الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ، الثورة والارهاب

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2013 / 6 / 20
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تقر الاشتراكية العلمية بدور العنف كعنصر أساسي في عملية التطور الاجتماعي في العديد من أدبياتها وأطروحاتها ، فالديمقراطية عند ماركس وانجلز برجوازية كانت أم اشتراكية هي ديكتاتورية طبقة على أخرى ،أي أنها تنظم عملية القمع وتمركزها بيد طبقة اجتماعية تدافع عن مصالحه الجوهرية ضد طبقة أخرى وهما يعترفان بمشروعية –بل ويدعوان صراحة –الى نضال الأغلبية الساحقة من الجماهير الكادحة للاستيلاء على السلطة وعلى هذه الديكتاتورية لفرض سيادتها والقضاء على البناء القديم تمهيدا للقضاء على ديكتاتوريتها بالذات وبالتالي على كل أشكال الديكتاتورية والديمقراطية التي نعرفها الآن ،فالاشتراكية العلمية تقر بدور العنف الحاسم في عملية التغيير والقضاء على ما هو سائد وتوليد المجتمع القديم ولكنها تقر به فقط لأنه يمهد للقضاء على وجوده كظاهرة فكرية وسلوك سياسي ارتبط بوجود مجتمعات الاستغلال والصراع الطبقي .
فعملية التغيير ايا كانت عنيفة بحد ذاتها من منطلق كونها تهدف الى القضاء على ماهو سائد ،على سلطة قائمة (معنوية ،فكرية ،اخلاقية أو مادية ...) لتعويضها بالجديد ،طالت هذه العملية أم قصرت ،ظهر احتدامها أو خفى في سلمها الظاهر او في غليانها النهائي .لكن الأكيد أنه ما دام الصراع بين الأضداد وما مدام احدها ينفي الآخر نفيا تتصاعد او تخفت حدته فان عنف احدها على الآخر قائم ودائم .أما شكله وطبيعته فتحددها موازين القوى بين أقطاب الصراع بدرجة اولى ووعيها (الذاتي والتنظيمي) به وبموقعه بين بقية القوانين الموضوعية الأخرى التي تحكم عملية التغيير ،بدرجة ثانية .فلقد اقرت الفيزياء الميكانيكية المبدأ الأساسي القائل بأن لكل فعل ردة فعل مساوية في المقدار ومضادة في الاتجاه ،هذا المبدأ الذي ينسحب بشكل كامل على حركة الطبيعة ومكوناتها ولكن يرتبط بشرط أساسي لما يتحول الى الانسان (في علاقاته الاجتماعية وعلاقته بالطبيعة ..) ألا وهو الوعي ، فالوعي (الفردي ،أو الجماعي) يحدد زيادة او نقصانا درجة ردة الفعل واتجاهها .
فتتحول ظاهرة العنف تحت وطأة العوامل الذاتية والعاطفية والأيديولوجية من ظاهرة طبيعية تساهم في عملية التوليد الاجتماعي وتطور التاريخ الى معيق لها او مدمرة لها ،اكان ذلك بدفع من القوى الثورية التي تهدف الى إقامة
مجتمع جديد على أنقاض المجتمع القديم ام كان ذلك بيد القوى الرجعية التي تهدف الى تأبيد سيادتها عبر القضاء على القوى الثورية وعندها تتحول عملية التطور الاجتماعي إلى إرهاب تتعرى فيها أوهام القوى السائدة حول الحرية والسلم الاجتماعيين وتتحول أجهزة السلطة إلى أجهزة لمصادرة حق المواطنة والقتل ..الخ من جهة وتتحول فيها الحركة الثورية الى حركة جريمة منظمة آلة قتل عقلانية تناقض مقولاتها هي بالذات عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وعن آمالها في حياة أفضل وأسمى ،وتسقط في الإرهاب الذي يجد تبرريه في المقولات الفلسفية للعنف ودوره في حركة التاريخ وصراع الأضداد والطبقات ...الخ
ان الشيوعية نظرية ثورية وهي عنيفة بطبعها تجاه الاستغلال والاستبداد والظلم لكنها لا يجب ان تشرع للظلم والاستبداد لأنها بالذات وفقط علم تحرير الانسان ( البروليتاريا ومن خلفها كلّ المجتمع ) من أسس الاستغلال والميز والحيف الاجتماعي ، فلا يجب ان تقبل بقتل الإنسان او الانتقاص من إنسانيته ،من هذا المنطلق فقط يمكن ان نفهم مقولات عنف الجماهير ودوره في الدفاع عن مصالحها الجوهرية وتحرير نفسها من نير الاضطهاد .
ان النظريات والحركات والسياسات الثورية كما يوضحها تاريخها تستجيب لمتطلبات واقعها والأنماط الفكرية والحضارية لعصرها ( وعي النخب والجماهير السائدة والمسودة ) ،فالثورة البرجوازية مارست الإرهاب الفكري والسياسي على الإقطاع والقيصرية ونصبت المشانق وابتدعت المقصلة وأحرقت ودمرت لما قامت بشكل نهائي وشامل للقضاء على الإقطاعية وتأسيس الدولة البرجوازية الوطنية لكنها بعد ذلك طورت مقولا المساواة والإخاء ..فطورت معها نظرتها للعنف ووضعت له حدودا بمقولات العقد الاجتماعي والإرادة الجماعية والحرية (التي تتطابق مع مصلحة الأقلية السائدة اجتماعيا) ،ثم قامت الثورة "الاشتراكية" ففعلت نفس الشيء بالبناء البرجوازي فطورت معها مرة اخرى نظرة الانسان الفلسفية والسياسية لمقولة العنف ودره في التاريخ وحركته وأعطته إطارا جديدا يستمد حدوده من المقولات الحضارية ،الفكرية والسياسية لعصرنا هذا والمتمثلة في الحقوق الكونية للإنسان (حق الحياة ،التعبير ،التنظيم ،التمرد والمقاومة ..الخ). انجملة هذه العمليات الثورية ساهمت لا ممحالة في تطوير الحاضنة الفلسفية والسياسية لمقولة العنف وفصلت بينه وبين الإرهاب -الذي يمثل الشكل الأكثر حدة وذاتية من أشكال العنف- وأفقدت هذا الأخير مشروعيته كوسيلة للمقاوة الوطنية والاجتماعية .
فما قامت به الثورة البلشفية في روسيا حولها عن اهدافها في بناء مجتمع العدالة والمساواة والاعداد للقضاء على الاستغلال والصراع الطبقي وجعل منها دولة ارهاب و استعمار ،هذه السياسات التي كانت نتيجة مباشرة للعاطفية والمثالية والشمولية والاطلاق في التعاطي مع النظرية الاشتراكية والفكر الشيوعي ومنها التمسك بدفع العنف إلى أقصى اشكاله – الارهاب- وتبنيه كسياسة رسمية للدولة "الاشتراكية" انطلاقا من قراءات ذاتية للواقع الاجتماعي والاقتصادي وتغييب بقية القوانين الموضوعية التي تفعل فيه ومحاولة تبرير ذلك بشعارات "حماية الثورة " " ومصلحة الجماهير"...الخ .
وفي نفس هذا السياق يتنزل ما تقوم به بعض حركات التحرر الوطني والمقاومة الشعبية (في فلسطين والعراق مثلا) من تبرير لاستعمال الإرهاب وقتل الناس والعمليات الانتحارية كوسيلة وحيدة و أساسية لتحقيق أهدافها متناسية أن الحرب والسلاح والقتل هما آخر أشكال النضال السياسي كما أنها يجب إن تكون وسيلة ظرفية ومحدودة في الزمن لا تبرر بأي شكل من الأشكال القتل العشوائي للإنسان أو الإبادة الجماعية ،كما أنها لا تبرر إرهاب الدولة الذي يمارسه الاستعمار قديما وحديثا تحت شعارات " الدفاع عن الأمن القومي" "والدفاع عن الحدود الجغرافية " وغيرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا