الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات عتروس*

نايت الصغير عبد الرزاق

2013 / 6 / 20
كتابات ساخرة


لن أستفيض كثيرا في سرد أهم مراحل حياتي التي كانت في أغلبها مقرفة و لا حدث قبل أن أتحوّل الى "شيخ" , مراحل طويلة كنت فيها "عتروسا" و بالظبط منذ أن اختار لي أحد اصدقاء طفولتي لقب "العتروس" (و له اسبابه المنطقية في ذلك !) , لقب بقي ملازما لي الى غاية اليوم الذي حدثت فيه المعجزة و الانقلاب الذي غير حياتي , كان يوما خير من مليون يوم , تنزلت فيه كل خيرات الأرض عليّ بعده , كان ذلك اليوم المشهود و الذي لن أنساه طوال ما حييت , عندما سمعت زميل لي "عتروس" مثلي و في وسط جمع من "العتاريس" و هو يناديني : " يا شيخنا الفاضل , ما رأيك في ..." , لا أتذكر شيئا عن سؤاله , ولكن ما كان يهمني , ذلك اللقب الجديد الذي سأحمله من الآن فصاعدا و منافعه التي لا تُعد و لا تُحصى , عرفت حينها أن حياتي ستتغير جذريا و أن "تعبي" لم يذهب هباء , فقد انتهى زمن "التعترس" الى غير رجعة و جاء زمن "المشيخة" ...

لم تمر الا بضعة ايام بعدها حتى انتشر لقبي الجديد انتشار النار في الهشيم , لا أكذب عليكم ان قلت لكم أنني كنت أستمتع كثيرا و أنا أرى "عتارس" سُّذّج و "زملاء" سابقين و هم يصدقون و ينادونني " يا شيخ" , لن أحدثكم كثيرا عن "المنافع" العظيمة التي بدأت تتهاطل عليّ منذ ذلك الوقت , منافع مادية و اجتماعية و نكاحية و "بما يرضي الله"...

كنت دائما أتساءل لماذا كانوا يسمونني سابقا بالعتروس و لما كل هذا التجني بحق فصيلة التيوس , فهو حيوان وديع و يستحيل عليه أن يتحول الى "شيخ" بين عشية و ضحاها و أنا متأكد أنه لو نطق لأعلن اعتراضه على التسمية , فهو على الأقل يعرف قدره و يعرف أن فصيلة التيوس الحقيقية لا يمكنها أن تكون بنفاق أو بسذاجة "عتاريس" البشر , و أنا الذي عشت طويلا كعتروس بشري , أتقدم من على هذا المنبر باعتذاراتي لفصيلة الماعز و التيوس لتشبيهنا لعتاريسنا بها !

يتساءل البعض , كيف استطعت أن "أتطور" من فصيلة "عتروس" بشري الى درجة "شيخ" ضربة واحدة !؟ ...سأكون صريحا , أنا شخصيا لا زلت محتارا , كنت "عتروسا" و لكنني لست بسذاجة "العتاريس" الذين يستمعون الي و يستفتونني الآن في أمور دينهم و دنياهم و يلقبونني بالشيخ , حتى و ان كنت أقوم بتكفير نظرية التطور الداروينية في كل "الدروس" و "المحاضرات" التي صرت ألقيها دوريا على عتاريسي الوديعين , الا أنني و في أعماقي صرت أرى فيها الكثير من الصحة كلما نظرت الى نفسي في المرآة !...و أيضا و أنا أرى قطعان العتاريس التي تستمع الى "العلوم" التي ألقيها عليها و أفواهها مفتوحة من الدهشة !

عليكم أيضاأن تعرفوا أن عملية "التطور" من "عتروس" الى "شيخ" تخضع لقوانين الانتخاب الطبيعي و التأقلم مع المحيط , فليس كل عتروس يتطور الى "شيخ" , فأغلب "العتاريس" يبقون على حالهم الى أن يتوفاهم الله وهم "عتاريس" فرحون , و لكن الأخطر هو ذلك النوع من "الشيوخ" الذين اضطروا أن يعودوا الى حياتهم السابقة في عالم "التعترس" و خسروا كل المنافع , بسبب اخطاء في عدم الخضوع لقانون "ما يطلبه المستمعون" في الدروس و الفتاوي , و لم يستطيعوا أن يصلوا الى أعلى درجات العبوس و التكفير لكل ما هو على وجه الأرض من كائنات , حتى "العتاريس" منها ان استلزم الأمر , فكما يقول المثل " الخبزة مرة " و خاصة لمن ذاق حلاوة المشيخة و عرف ما يعنيه أن تكون عتروسا سابقا .

لن ابوح لكم بكل أسرار التحول و التطور , و لكن سأكتفي فقط بذكر الخطوط العريضة , أهم قاعدة هي أنه يستحيل أن نقبل بتحول كل "عتروس" الى "شيخ" , فطائفة "العتاريس" هي سبب وجودنا و ثرائنا و شهرتنا و فلولاهم لأصبحنا لاشيء و لعدنا لقرف "التعترس" , تصوروا معي للحظة مجتمعاتنا بدون طائفة "العتاريس" ؟ كيف "سنشتغل" نحن ؟ و جميعكم يعرف أن افضلنا لن يجد لنفسه مكانه و لو في مهنة زبال أو بواب بدون جمهور "العتاريس" التي تصفق لنا و تحمينا ...

لا اعرف لماذا كانوا يسمونني "العتروس" , هل بسبب "الرائحة" أم بسبب الغباء المستفحل الذي كنت أعانيه , كنت دائما آخر الصف و لم أتمكن من تجاوز المرحلة الابتدائية الا بفضل رحمة الله , ثم تخرجت بعدها بقليل بشهادة " يُوجه نحو الحياة المهنية" و التي كانت نعمة بالنسبة لي , الفراغ جعلني أتعرف على الكثير من "العتاريس" مثلي , كنا نقضي أوقاتنا في "حلقات" الأكل و دروس "العترسة" و التكفير و القيلولة !

ثم تعرفت على "شيخ" سبق له أن مر بمرحلة "العترسة" , تكرم عليّ و علمني بعضا من "علوم" غسيل الموتى و تكفينهم , فاصبحت دائم الحضور في الجنازات و "خدماتي" صارت مطلوبة جدا , ثم قررت أن ألبس "الزي الرسمي" فوضعت طرة و شماغا على راسي و تعلمت بعض الكلمات من كتب الاولين أرددها دائما على الحضور , و شيئا فشيئا صرت اعلّم الناس أمور موتهم و أحذرهم من "البدع" ليضمنوا دخول موتاهم للجنة , و تحولت بعدها الى "منظم" لمواكب الجنازات أمنعهم من التكبير و أعلمهم متى يهرولون و متى يخفضون "الريتم" ...الى أن جاء ذلك اليوم المشهود الذي حدثتكم عنه , و أنا منهمك في تنظيم "الهرولة" و منع التكبير و الدعاء في الجنازة , سمعت مُناد يناديني و يقول ..." يا شيخنا أريد أن اسألك في امر ..." , فكانت تلك الكلمة التي غيرت حياتي !

منذ ذلك اليوم , صعدت في السُّلّم و تحولت الى "شيخ" و ودعت طائفة "العتاريس" الى غير رجعة و اصبحت شيخا لهم أعلمهم أمور دينهم و دنياهم , و لم أعد "أُنظّم" الجنازات , فهي غير "مفيدة" , هناك ما هو أكثر فائدة دينا ...و دنيا !

أنا الذي لا زلت لا اعرف حتى جدول الضرب , صرت اليوم متحكما في جداول الجمع لكل متاع الدنيا "و بما يرضي الله" , و كلما مررت على أصدقاء الطفولة من الذين أطلقوا عليّ لقب "العتروس" , أتوقف أمامهم بسيارتي الالمانية الفخمة و من تحت عود سواكي أهديهم ضحكة صفراء و اقول ..." رفقا بالعتاريس , فنحن بحاجة اليهم !"


*العتروس هو التيس باللهجة الجزائرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟