الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة بعض المثقفين

نعيم الأشهب

2013 / 6 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يشكل المثقفون ، في المجتمع الطبقي ، شريحة من كل طبقة اجتماعية ، تعبّر في نشاطها عن أيديولوجية الطبقة التي تنتمي اليها وتبلور أهدافها الإجتماعية . وبهذا المعنى ، فهذه الشريحة لا تشكل طبقة قائمة بذاتها ، بل هي مكوّن عضوي في مختلف طبقات المجتمع ؛ لكن ميدان نشاطها يحدد موقعها كأحد مكوّنات البنية الفوقية للمجتمع ، وليس من بنيته التحتية المتصلة بالإنتاج المادي ؛ ومن هذا الواقع فالمثقف في انتمائه الطبقي يمكن أن لا يتطابق بالضرورة مع منبته الطبقي ، أي يمكن أن يكون منبته من طبقة ذات امتيازات لكن انتماءه ، نتيجة قناعات فكرية، غدا للطبقات المسحوقة ؛ والعكس بالعكس. وإذا كانت الشعوب هي التي تصنع التاريخ ، فإن شريحة المثقفين بمثابة الرأس المفكر لها ؛ وبالتالي : فهي لا تصنع الأحداث وإنما تعبّر عنها . وتأثير هذا التعبير وقيمته التاريخية رهن بمدى تطابقه مع الواقع الملموس والمتحرك لقوى الطبقة المعنية في إطار مجتمعها؛ ذلك أن المثقف ، بحكم ميدان نشاطه، عرضة للتجريد في تقييماته أحيانا.
وبالإنتقال من العام إلى الخاص ، وأكثر تحديدا الى الأزمة السورية ، فإن موقف بعض المثقفين العرب ، من هذه الأزمة، يدعو الى التأمل والمناقشة. وبطبيعة الحال ، لا يشمل ذلك أولئك " المثقفين" الذين باعوا ضمائرهم قبل أقلامهم ويديرون، اليوم ، آلة إعلام عصرية رهيبة في قدراتها على التزييف وقلب الحقائق ، فهؤلاء – ببساطة - عصمتهم في أيدي من اشتراهم. ولعلّه من المفيد ، تمهيدا للخوض في موقف بعض المثقفين من الأزمة السورية ، الإشارة الى أن هذه الأزمة أحدثت تباينات واختلافات في التقييم ، أكثر من سواها من الأزمات التي انفجرت في العالم العربي مؤخرا. ويتمثل أحد الأسباب الرئيسية في وقوع هذا التباين والإختلاف الى أن سجل النظام السوري القمعي يواصل السيطرة على بعض العقول ، الى الحد الذي يحرمها من رؤية ما سوى هذا السجل ، أي أن الشجرة تحجب عنها رؤية الغابة من ورائها ؛ فلا ترى الأخطار الكارثية التي تحملها قوى التدخل الخارجي في الأزمة السورية، وهي قوى لا تحتاج هويتها ولا أهدافها الى تعريف .
بمعنى آخر، فهذا القطاع من المثقفين ، ومنهم يساريون وشيوعيون ، يتخلى في تفكيره عن المنهج النسبي ويتشبث بالمطلق ، رغم الوقائع الصارخة والحديثة التي تنقض هذا المنهج وتعرض نتائجه الكارثية . في العراق ، كان نضال الشعب العراقي للتخلص من دكتاتورية صدام عادلا ومشروعا . لكن هل جلب الغزو الأميركي للشعب العراقي ، بحجة تخليصه من دكتاتورية صدام ، أوضاعا أفضل؟! كان العراق من أغنى دول المنطقة ، والآن ، بفضل الغزو الأميركي ، يفتقر شعبه لماء الشرب النقي وللكهرباء ، ناهيك عن الخسائر المادية والبشرية الفادحة التي سببها ، والشروخ الخطيرة التي أرساها الغزاة لضرب وحدة الشعب العراقي قبل رحيلهم. والسؤال: هل هذه النتائج الكارثية للغزو الخارجي تبرهن أنه جرى لمجرد تخليص الشعب العراقي من دكتاتورية صدام ، ليس الاّ ، وأن عراق ما بعد هذا الغزو غدى أفضل مما قبله ؟! والشيء ذاته يمكن أن يقال عن ليبيا . وقطعا، لا يعني هذا ولا بحال، الإستكانة لتلك الدكتاتوريات ، ولكن مهما تطلّبت عملية تعبئة القوى الوطنية المطلوبة للتغيير، من جهد ووقت وتضحيات إضافية ، فلا مجال ، على الإطلاق، لمقارنة النتائج والمعطيات بالتدخل الخارجي .
وإذا كان التجريد مطلوبا في المختبر لتحديد جوهر المادة موضع البحث وتحديد هويتها ؛ لكن التجريد في تناول الأحداث الإجتماعية وتحديد الموقف منها ، بانتزاعها من محيطها ، تأثيرها وتأثرها الجدلي بهذا المحيط يقود ، بالضرورة والحتمية الى نتائج مغلوطة ، بل وكارثية أحيانا. إن مثقفا عملاقا في مستوى بليخانوف ، المنظر الماركسي الروسي المعروف ، وجد نفسه يقف معارضا لثورة أكتوبر ، لتناوله التجريدي لقضية الديموقراطية . لقد اعترض ورفض حل البلاشفة للجمعية التأسيسية، في 6/1/1918 ؛ هذه الجمعية التي تشكلت عقب ثورة شباط 1917 في روسيا، وكانت الأكثرية فيها للمناشفة الذين رفضوا تطوير ثورة شباط البرجوازية – الديموقراطية الى ثورة اشتراكية ، وفيما بعد ، وقفوا ضد استلام البلاشفة للسلطة . وكان استمرار هذه الجمعية التأسيسية يعني إجهاض الثورة وإسقاط شرعيتها . وهكذا وجد بليخانوف نفسه في صفوف معارضي الثورة ( دون أن يشارك في مقاومتها)، وهكذا أيضا يجد بعض المثقفين العرب ، اليوم ، أنفسهم ، سواء عن وعي أو بدونه، في معسكر واحد مع الغرب الإمبريالي وحكام الخليج وعصابات القتلة السلفيين كالقاعدة والنصرة وغيرهما.
إن هبة الشعب السوري السلمية ضد النظام القمعي مبررة ومشروعة ، وحتى المناداة بإسقاط النظام ، حين رد على مطالب الإصلاح والتغيير السلمية بالعنف ؛ لكن حين بدأ التدخل الخارجي ، ومن قوى لا تحتاج هويتها وأهدافها الى تعريف ، فقد تغير الأمر تماما ، وأصبح دحر التدخل الخارجي ، أولا وقبل كل شيء ، يتقدم على أية قضية أخرى . كذلك كان الحال في ليبيا ، فمنذ بدأت قوات الناتو في التدخل العسكري ، ولو تحت غطاء تأمين منطقة حظر جوي في البدء ، فقد تغيّر مجرى المعركة ، وأصبح نظام القذافي ، رغم سوئه، يمثل حالة من الدفاع عن الوطن ضد عدوان الناتو.
لقد اضطر النظام السوري الى تشريع عدد من القوانين التي تفتح الطريق لعملية التغيير والإصلاح ، التي ينبغي أن تستهدف تغيير النظام في سورية شكلا وموضوعا، لكن المجال لتحقيق ذلك سيكون بعد دحر وتصفية التدخل الخارجي ؛ وآنذاك، إذا تراجع النظام عن السير في هذا النهج ، وحاول إعادة انتاج نفسه ، فإن الشعب السوري الذي دفع ، حتى الآن ، أغلى التضحيات في سبيل طموحه المشروع للإصلاح الجذري والتغيير ، واكتسب في نار المعركة تجارب بالغة الغنى، قادر على فرض إرادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيبا على فؤاد النمري
سهيل ابونوفل ( 2013 / 6 / 21 - 21:42 )
اول سطر تكتبه تقوم لم تلتزم الصدق في الاقتباس فما كتبته لم اقراه في المقالة؟ عجب والله عجب! ومن تعليقك لم استوعب ماهية التناقضات والقوى الفاعلة فهل لك ان تتحفنا بالتناقضات وما هو رئيسي وما هو ثانوي واصطفاف القوى الفاعلى كي ندرك عن اي خندق تدافع. من المقالة افتهمت بان التناقض الرئيسي الان بين المشروع القومي بكل علاته من جهة وبين المشروع الامريكي الصهيوني للشرق الاوسط اما التناقض مع النظام فهو ثانوي لكن بالرغم من ذلك فالمعركة من اجل الاصلاح مستمرة وحتما ستتصاعد بعد الانتهاء من التناقض الرئيسي وهذا واضح في آخر فقرة. اما مصطلح -المشايعين لحزب الله- فتفوح منه رائحة الطائفية الكريهة. من قرائتي لتعليقك لم الحظ تحليلا وانما شطحا وردحا. في الختام دعني اسألك لماذا كل من -دعم الثورة السورية- بالمال والعتاد والرجال لماذا لم يدعم المقاومة الفلسطينية للتصدي لعدوان الرصاص المسكوب ولمماذا وقفوا مع الثورة الفلسطينية فقط بصوت المستحي في عام 1982 ام ان المقاومة الفلسطينية شيعية او علوية؟ انهم ضد الثورة، انهم الثورة المضادة

اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ