الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا بين موازين القوى .. وموازين الدم

بدر الدين شنن

2013 / 6 / 20
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


حالة الحرب .. في .. وعلى .. سوريا ، ستستمر إلى أجل غير معلوم . واتفاق ( لافروف ـ كيري ) لإجراء حوار ، يضع حداً للحرب ، ونقل سوريا إلى تفاهمات داخلية ، تأتي بعهد جديد ، قد تحول إلى سؤال ، لم يستطع لقاء ( بوتين ـ أوباما ) على هامش قمة دول الكبار الثماني أن يقدم الإجابة الشافية عليه . وذلك ليس لأن معارضة الخارج " المسلحة " لم تتفق على وفد يمثلها في الحوار ، أو هي تضع شروطاً عالية السقف غير مقبولة في منطق حوار جاد ، أو أن داعميها من الدول لم يحصلوا على نصيب يرضيهم في متن ما يسرب من أنباء عن عقود إعادة الاعمار ، وعقود التنقيب عن النفط والغاز في المياه والأراضي السورية ، وإنما لأن الجغرافيا العسكرية .. أي الوقائع الميدانية العسكرية ، التي بني عليها الاتفاق ، لم تستقر متوازنة ، وقد تبين أنها غير منضطبة على إيقاع السياسة ، بل تحكمها فيزياؤها وتفاعلاتها الخاصة التي سرعان ما تبدلت لصالح الجيش السوري .. أي لصالح الطرف الحكومي في معادلة السياسة . وهذا التبدل تزداد مساحته ، وأهميته ، وتأثيره ، يوماً بعد يوم . بينما الطرف المقابل يضعف طرداً بنسب الفوز الذي تحققه قوات الحكومة ، أي أن كل موقع يعود إلى سيطرة الحكومة ، يسجل خسارة جغرافية عسكرية للمعارضة المسلحة ، وضعفاً لها عند الجلوس إلى طاولة الحوار . ما يعني أن خللاً هاماً في موازين الجغرافيا العسكرية قد حدث ، وما يعني أيضاً ، أن باب الحوار لن يفتح إلاّ بعد إجراء توازن جديد ، في ميزان القوى السياسية والعسكرية في آن .
واستطراداً لما تقدم ، يمكن اعتبارإعادة سيطرة الجيش السوري على مدينة القصير ، وإحرازه تقدماً كبيراً في مواجهة الجماعات المسلحة في ريف كل من ، دمشق ، وحلب ، وحمص ، وتحضيره اللافت لحسم معركة مدينة حلب ، هو الذي أحدث الخلل في ميزان القوى ، وهو الذي سيجري العمل من قبل الجماعات المسلحة وداعميها في الخارج ، لتجاوزه . وذلك في محاولة تحقيق انتصارات تفوق ما أحرزه الجيش السوري مؤخراً في الميادين المذكورة ، قبل القبول مرة أخرى بالحديث عن لقاءات .. وحورات سياسية مع الطرف الحكومي .

ولأن من البديهي ، أن يفكر الجيش السوري بما ستعده الجماعات المسلحة وحلفاؤها لتعويض خسائرها ، فإنه سيتابع هجومه الممنهج ، وتعزيز قدراته ، للدخول في مواجهات هي أكبر بما لايقاس مع ما حصل في الأسابيع الأخيرة . الأمر الذي يعني ، أن سباق تسلح ناري نوعي غيرمألوف سيحدث ، وأن حشداً للقوى المقاتلة الذاتية والصديقة غير مسبوق سيدخل المواجها المقبلة ، وأن مزيداً من الدمار والدماء سيقع ، حتى تتوفر القناعة .. أمام العجز عن المتابعة .. وأمام المشهد الكارثي المرعب .. أن السلاح لم يعد مجدياً .. ولابد من التوقف عن الحرب .
ومن أسف ألاّ تتوقف هذه الحرب الأكثر بشاعة في عواملها الداخلية والخارجية .. على خلفية القناعة .. الوطنية .. والسياسية المبدئية .. والدينية السامية .. والأخلاقية .

* * *

إن تداعيات الجغرافيا العسكرية في الأسابيع الأخيرة ، وضعت الحالة السورية والحالة الدولية ، أمام استحقاقات جديدة ومتسارعة .. أعطت الرهان العسكري المركز الأول من الاهتمام . ما يعني أن من يتمكن من تحشيد قوة نارية نوعية أكثر تدميراً ، سيكون مؤهلاً لكسب الحرب . وقد أعطت .. أو كشفت .. أن الدول الكبرى ، وخاصة روسيا والولايات المتحدة ، هي صاحبة القرار .. حرباً او سلماً .. في المسألة السورية . ودفعت للواجهة الخرائط الكونية الكبرى المختلف عليها ، قبل اندلاع الأزمة السورية ، لاسيما المتعلقة بمصادر ، وأسواق ، ومعابر الطاقة ، وبالقطبية الدولية .

وقد لعب التعاطي الروسي ـ الأمريكي ، مع الأزمة السورية ، دوراً كبيراً جداً ، في تعميق الخلافات فيما بينهما ، إن فيما يتعلق بالطاقة الشرق أوسطية واسواقها ومعابرها ، أو بتظهير خريطة شرق أوسط جديد تؤمن مصالح واستراتيجيات مشتركة لحقبة غير محددة من الزمن .

كما منح تموضع الحالة السورية في مقدمة خرائط الخلافات الدولية ، سنداً قوياً لسوريا ، لم يكن من الممكن لها بدونه أن تحقق في الحرب الدائرة على أراضيها ، ما حققته حتى الآن . لكنه في المقابل ، قيد المصير السوري بمآلات الخلافات الدولية .. التوافقية .. أو التصادمية .

وهذه الحقيقة قدمت معطيات سياسية ، عن الأزمة السورية ، لم تكن بالوضوح والتكامل ، الذي ظهرت فيه مؤخراً . وهي ، أن الأزمة سورية حول مسائل الحرية والتعددية السياسية والإصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي .. بين عهد مديد من الأحادية في الحكم .. وبين قوى شعبية وسياسية طال حرمانها من الديمقراطية . وهي أزمة إقليمية حول حجوم ونسب النفوذ الإقليمي ، الذي يتفاعل مع الطاقة وحركة معابرها وأسواقها كسلعة متحكمة إلى حد كبير باقتصاديات العالم .. بين مشروعين دوليين . بين إيران وروسيا والعراق .. وبين قطر ومصر وإسرائيل ودول الخيج والدول المالكة لحقوق استثمار وتسويق الطاقة فيها ، أبرزها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي .
وتأسيساً على ذلك ، هي أزمة دولية لذات الاعتبارات ، تضاف إليها النزعات التنافسية حول الجغرافيا السياسية السورية والشرق أوسطية في مخططات القطبية الدولية الجديدة ، بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي من جهة وروسيا ودور مجموعة بريكس من جهة ثانية .

وقد انعكس كل ذلك أكثر في السياسة ، عند معالجة الأزمة السورية ، على المستوى السوري ، والإقليمي ، والدولي . حيث ظهر في مشهد الأزمة السورية ثلاثة مستويات من اللاعبين :
- اللاعبون السوريون .. ممثلو الحكومة .. وممثلو المعارضة
- اللاعبون الإقليميون .. حكام دول الخليج وعدد من الحكام العرب .. إيرانيون .. أتراك .. إسرائيليون .
- اللاعبون الدوليون .. روسيا ودول بريكس .. الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي .
على أن اللاعبين الرئيسيين المقررين , رغم الاستعراضات والتحركات القطرية والسعودية والتركية المحمومة ، عبر احتضان وقيادة الجماعات المسلحة ، وعبر الدعم المالي والسياسي والإعلامي والعسكري ، بين مجموع اللاعبين هم اللاعبون الدوليون الكبار . ومع انتقال الأزمة السورية من مرحلة إلى أخرى ، كان دور اللاعبين السوريين والإقليميين يتناقص .. وأحياناً يهمش إلى درجة الانحسار ، ليبرز بشكل حاسم دور اللاعبين الأكبر .. المتمثل بروسيا والولايات المتحدة .. وبالرئيسين بوتين وأوباما تحديداً . فكل اتصال بينهما .. او كل تراسل عبر وزراء أو معتمدين كبار ، تحدث نقلة في سيرورة الأزمة .. مثل لقاء رئيس مكتب الأمن الأمريكي في البيت الأبيض مع مسؤولين روس في نيسان ، ولقاء ( لافروف ـ كيري ) في 7 أيار من هذا العام ، الذي تمخض عنه اتفاق عقد جنيف 2 .
وأخيراً كان اجتماع دول مجموعة الثماني الكبار ، الذي جرى على هامشه اجتماع ثنائي بين بوتين وأوباما ، على مدى ساعتين ، أفضى إلى تفاهمات عامة بينهما حول الأزمة السورية ، والذي أظهر أحجام اللاعبين الآخرين الحقيقية ، لاسيما اللاعبين السوريين حملة ألقاب معارضة ، تاركين لوزيري خارجيتهما متابعة الإعداد لمؤتمر جنيف 2 ، وفق ما ستستقر عليه التفاعلات السياسية والجغرافيا العسكرية حتى انعقاد لقائهما الثنائي في موسكو في ( 3 - 4 ) من أيلول القادم ، وقبل قمة العشرين في سانت بطرسبرغ بعد لقائهما مباشرة في ( 5 - 6 ) من الشهر نفسه .

* * *

إن ما تمخض عن لقاء بوتين أوباما ، حسب تصريحات الطرفين ، وحسب وكالات الأنباء والصحف الدولية ، هو استبعاد التدخل العسكري الخارجي في سوريا ، والاعتراف أن حل الأزمة هو سياسي ، ويجب العمل لوقف الحرب عبر الحوار في مؤتمر جنيف 2 . غير أن ما تفق عليه من تفاهمات عامة ، لايتعارض مع سعي كل منهما ، ومن خلال شركائهما من اللاعبين في المستويات الأخرى ، من تحسين أوضاعهما السياسية والعسكرية البديلة للتدخل العسكري المباشر ، وتهيئة الشروط المناسبة لانتهاج الحل السياسي ، وتحسين أوراق الحوار التفاوضي في مؤتمر جنيف 2 .

وفي هذا الصدد ، أكد بوتين ومسؤولون روس كبار، أن إرسال الأسلحة الروسية المتعاقد عليها سابقاً إلى سوريا ، هو عمل قانوني وأخلاقي . كما صرح اوباما ، أن سياسته هي الخروج من الحرب وليس الدخول فيها .. لكنه سيدعم المعارضة بالسلاح . وعلى أصداء مؤتمر الثماني الكبار ، تداعى " أصدقاء سوريا " لعقد اجتماع في الدوحة يوم السبت القادم ، لتعزيز قدرات المعارضة المسلحة بكل أشكال الدعم لاسيما الدعم المسلح .

وقد تزامن ذلك مع مجموعة من الوقائع اللافتة في هذا الاتجاه ، ابرزها إعلان المملكة السعودية عن إرسالها آلاف الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات للجماعات المسلحة في سوريا . وإعلان محمد مرسي قطع كافة العلاقات المصرية مع سوريا ودعوته لعقد قمة عربية لنصرة المعارضة السورية . وإعلان الأردن عن بقاء القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها المشاركة في مناورات " الأسد المتأهب في حزيران الجاري في الأردن بما فيها طائرات ( اف - 16 ) وصواريخ الباتريوت .

والأبرز .. والأكثر اختزالاً للموقف العربي ـ الغربي من الجغرافيا العسكرية المستجدة في سوريا ، هو ما صرح به وزير خارجية فرنسا قبيل انعقاد اجتماع الدوحة القادم " تنبغي الاستجابة لحاجة المعارضة السورية لإعادة التوازن على الأرض " . ما مفاده ، أن لعبة موازين القوى سوف يكون لها الأولوية في التعاطي مع الأزمة السورية قبل حسابات موازين الدم ، وسوف تضع اتفاق ( بوتين ـ أوباما ) ، وقبله اتفاق ( لافروف ـ كيري ) ليس أمام اختبار المصداقية وحسب ، وإنما أمام خطر .. التأجيل .. ثم التأجيل .. ثم الإلغاء . وذلك حسب ما تقرره نتائج الجغرافيا العسكرية . إذ أن كل طرف عندما يجد أن ميزان القوى لم يعد في صالحه ، سوف يرفض الحوار .. ريثما يستعيد التعادل على الأقل .. ما يفتح المجال لاستمرار الصراع المسلح إلى نهاياته الأكثر دموية والأكثر دماراً . وما يفتح المجال لتجاوز موازين الدم السوري في أكثر الصراعات على السلطة عبثية وغباء .. وأكثر نزعات الهيمنة الدولية توحشاً وانحطاطاً .

والسؤال الآن : هل يمكن لسوريا قطع الطريق على مسار القتل والتدمير والرهانات الخارجية .. والعودة ذاتياً .. من خلال رجالاتها وقواها الوطنية .. إلى التعاطي الوطني الديمقراطي مع الأزمة ، التي يستميت البعض لإخراجها عن السيطرة الوطنية .. وإيجاد مخرج وطني ديمقراطي مشرف يليق بالشعب السوري وبتاريخه العريق ؟ ..
هل يمكن أن يبطل الشعب السوري لعبة موازين القوى .. ولعبة الدم .. ويفرض وحدته الوطنية التي تضم كل مكوناته التاريخية والروحية ؟ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس