الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية بسورية والتفسيرات المعلبة المُستَسهَلة

علاء الدين الخطيب

2013 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ما يواجه الناس بحياتها اليومية من مشاكل مادية وعائلية ومهنية يملء تفكيرها ولا يترك حيزا كافيا للبحث في المشاكل العامة وبالتالي تميل دوما للتفسيرات الجاهزة السهلة والتي تمنحها استقرارا نفسيا بإبعاد اللوم عنها ورميه على الآخر مهما كان هذا الآخر، مختلف عرقيا أو دينيا أو طائفيا أو عائليا أو ماديا أو حتى جنسيا.
لو نظرنا للحالة السورية ضمن هذا السياق، نرى أنه خلال أربعين سنة من الحكم الديكتاتوري لسورية أن غالبية الناس المنهكة بسبب الركض خلف لقمة العيش تتقبل تفسير الحالة وفق المطروح في السوق وبما يلتقي مع بعض المشاكل الشخصية. لذلك نجد أن تفسيرات الأزمة في سورية حتى قبل الثورة متنوعة لكن تميل للحل الكلي البسيط والذي يزيح المسؤولية عن كاهل الشخص أو المجموعة ويعلقها بالآخر. تفسير يقول إن حزب البعث الفاسد هو أصل المشكلة، والثاني يقول أنها بسبب شرور حافظ الأسد وابنه، والثالث يقبل بأنها نتيجة حكم العلويين، والرابع يقتنع بتفسير رجل الدين بأنها بسبب المعاصي وشعر النساء المكشوف... والعاشر قرأ أكثر وضم نفسه لجمعية الثقافة فيقبل أن الحالة سببها التخلف والجهل، والعشرين بما أنه مرتبط بالسلطة يقول أن الشعب هو الفاسد والغبي ولا ينفع معه سوى الجلد، والرقم ألف يقول إنها مؤامرة صهيونية استعمارية غايتها تحطيم الوطن بتحطيم القائد... تفاسير كثيرة لو فكر فيها الإنسان لوجدها نقلا عن منقول وسعي للفكرة السهلة التي تريح العقل من العمل والتفكير وبنفس الوقت ترمي اللوم على الآخر. تماما مثل سعي الماء للسقوط في أي بحيرة ساكنة يستطيع الاستقرار فيه دون حركة.
هذه الظاهرة ليست حكرا على سورية أو العرب بل هي موجودة في أكثر الدول تطورا علميا وديمقراطية وإن كانت بشكل أقل. وهذا ما نراه في أوروبة الغربية الآن من خلال الصعود السريع للأحزاب اليمينية المتطرفة لأنها قدمت تفسيرات سهلة وساذجة لتفسير التراجع النسبي بالمستوى الإقتصادي للأوروبيين فعلقت كل المشكلة على المهاجرين واستبدال الأكلة الشعبية "الهوت دوغ" بالأكلة الشرقية "الفلافل أو الشاورما أو الكسكس" (الآن دخل منافس جديد هو الأكل السريع الآسيوي "النوديل"). لقد حصدت هذه الأحزاب بأوروبة خلال السنين الماضية بألمانية وفرنسة والنمسا وهولندا وإيطاليا أكثر من 20% من الأصوات وهي نسبة عالية في قارة دفعت 60 مليون ضحية في الحرب العالمية الثانية بسبب الأحزاب اليمينية المتطرفة. إنه نفس المنهج "الخطأ موجود فيهم هم" ومهمة السياسي البحث عن ال"هم" المناسبة لطمعه السياسي. وهذا حل أكثر يسرا من شرح الأسباب الإقتصادية والسياسية المعقدة خلف بنية السوق العالمي والسوق الوطني. هذه النمطية في استسهال التفسير سادت التاريخ البشري والمجتمعات البشرية كلها وكانت أهم مصادر تسلط الحكام على الشعوب. لذلك نجد أن أكثر المؤمنين بدينهم جهلا يعرف معلومة واحدة "الله خير والشيطان شر" ولا يستطيع الإبحار بالمساحة الهائلة بين الشاطئين.
بالحالة العادية أو المستقرة نفهم هذه السلوك، ننقده ونتعامل معه بهدوء وبرودة أعصاب. لكن الكارثة الحقيقية تبدأ عندما تحل كارثة ما على البلد، ويصرّ الناس على اتباع نفس المنهج بالتحليل والتفكير وتفسير الأزمة بأسباب ساذحة مما ألفوه. والأسوء أن يتصدى لهذا التفسير نشرا وترسيخا من يوصفون أنهم طليعة فكرية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية. مثلما يحصل بسورية الآن. والأخطر لو توافقت مصلحة السلطة والمال مع هذه التفسيرات الخاطئة والكارثية. وبدأ المؤمنون بهذه التفسيرات بنشرها اعلاميا وبين الناس. هنا يتضاعف حجم الأزمة والكارثة. وفي هذا المجال نقول أن بعض هذه النخبة مارست نوعا من الخيانة لواجبها الأهم ألا وهو الإبحار بين شاطئي الخير والشر، الله والشيطان، حيث يعيش الإنسان وإرشاد عموم الناس للطريق الصحيح.
التفسير الطائفي للأزمة السورية. تفسير ساذج وسهل وكارثي ايضا. وقد توافق هذا التفسير مع مصالح النظام الحاكم لأن مبدأ "فرق تسد" هو أنجح وسائل حكم الجموع البشرية. بل وتوافق هذا التفسير مع مصالح حكام أمريكا والسعودية وقطر وتركيا وإيران وروسيا لأنهم لا يريدون سورية ديمقراطية موحدة بما تمثله من تهديد على المنطقة كلها من تتويج للربيع العربي. فالصراع العالمي على سورية وفوق أرضها من أشرس الصراعات العالمية خلال الخمسين سنة الماضية وقد وجد هذا الصراع أن الأرض السورية مناسبة بسبب وجود ديكتاتورية متطرفة في قوتها العسكرية الأمنية وبسبب الرغبة المتطرفة أيضا لدى الشعب السوري في الوصول للحرية والكرامة والديمقراطية، وفوق ذلك فالشعب السوري يعد من أغنى شعوب العالم بالتنوع الديني والعرقي بالمقارنة النسبية حسب المساحة وعدد السكان والوضع الإقتصادي.
النظام الحاكم السوري وكل ماله وسلاحه وحلفائه وكل حكام العالم لن يستطيعوا هزيمة الشعب السوري الذي أراد الحرية والديمقراطية. لكن ما قد يهزم الشعب السوري هو الشعب نفسه لو استمر المؤمنون بالتفسير الطائفي وبينهم كثيرون ممن يسمون النخبة في ترسيخ التفسير الطائفي. وهذا ما فهمه النظام السوري من أول شهر فعمد للارتكاز على الدعاية والممارسة الطائفية، وما فهمه المعسكر المقابل الذي يريد بإصرار اختراق الثورة السورية للتحكم بشكل سورية الجديد فاستند بعمله على العامل الطائفي.
من المهم أيضا أن نتذكر أن استغلال الطائفية في منطقتنا ليس جديدا بل مستمر منذ قرون طويلة. وبالذات في العقدين الماضيين حيث يمكن لأي مراقب ملاحظة صعود الخطاب الطائفي عبر وسائل الإعلام وخاصة الخطاب أو بالأصح العراك بين شيوخ السنة والشيعة المتماشي مع الصراع السياسي. هذا التركيز الإعلامي كان منفلتا من أي ضوابط قانونية أو أخلاقية أو حتى إسلامية ولم يتردد كلا الطرفين في الوصول لحافة الدعوة للقتال والتقتيل. وانتقال هذا الخطاب بهذه القوة لسورية الآن هو مجرد تكثيف للمادة الجاهزة في ساحة الصراع في سورية. ومما سهّل مهمة الشحن الطّائفي أن الصدفة التاريخية أوجدت ديكتاتورا من الطائفة العلوية في سورية وليس من الطائفة السنية مثل باقي الدول العربية.
طبعا نحن لا ننفي وجود الطائفية في سورية والتمييز الطائفي. ولا ننفي استغلال النظام الحاكم للطائفية. لكن تحويلها لمسبب ومسيطر وحل هو الكارثة. لا نقول لا تعترفوا بالواقع. نقول افهموا الواقع وتناولوه بدقة وبعمق فكري وتحليلي وليس مجرد "فشات خلق". المشكلة الطائفية في سورية ليست سببا لما نحن فيه بل نتيجة لما أصاب بلدنا من مشاكل واستغلال وصراع دولي هائل حول سورية. والطائفية ليست حلا، بمعنى أن سلطة يمسكها السنة لا تضمن وضعا أفضل لسبب واضح وبسيط فالديكتاتوريون العشرون الآخرون هم من الطائفة السنية ولم يقدموا الأفضل لشعوبهم. الحل هو أولا في إدراك الأسباب التاريخية والجيوسياسية للأزمة السورية وحقيقة الصراع الدولي على وفوق سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد إقراره بالذنب.. القضاء الأمريكي يطلق سراح جوليان أسانج و


.. طفلان فلسطينيان يخرجان من بين نيران مدرسة قصفت من قبل الاحتل




.. غانتس: حماس فكرة لا يمكن تدميرها ولكن بإمكاننا القضاء على قد


.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل




.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف