiri.net/component/content/article/1657.html
ثم موضوعان بالإنجليزية
1
في الرمز
http://www.ehow.com/how_2095782_understand-symbolism-literature.html
2
Allegory في الأليغورية
http://en.wikipedia.org/wiki/Allegory

ثانياً
يعطي منير البعلبكي allegory المعاني التالية:
مجاز، إستعارة، قصة رمزية

ثالثاً
الفقرة التالية تشكل إساءة الى فكر همنكَوَي، لذا ينبغي الحذر عند قراءة تحليلات كهذا.
:The Old Man and the Sea has often been read as a Christian allegory
.The battle between man and fish lasts for three days
.Hemingway filled the lines of his novella with crucifixion imagery
لماذا أعتبرها إساءة؟
لأن الأليغورية في هذه الرواية القصيرة ينبغي أن يُنظر إليها باعتبارها شاملة وليس فقط لمجرد إحتوائها على رموز هنا وهناك. فقياس الأليغورية في رايي هو الشمول، مثلاً: لنتساءل هل يمكن للقارب أن يكون الأرض والشيخ هو الإنسانية والصبي الذي لم يصاحب الشيخ ذلك اليوم كعادته هو الأجيال الجديدة الاتي تبتعد عنا، لذا يكون البحر هو الكون، والسمكة هي العمل (أو عنصر الخير) والأقراش هم الطبقات الاقتصادية العليا من كبار "رجال الأعمال" او الشركات الكبرى في الراسمالية..إلخ مع بعض الإحتمالات لتفسيرات ورموز أخرى، هل يمكن كل هذا؟ طبعاً يمكن، لأننا لا يمكن أن يدور في خلدنا أن نغتال هذا الروائي العظيم مرتين: الأولى بقتله برصاصة في فمه، والثانية إغتيال أعماله، بل خيرة أعماله (الشيخ والبحر) بالادعاء بأن الأليغورية فيه هي ذات طابع ديني، لأن هذا الادعاء غير طبيعي بل يشكل نوعاً من التجني أو الجريمة الأدبية على اعلى المستويات.

من الطريف أن أذكر أني كنتُ أقدم تحليلاً مشابهاً بالإنجليزية لطلابي (في الرابع الاعدادي) في العراق أواسط َالسبعينات وكانوا يتلقون كل عبارة بشغف وتفهم كبيرين. لقد كانوا جيلاً رائعاً، لكن كثيرين منهم للأسف الشديد قـُتلوا في الحروب العَبَثية!
أرى من الضروري أن أضيف أن الرمز، من أجل أن يستقر باطمئنان (دون افتعال) في نفس القارئ، ينبغي أن يستند إلى كثير من الواقع، أو من التجربة الشخصية، وهذا ما فعله طارق حياوي المباركي في القصة القصيرة التي اخترتها هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟