الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كول لي يا وحش منين الله جابك

أميرة الطحاوي

2002 / 10 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

عندما أسمع البعض ينادي بالعفو العام عن صدام و أعوانه من الخونة لتراب الوطن بعثيين و غير بعثيين أضحك ملء شدقي ثم أتذكر فجأة أغنية " جوز منهم لا تعاتبهم بعد جوز " و أعاود الضحك مرة أخرى فما يصح في العواطف و الحياة الخاصة لا يصح في السياسة فالوطن لا يغفر  للمتآمرين و أعوانهم ،  و دماء الشهداء لا تنسى و لا تجف ،  بل تظل تنادي بالثأر  بينما دموع الحب قد يجففها الزمن ، الأغرب أن البعض يطلق دعوة قبول المعارضين الجدد للنظام  ممن أحسوا بالمركب يغرق ، و الحقيقة أن ذلك يفتح الباب غدا لقبول عدي أيضا في المعارضة العراقية ثم صدام نفسه فالمعارضة العراقية أصبحت موضة هذه الأيام و النظام يحتضر و تطبيق قاعدة عفا الله عما سلف هي التي جعلتنا حتى الآن لا نصحح من أخطاء الماضي و من لا يصدق فلينظر إلى حال الأمة العربية التي ظلت تردد أغنية " يا عبد الله يا خويا سماح .... و سيبك سيبك من اللى عدى و راح ...... و تعالى أنا و انت .... لدنيا كلها أفراح " ، تسامح الجميع مع اخطاء الماضي لكنهم لم يصححوها و لم يقفوا عند دروس التاريخ و في النهاية لم يجدوا دنيا كلها أفراح بل مزيد من الفرقة و الضياع  .

أما الأغرب فهؤلاء الذين ينادون بالتبعية للولايات المتحدة الأمريكية ناسين أن ما تريده للعراق ليس مجرد إسقاط الطاغية صدام – صنيعتها  صديق الأمس و عدو اليوم ، أو كما يقول المثل الإنجليزي FEED YOUR DOG , THEN HANG IT  ، أو سمن كلبك ثم اقتله ، إنني أضحك أيضا من هؤلاء و أتذكر أغنية " هذا الحلو كاتلني و أريده " ، مع الفارق أن أمريكا لا حلوة و لا حاجة فهي عجوز شمطاء أو فتاة خرقاء تريد منا الانصياع لها ، و البعض يعتقد أن العمالة لأمريكا سيكون حب من طرف واحد و البعض يرى أن التبعية لأمريكا – و هو وصف مهذب للعمالة – سوف ينقل العراق إقليميا لمرتبة كتلك التي تحتلها تركيا و إسرائيل و الحقيقة أن أمريكا تريد عراقا تابعا من نوعية التبعية لأمريكا في دول الخليج ، أما عملاء أمريكا الإقليميون فيقومون بالواجب المطلوب منهم و زيادة ، بينما العراق بحكم معطياته التاريخية و الثقافية لا يمكن أن يكون إمعة ؛ فالعراق حضارة و تاريخ لا يمكن ألا أن يكون دولة رائدة و قائدة في الشرق الأوسط ، أما التبعية و العمالة فأشباه الدول و الدول المتنصلة من تاريخها و انتمائها تستطيع لعب هذا الدور ببساطة ، أما العراق فلا .

كنت أقرأ ذات يوم عن يوميات هزيمة الثورة الكردية منتصف السبعينات و قال لي صديق كردي أنه يتخيل هذا اليوم ، كان وقتها بيشمركة كردية و صدرت الأوامر بإبطال رحى الثورة أو ما عرف وقتها بالاشبطال ، فجمع ما تبقى له من الزاد و خرج عبر الدروب المتعرجة نازلا  من الجبل إلى السهل و في جيب قميصه راديو ترانزيستور صغير ، كان يذيع وقتها أغنية " لا تعاشر البزات و ال ماله  تالي " أي لا تلقي بأمرك إلى الذين سيبيعونك لاحقاً لمن يدفع أكثر ، فعلتها أمريكا و إيران في السبعينات و دفع الشعب الكردي الثمن ، و فعلها لاحقون و لا زال الدم الكردي لم يجف بعد ، يصرخ لا تعاشر البزات و ال ماله تالي .

أخيرا ، حدثت مشاجرة عنيفة بيني و بين أخوتي الأسبوع الماضي ، كنت عائدة من السفر و فجأة اكتشفت كاسيت موسيقى نينوى الحزين الذي أحبه للغاية ، فاستمعت إليه ، كان الصوت مرتفعا للغاية ، جاء أخوتي يترحمون على أغاني العراق الجميلة  و يقولون لي "  ما هذا الذي تستمعين إليه ، الحزن يطبق على البيت تماما بمجرد سماع هذه الموسيقى "  ، فاضطررت إلى أن أسمعهم أغان أخرى عراقية و التي يحبونها دون فهم لمعانيها بالطبع و لا  يفهموا كثيرا من اللهجة الدارجة الا بعد ان أشرح لهم المعنى الإجمالي للأغنية و ليس الحرفي للكلمات ، و لكن ما أن سمعوا المطرب العظيم ناظم الغزالي  يغني " كول لي يا حلو منين الله جابك " إلا  و وجدتهم يضحكون و يقولون " منين صدام بقى ، ده مش ممكن يكون صناعة ربنا أبدا ، ده شيطاني الصنع و الله " ، أفهمتهم أن الغزالي توفى قبل أن يبتلى العراق بمرض صدام حسين  أي أنها أغنية غير موجهة سياسيا ،  و ليست على نمط أغان أخرى من قبيل " عاش السيد " و " الله يخلي الريس ، الله  يطول عمره "  ، أخيرا و الحمد لله فهموا أن الأغنية عاطفية حيث أن الكلمات بالنسبة لهم كانت صعبة للغاية ، و لكني سألت نفسي : من أين جاء صدام حسين ،  فشخص من عينة  هذا الرجل – أي صدام حسين بافتراض كونه رجلا  -  لابد و أنه مصنوع من طينة أخرى غير التي صنع منها كل البشر ، إنه ماركة مسجلة و فريدة و غير قابلة للتقليد أو التكرار ،  صدام حسين هو النموذج الممثل للشر على الأرض ، و لا أريد أن أقول أنه من صنع الشيطان حتى لا يغضب مني أصدقائي الإسلاميون أو الأزيدون ، و حتى لا يغضب مني الشيطان نفسه  .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3