الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذوا مرسي وهاتوا أردوغان

فؤاد قنديل

2013 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



قمت منذ عشرة أيام بزيارة مدينة اسطنبول العاصمة السياحية لتركيا الصاعدة ، وفي اليوم التالي مباشرة أسرعت بالذهاب إلى ميدان التحرير التركي المسمى " تقسيم " ويقع في قلب مدينة اسطنبول التاريخية الجميلة حيث وجدت هناك عشرات الألوف من الشباب والعمال والشيوخ في حالة ثورية لا تختلف كثيرا عن حالة المصريين في التحرير إبان الزخم الثوري الكبير الذي يبدو أنه تعرض للفتور لولا استمارات " تمرد " التي ضخت دماء جديدة في الحشد الشعبي ضد خاطفي الدولة والنظام والسلطة وكل المؤسسات .
عدت بذاكرتي بسرعة لأيام التحرير في الشهور الأولي عندما كانت الروح المتوثبة طازجة وعفية وتواصل مسيرتها نحو أهدافها بثقة ووعي .. في ميدان " تقسيم " كان المتظاهرون يعبرون عن غضبهم من الحكومة التي أمرت بقطع عدد كبير من أشجار حديقة نضرة وخصيبة تزينها أشجار عالية ومورقة وتأهبت لتطوير الميدان بإنشاء مجمع ثقافي جديد وشق أنفاق تحت الأرض تسهل مرور مئات الآلاف من المواطنين كل يوم من وإلى الميدان باتجاه عشرة شوارع على الأقل من أهمها شارع الإستقلال وهو شارع تجاري يبلغ طوله الكيلومترين وعلى جانبيه مئات المحلات الأنيقة حسنة العرض ولا تحتل أي منها شبرا من الرصيف الذي يصلح لسير المارة في سهولة ويسر دون وجود أي عائق بينما تصدح في جنبات الشارع الأغاني والموسيقى الخام ، وكل خمسين متر تقريبا تعانق جماعة صغيرة من الموسيقيين آلاتها في عشق ووله وتعزف ألحانا تستوقف الجميع ليستمتعوا بالأداء الرائع ثم يواصلوا طريقهم بعد أن يلقوا بالقروش القليلة في احدي القبعات .
كان المتظاهرون يعتكفون في الساحة الكبيرة تحت عين وبصر تمثال الزعيم التركي الشهير مصطفي كمال أتاتورك المطل بهيبته على الميدان وهم ينددون بالاستبداد والقمع وملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي ومحاولات لا تتوقف لكبح حرية التعبير ، وقد كان قطع الأشجار هو القشة التي قصمت ظهر البعير ، لأن كثيرا من المتظاهرين كانوا غاضبين من أجل حرية التعبير المهددة بشدة ، كما كان منهم من أزعجته دعوة أردوغان لمنع تجرع الخمر بالنهار والسماح بها بعد العاشرة مساء فهذا في رأيهم كبت للحريات ووأد لبعض العادات والتحكم بالقانون في مشاعر الناس وأمزجتهم ، وكان من بين الثائرين أيضا من لا يقبل مسألة تحول الدولة إلى الإسلام والابتعاد تدريجيا عن العلمانية ، رغم أن أردوغان رئيس الوزراء انتخبته الجماهير التركية في انتخابات حرة ونزيهة وكان يمثل حزب الأغلبية وهو " العدالة والتنمية " وأكد أن تطوير الميدان يجيئ تلبية لموافقة الحكومة والمجلس البلدي للمدينة ولعديد من الجهات المسئولة التي اطلعت على تفاصيل المشروع الحضاري الذي سينقل الميدان نقلة كبيرة لأنه مفترق طرق وتخدم المواطنين فيه محطات المترو والترام والحافلات والمجمع الثقافي سيقدم أنشطة ثقافية وفنية متنوعة يمكن أن تضيف إلى الميدان وسكان المدينة ،لكنهم رفضوا وأعلنوا الاعتصام حتى التوقف عن قطع الأشجار والرجوع عن إنشاء أية بنايات في الميدان والحفاظ عليه كمتنزه وساحة للتعبير والتجمع واللقاء والسهر .
حاولت الشرطة تفريقهم في البداية لكنهم تمسكوا بعدم التحرك إلا بعد التراجع الكامل والنهائي لكل ما ستقدم عليه الحكومة ، ولم يكن من أردوغان إلا أن صرح بألا تراجع عما خططت له الحكومة فثار الشباب ومن هنا انقضت الشرطة بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع في محاولة لتفريقهم ، إلا أن التعاطف الشعبي مع الغاضبين استفز الكثيرين الذين أسرعوا لدعم المتظاهرين وازداد من ثم عنف الشرطة حتى أصدر أردوعان أوامره بسرعة خروج قوات الأمن من المشهد وعدم التعامل مع الشباب بأية صورة من صور القمع .
وصلت إلى الميدان في نحو الظهيرة فرأيت جموع الشباب تغني وترقص وتخطب .. ورأيت باعة البطيخ والذرة المشوية والمسلوقة والبطاطا المحشية وأبو فروة المشوي.. درت أتابع وأرصد وأسأل وأصور وأنا أستشعر رغم فارق اللغة أني في مصر وأني بين أبنائي الشباب في ميدان التحرير .. قرأت اللافتات المحتجة ودققت في الرسوم على الجدران وعلى اللوحات وعلى الأرض .. لم تأت الساعة الرابعة حتى كان الميدان قد امتلأ عن آخره .. انتقلت إلى الحديقة الظليلة حيث مئات الخيام وآلاف البنات يكتبون اللافتات التي تكشف الأعماق الثائرة ،وتفتح الباب للأماني وترفض كل صور التهديد بالقوة .
عندما علم بعض المحتجين أنني مصري .. صرخوا : ميدان التحرير ..مصر ..ميدان التحرير
خامرني شعور بالفخر ، بالمناسبة ففى لهجتهم تعنى كلمة "ميدان " المعنى ذاته لدينا ، سألوني عن الأحوال في مصر وهل ما تزال هناك اضطرابات وألم تظهر بعد أية بوادر للاستقرار؟ .. أجبتهم : لا .. ما زالت الإضطرابات مستمرة ولم يظهر في الأفق أية آمال في الاستقرار والهدوء وانسجام عناصر الأمة ، بحيث تعود الحياة إلى طبيعتها باستتباب الأمن ودوران عجلة الإنتاج .
سألوني : ألا يتمتع الرئيس مرسي بأية إيجابيات تشجع على فتح صفحة جديدة وإغلاق الماضي الملتهب ؟
قلت : للأسف
سألوني : فما الحل بنظرك ؟
قلت : الحل لديكم
اندهشوا جميعا وسألوني : كيف ؟
قلت : بعد أن ثار غضبكم ضد أردوغان أري أن تتنازلوا عنه لنا وتأخذوا مرسي بدلا منه
صرخ الجميع : لا .. نحن لا نكره أردوغان إلى هذه الدرجة
قلت وأنا أطلب منهم الهدوء : سنعطيكم فوقه هدية مجانا .. المرشد العام بديع ومساعده خيرت الشاطر وعدد من الشخصيات المهمة مثل العريان والكتاتنى والبلتاجي
قالوا وهم يتفرقون من حولي : شكرا.. أنت بذكاء تريدنا التمسك بأردوغان
دعا أحدهم الجميع إلى الرقص فأمسك كل منهم جاره من أصبعه الأصغر ( البنصر ) عن يمينه ويساره وجذبوني للرقص معهم .. مضينا نرقص رقصة تركية شعبية جميلة وبسبطة ونغنى ونصفق ونلتقط الصور ، ثم تركتهم بعد نصف ساعة ، وأخذت جانبا تحت تمثال أتاتورك وفتحت مفكرتي لأسجل بعض الخواطر ووصفا لبعض ما أري من الملامح التي تهيمن على الميدان والحالات التي لفتت نظري مثل العجائز والمحمولات على عجلات والبنت الخرساء التي كانت تهتف بلا صوت والرجل الذي اشتري عربة البطيخ كاملة ومضي يوزع على الشباب والمعتكفين في الخيام ، اللافتة البيضاء الكبيرة التي يكتب عليها الزائرون أمانيهم وخواطرهم وقد كتبت عليها بالقلم الأحمر السميك : ارحل يا مرسي .
فوجئت بعد قليل بفريق تليفزيوني يدنو منى ، ويتحدث إلىّ أحد أفراده وقدم لي نفسه : إسماعيل أرسلان معد تليفزيوني .. قال: لقد رأيتك تتحدث إلى الشباب وعلمت أنك مصري فهل أنت صحفي ؟ .. قلت :لا ..أنا كاتب للرواية والقصة والمقال
قال : لذلك أدعوك أن تحدثنا عن الثورة المصرية وانطباعاتك عما يحدث في ميدان " تقسيم ".
تكرر تقريبا كل ما تضمنه حديثي مع الشباب وقلت : إننى بالقطع مع حرية التعبير والتظاهر السلمي، لكنى أقدر جدا جهود رئيس الوزراء الحالي الذي يسعي على مدي يتجاوزعشر سنوات في الارتقاء بكافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعمرانية ، ولا يملك التاريخ تجاهل إنجازاته، وليست العبرة بالصندوق ولكن بالمنجزات وآثارها على المواطنين وفي تغيير وجه الحياة إلى الأفضل، لذلك أقول لكم إذا كان أردوغان أقل من أمانيكم فاتركوه لنا وخذوا مرسي بدلا منه .
ضحكت المذيعة وفتحت عينيها على اتساعهما ، وانتهي اللقاء ، لكن ما إن ابتعدت عنها قليلا حتى فرت الدمعة من عينى إشفاقا على مصر التي عادت إلى القرون الوسطى خلال عام واحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شوية شوية تركية تتحول إلى إسلامية شنيعة!
حميد كركوكي ( 2013 / 6 / 20 - 11:53 )
شكرا أخ قنديل على إنطباعكم حول أصطانبول! لكن صدقني إن الرياح العفنة الصحراوية الوهابية قادمة من الجزيرة العربية على هذه البقعة الجميلة كذلك! قبل عشرة سنوات لم أشاهد محجبّات ولحايا ! أما الآن جميع أقاربي هنا أهدلوا اللحايا و زوجاتهم أصبحن مقنعات! وفي البيوت أنزلوا الصور والمناضر الجميلة في غرف الأستقبال وغيروها برسم عمامة النبي والكعبة! التلفزيون فقط للأخبار والقرآن!! وهلم جرا إنها تعاسة و تحميق بمساعدة أمريكا والمخططة لتحميق شعوب المنطقة لأن أفيون الدين أقوى سلاح للأستعمار في السيطرة على الشعوب! وبمساعدة الطيران الأسرائيلي في سورية مثلا! هذا وشكرا


2 - ياخوفي
عبد الله اغونان ( 2013 / 6 / 21 - 00:20 )
ياخوفي أن تكون في أعماقك تقول خذوا مرسي وهاتوا حسني مبارك
أما أردوغان فهو ليس للبيع

اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه