الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستوطنات هي -شظيّة في المؤخّرة الإسرائيليّة-

يعقوب بن افرات

2013 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


عندما قارن الوزير نفتالي بنيط الموضوع الفلسطينيّ ب"شظية في مؤخّرة جنديّ من چولاني"، فإنّه دون أدنى شكّ عبّر بذلك عن رأي الكثيرين في الجمهور الإسرائيليّ. وبإمكان من لاحظ تهميش قضيّة المفاوضات في الانتخابات الأخيرة، وعناق الحراك الاحتجاجيّ للمستوطنين، أن يدرك أنّ بنيط ليس الوحيد الذي يعتقد أنّه من المفضّل عدم استئصال "الشظيّة" كي لا يصاب المريض بالشلل، بل إبقاؤها الذي سيؤدّي لألم ولكن خفيف ومحتمل بين الفينة والأخرى. يشارك بنيط في هذا الموقف الكثيرون، من الكنيست وخارجه.
يجب ألاّ ننسى أنّ بنيط تحالف مع وزير المالية يئير لپيد وفرض الاثنان على نتنياهو تشكيل ائتلاف بدون اليهود المتزمتين (الحريديم)، وحظي المستوطنون بوزارات هامّة منها العمل والإسكان، وأصبحوا المحور الأساسيّ في الحكومة. في مقابلة "للنيويورك تايمز" (19.5) عبّر لپيد عن معارضته لتجميد البناء في المستوطنات، بادّعاء أنّه "ليس مؤكّدًا أنّ عبّاس هو شريك للسلام". الاعتقاد بأنّ الصراع غير قابل للحلّ يحظى بإجماع يشمل الحكومة وحتّى حزب العمل في المعارضة، الأمر الذي يفسر كيف تحولت القضيّة الفلسطينيّة في نظر الرأي العام الإسرائيلي إلى "شظيّة في مؤخّرة إسرائيل".
منذ زار أوباما إسرائيل ووزير خارجيّته جون كيري يسعى الى دفع المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيّين، غير ان زياراته المتكررة وإلحاحه للشروع بمفاوضات جدّيّة، لم تلق حتّى الآن أذنا صاغية لدى الحكومة الإسرائيليّة. ليس من المستغرب والحال كهذه أن يخرج بنيط بإعلانه أنّ القضيّة الفلسطينيّة ليست على الأجندة العامّة، وهو يحظى بتأييد لپيد، بينما تصرّح الوزيرة تسيپي لڤ-;---;--ني بأنها لن تكون ورقة التوت للحكومة اليمينيّة المتطرّفة، ولكنها في الواقع تثبت أنّها ليست سوى غطاء لهذه السياسة الرافضة للسلام. لڤ-;---;--ني وعمرام متسناع وعمير پيرتس من حزبها وعوفر شيلح من حزب لبيد، جميعهم تغطية لهذه الحكومة اليمينيّة التي تتمحور أجندتها المركزيّة غير المعلنة على توسيع المستوطنات. بالنسبة لحكومة نتانياهو، بما أنّ الصراع غير قابل للحلّ فبالإمكان البناء في كلّ مكان حتى تصبح الدولة الفلسطينيّة ضرب من المُحال.
انتصار المستوطنين
بينما يصرح المستوطنون بمبادراتهم من موقع قوة، تتلعثم المعارضة ولا تطرح أيّة خطّة سياسيّة لحلّ الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ. ان تحوّل الكتل الاستيطانيّة بما فيها أريئل إلى إجماع لدى الجمهور الإسرائيليّ، شجّع المستوطنين الذين راحوا بدعم من نتنياهو و"الليكود بيتنا" يشنون حملة مسعورة لتوسيع المستوطنات في المنطقة "ج"(C)، على أمل ان يجري ضمها لإسرائيل مع الكتل الكبرى، وبالتالي لا تبقى للفلسطينيين مناطق تقام عليها "الدولة" سوى تلك الواقعة حاليا تحت حكم السلطة الفلسطينيّة. في حين تخلى اليسار الإسرائيليّ عن مواجهة القضية السياسية، لا يكف المستوطنون عن ممارساتهم التوسعية، إدراكا منهم أنّ من يقبل من الساسة الاسرائيليين بضم الكتل الاستيطانيّة سيقبل في نهاية الأمر أيضا بضمّ المستوطنات المتفرّقة.
لا شكّ أنّ هذه "الشظيّة" مؤلمة أكثر مما يعتقد بنيط. فقد اضطرّ الوزير أخيرا للإعلان عن استنكاره لعمليّة الشباب المستوطنين في قرية أبو غوش حيث كتبوا على جدرانها شعارات عنصرية مثل "اطردوا العرب"؛ وهو تكرار لما حدث قبلها بأيام في مقبرة بمدينة يافا؛ ومن يدري أين ستحدث مثل هذه الأعمال مستقبلا. الأمر المثير للاهتمام في هذا الموضوع أنّ جهاز المخابرات (الشاباك) الذي يملك قدرات خارقة، يفشل في القبض ولو على مشتبه واحد لسبب بسيط وهو ان جميع المستوطنين يكرهون العرب ويأملون في "اختفائهم"، عصابات "بطاقة الثمن" هي اسم عامّ لكلّ من يرغب في ممارسة عنصريّته دون أن يكون عضوًا في منظّمة إرهابيّة. وجاء رئيس الحكومة نتانياهو شخصيا ليبرر معارضته الإعلان عن عصابات "بطاقة الثمن" بأنها منظّمة إرهابيّة، بالادعاء انه "لم يقتل أفراد هذه العصابات أحدًا حتّى الآن".
كابوس الضمّ
اليسار الاسرائيلي الذي أيد انسحاب شارون الأحاديّ الجانب من غزة، يواجه اليوم النتيجة المأساوية لموقفه البائس وقصير النظر، فخروج شارون من غزّة بلا اتفاق جاء ليضمن السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. فبعد ان سيطرت حركة حماس على غزّة، لم تعد السلطة الفلسطينيّة تمثّل جميع الفلسطينيّين، الأمر الذي تستخدمه الحكومة الاسرائيلية للادعاء بعدم وجود شريك فلسطينيّ للسلام ولتبرير تقاعسها عن إنهاء الصراع. والواقع المرير انه في ظل الجمود السياسي، تتجه غزّة إلى ان تصبح هي "الدولة الفلسطينيّة"، خاصة اذا فتح الإخوان المسلمون في مصر معبر رفح لإخوانهم في حكومة حماس، وعندها تكون اسرائيل قد حققت حلمها بان تقوم الدولة الفلسطينية في غزة، بينما تقوم هي بضمّ الضفّة الغربيّة لمنطقة نفوذها، ويتم لها أخيرا تصفية القضية الفلسطينية.
غير ان "حلّ" الضمّ الذي يتوهّمه المستوطنون سرعان ما سيتحول الى كابوس لإسرائيل نفسها. فرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة، وفرض القانون الإسرائيليّ على مليونَي فلسطينيّ آخر لن يشكّل في الوقت الراهن تهديدًا للأغلبيّة اليهوديّة، لكنّه سيؤدّي إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيليّ وسيحطّ من مستوى معيشة الإسرائيليّين. تكفي اليوم منحة خارجية بقيمة أربعة مليارات دولار لإحياء السلطة الفلسطينيّة، في وقت يتم فيها إعفاء إسرائيل من استثمار قرش واحد فيها. ولكنّ تفكيك السلطة الفلسطينيّة الذي سيكون تحصيل حاصل في حالة ضم المستوطنات، سيضطرّ إسرائيل لاستثمار أموال هائلة في تطوير البنى التحتيّة وشبكات التعليم والصحّة في المناطق الفلسطينية، وتوفير أماكن عمل لمليونَي نسمة. إذا كانت إسرائيل غير مستعدّة للاستثمار في تحسين وضع المواطنين العرب الفلسطينيّين الذين يعيشون في إسرائيل، فإنّها بالتأكيد لن تستثمر أموالاً في الفلسطينيّين من الضفّة الغربيّة الذين سيتمّ ضمّهم، ولهذا السبب سينشأ حكم فصل عنصريّ (ابارتهايد) رسمي في الأراضي الفلسطينيّة.
"الشظيّة" التي يتحدّث عنها نفتالي بنيط ستتحوّل مع الوقت إلى دُمّل سينتشر في نهاية الأمر من "المؤخّرة" إلى جميع أجزاء الجسم. ولا سبب يجعلنا نشك في أن إسرائيل ستتمكن من إفشال مساعي جون كيري، كما فعلت حتى الآن. ولكن كما صرّح أوباما في خطابه في مباني الأمّة بالقدس بما معناه - ان "الشظيّة" هي شظيّتكم وَ "المؤخّرة" مؤخّرتكم، وأنّكم لا تصنعون معروفًا لأمريكا في حالة حلّ الصراع، وإنّما لأنفسكم. إذا كنتم تعتقدون أنّ العالم سيواصل تمويل وهمكم واستثمار أموال بلا طائل في السلطة الفلسطينيّة فأنتم مخطئون، لكلّ شيء حدّ.
إسرائيل ضد التاريخ
السلطة الفلسطينيّة تفقد يوما بعد اليوم مبرّر وجودها، وتعجل في نهايتها تصريحات بنيط ومناورات نتنياهو. الثورات والغضب يعمّان العالم العربيّ، والأنظمة التي أيّدت السلطة الفلسطينيّة رحلت منذ زمن، اما العالم فيرى ما يحدث من تغييرات في المنطقة ويسعى للتناغم معها، والرأي العامّ من طهران وحتّى اسطنبول، ومن القاهرة حتّى دمشق، ليس على استعداد للتسليم بالاستبداد والاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان.
هناك من يسعى في الرأي العام الاسرائيلي لتغطية الشمس بغربال، والتقليل من خطورة الوضع واهمية التطورات المحيطة، بالادّعاء العنصري أنّ ما يحدث في المنطقة هو مجرد مواجهة بين قبائل شيعيّة وسنّيّة، علويّة وقبطيّة، هؤلاء لا يريدون ان يروا الحقيقة وهي ان مئات ملايين المواطنين العرب قرروا تقرير مصيرهم بأنفسهم، ويطالبون بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أسوة بالشعوب المتقدمة. الحروب الأهليّة هي في بعض الأحيان طريقة لتأسيس أمم ديمقراطيّة، كما حدث في الولايات المتّحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، وهي ليست حكر على العرب.
العالم بأسره سيحاسب إسرائيل على الاحتلال، وما يحدث في الأراضي الفلسطينيّة هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، انه نظام فصل عنصريّ واضح يميّز بين المستوطنين والسكّان الفلسطينيّين أصحاب الأرض الشرعيّين. إنّه نظام يبقي المجتمع الفلسطينيّ متخلّفًا، ولا يحترم حقّه في تقرير المصير، ولا حقوقه الأساسيّة الأخرى كحرّيّة التنقّل والتملّك والعمل والتعليم والصحّة والسكن. ضمّ الأراضي الفلسطينيّة إلى إسرائيل لن يقبله لا الفلسطينيّون ولا العرب ولا الشعوب الحرّة ولا المجتمع الدولي. نتنياهو يعلم ذلك جيدا، لكنّ اعتباراته السياسيّة الضيّقة تتيح لهذا الدمّل مواصلة التفشي في الجسد المريض.
ليس الفلسطينيّون هم الشوكة في "المؤخّرة" الإسرائيليّة، وإنّما المستوطنات. المستوطنات هي العائق الذي يقف في وجه أيّة تسوية مع الشعب الفلسطيني والعالم العربيّ، وهي الشاهد على الطابع العنصريّ الإسرائيليّ، وهي القاعدة التي أوجدت المجموعات الفاشيّة التي تعمل على إثارة الحرب بين اليهود والعرب، وهي التي تشجّع كراهيّة الآخر أيًّا كان، وهي التي تكشف زيف الادّعاء بديمقراطية إسرائيل، وهي التي تبقي المجتمع الإسرائيليّ بأكمله في حالة حرب دائمة مع العرب. المستوطنات هي عمل غير أخلاقيّ ولا قانوني، ولا يتماشى مع المسيرة التاريخيّة، ويقوّض الأساس الذي يستند عليه وجود إسرائيل كدولة يهودية، لأنّ المستوطنين يسعون إلى إقامة دولة يهوديّة على انقاض الشعب الفلسطينيّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع