الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية عراقيَين وسعوديَين تكشف عن طبيعة تفكيرهم : ( اقلب المرآة )

ماجد عبد الحميد الكعبي

2013 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعيدا عن النظريات المعرفية والعلمية , وتحييدا لآراء النقاد الغربيين والمتنورين العرب , سأضرب مثلا من حكاية واقعية - جرت أحداثها قبل سنتين - على طبيعة التفكير لدى شريحة مهمة من العرب. وهذه الحكاية تخلو من معظم عناصر القص الحكائي او الروائي المعروفة. و بوضوح شديد هي اقرب ما تكون الى ما يسمى بـ (تلفزيون الواقع ) . الهدف منها هو فهم طبيعة تفكير بعض العرب وبطريقة ليست معقدة .
المكان في بريطانيا (احدى الجامعات ) وبالضبط في احد مراكز اللغات ، الشخصيات الرئيسة : مجموعة من الطلبة العرب ، وبالتحديد أربعة طلاب : سعوديان وعراقيان ، اما الشخصيتان الهامشيتان !! فهما : مدرسان بريطانيان ، رجل وامرأة .
اعتاد الطلبة على ان يدفع المدرسون اليهم مقالات علمية أو ادبية عن الدروس أثناء المحاضرات او بعدها , غالبا ما تكون هذه المقالات هي المادة الرئيسة للشرح داخل القاعة الدراسية . وتتضمن هذه المقالات - فضلا عن مادتها اللغوية – كثيرا من المعالجات لبعض المشاكل الثقافية والاقتصادية والطبيعية . وبكلمة اخرى , تنتقى هذه المقالات بعناية و يبدو انها لا تخلو من دلالات ايديولوجية في بعض الأحيان . فمثلا هناك : موضوع عن مشكلة المشردين في بريطانيا , وآخر عن مشكلة الهجرة في بريطانيا . وكان الموضوع الذي ستتشكل حوله الحكاية موضوعا علميا ، يبحث عن علاقة الجينات بالعبقرية ، وبالتمام كان عنوانــه متمـــحورا حول الســـؤال الآتي :
( Is there a gene for genius? )
ولكن هذه المرة لم يكن عنوانا لمحاضرة بل كان موضوعا لمادة امتحانيه سيكون محورها ذلك السؤال والذي سيجرى بعد ثلاثة ايام . وقبل ان تعطى المقالات الى الطلبة كانت هناك محاضرة في درس القراءة (( Reading عن الموضوع الذي ستتركز عليه مادة الامتحان الكتابية ( Writing ) ، ليتم فيها مساعدة الطلبة في فهم بعض المصطلحات والمفردات الصعبة ، وكانت المقالات مطبوعة تحت عنوانات قصيرة يذكر فيها عنوان المقال واسم الكاتب هكذا :
Article 1: " Nature verses Nurture", Jackson, J (2010)
وكان عنوان المقال الثاني :
Article 2: "The Nature theory – Heredity", Edward, G (2008)
وكانت الطريقة نفسها مع بقية المقالات الخمس . وقد تمت مناقشة الموضوع ذاته في قاعة درس القراءة ، وحينها لم يكتشف الطلبة شيئا في العنوانات . وبعد انتهاء المحاضرة غادر الطلبة الى منازلهم متأملين مراجعة المقالات مرة اخرى كل حسب طريقته في القراءة . وفي اليوم الثاني ، جاء احد السعوديين ليسال زميله العراقي الذي كان يتميز عليه بمعرفة اللغة الانكليزية ( ليس معرفة كافية ولكن مستوى الطالبين العراقيين - وبشهادة السعوديين نفسيهما ان العراقيين - أفضل منهما في المفردات والنحو والقراءة اي في المهارات اللغوية ):
- السعودي 1 : فلان أتعرف كاتب المقالة الاولى من يكون ؟
- العراقي 1 : لا
- السعودي 1 : انظر الى الاسم , أ لا يذكرك بشي ؟
- العراقي 1 : ها .. ماذا تقصد ؟ تعني : Jackson
- السعودي 1 : نعم ، انظر الى مختصر اسمه الاول : .J
هو اسم مدرسنا في مشروع البحث ، انه كاتب المقال ، وبعد قليل سأخبرك بمفاجأة اخرى عندما ندخل محاضرة الكتابة .
واخذ العراقي1 برهة للتفكير مع نفسه متسائلا ، معقولة ؟.. ان يكون هذا المدرس البريطاني الذي يدرسنا بطريقة طبيعية لا تدل على انه عالم باللغة - فضلا عن ان يكون عالما بيولوجيا قد كتب هذا المقال ؟! ويرد على نفسه : والله يمكن .. هؤلاء البريطانيون لا يمكن تخمينهم , وبعد ذلك حاول ان يجد مبررا ليقنع نفسه بهذه الحقيقة !! التي لم يستوعبها بعد ، فقال موجها كلامه الى زميله السعودي 1 :
- فلان يمكن ان تكون هذه مقابلة اجريت معه واستشهد Jackson بأقوال العلماء في هذا الموضوع وجاءت تلك الاراء في المقال ملتبسة على انها له .
- السعودي 1 : لا , سترى المفاجأة الاخرى .
وفي هذه الاثناء جاء الطالبان الاخران : سعودي2 وعراقي2 . فبادر السعودي 1 بسؤال العراقي 2 طالبا من العراقي 1 التأني وعدم إخباره.
- فلان اتعرف من هو كاتب المقالة الاولى التي شرحتها المدرسة يوم امس والتي منها هذه النسخة ؟ فاجاب العراقي 2 بعفوية:
- من يكون ؟ طبعا عالم من علماء البايولوجيا . وعندها ضحك السعوديان وابتسم العراقي 1 , ثم أوضح السعودي 1 الى العراقي2 ان كاتب المقالة الاولى هو نفسه مدرس مشروع البحث ( John Jackson ) , مضيفا :
- لا , وأزيدك من الشعر بيت , ان كاتب المقالة الثانية هو : مدرسة مادة الكتابة ( Gane Edward ).
- العراقي 2 : معقولة ؟
- السعودي 1: سأثبت لك ذلك في الدرس وسأكلف زميلنا السعودي 2 يسالها لتتأكد من ذلك .
ولما حان موعد المحاضرة ذهب السعودي 2 ليسال مدرسة مادة الكتابة عن اسمها الذي وجد في عنوان المقال هل هو حقيقة لها ام لا ، فهمس معها قليلا ثم جاء بعدها ضاحكا ليجلس مع زملائه غامزا العراقيين بقوله :
- عالم مشهور، روح يا شيخ كنت اظنك فهيم ! ضاحكا مرة اخرى و كأنما يقول : هذه المرة انتصرت عليك وغلبتك , كيف تدعي المعرفة باللغة وتفوتك هذه الملاحظة السهلة والواضحة , وتجرعا العراقيان هذه التهكمات الطريفة ، متهامسين مع بعضهما :
- طيب وليكن ذلك صحيحا .
وعندما طلبت المدرسة مناقشة الموضوعات وقعت حصة المقالة التي كتبتها لصالح العراقيين ، فتوعدا هامسين مع بعضيهما بمجادلة ومناقشة ستفضي الى اظهار التناقض بين المعلومات في المقال بعدما قبلا على مضض فكرة ان هذه المدرسة هي التي كتبت المقالة . وبعد ان سمعت المدرسة ملخصا عن المقالة الاولى من الطالبين السعوديين توجهت بسؤالها الى العراقيين ، فقال العراقي 1الى زميله الآخر :
- تفضل انت ناقش .
وبدا نقاشه – بانكليزية مكسرة ولكن واضحة المعنى - مشككا ببعض الاراء والتناقض الذي وجد بين الافكار ، فقاطعته المدرسة قائلة :
- لقد وضحت الفكرة وليس لدينا وقت كاف .
وحقا لقد انتهى وقت المحاضرة سريعا . وبعد ان خرج الطلبة توعد العراقيان بضرورة فهم الموضوع جيدا والحصول على درجة جيدة بالامتحان لان الموضوع العام اصبح معروفا ( علاقة الجينات بالعبقرية ) ولما سمع السعودي 2 ذلك اقترح ان ينظم اليهما في العطلة ليدرسوا معا فهو يقر ويعترف بانهما افضل منه . وذهب الجميع على اساس ان يلتقوا غدا في بيت العراقي 2 , بعدما اتفقوا على قراءة الموضوع منفردين واذا ما اجتمع الثلاثة في اليوم القادم سيكون النقاش حول كيفية صياغة السؤال المتوقع وتعيين الاجابة المفترضة ..
وعلى عادة العراقيين الذين اذا ما هزموا لابد ان يجدوا مبررا للهزيمة ، ذهب العراقي1 الى مسكنه متأملا ان يعثر على شئ جديد او مقارب او مفيد في الانترنت عن الموضوع ذاته . وبعد ان اخذ قسطا من الراحة , احتسى قدحا من الشاي العراقي المهيل وشمر عن ساعديه ، فغوغل! السؤال الرئيس الذي ورد في المقالات ، وإذا به يتفاجا بوجود ثلاث مقالات في احد المواقع العلمية - نسخة طبق الاصل من العنوان الى اخر كلمة مع النسخة التي تحت يده - فدقق ومحص في اسماء الكتاب مقارنا بين الاسمين في النت والاسمين اللذين وجدا من قبل في المقالين ، وتوصل الى ان المدرسين اللذين وجِد اسماهما على المقالتين لم يكتبا المقالتين بل اقتبساهما من النت ووضعا اسميهما على عنواني المقالتين – وكما مثبتان : (2008 Jackson, J 2010- Edward, G) .
و بصرف النظر عن تحليل وتأويل الفعل الذي قام به المدرسان البريطانيان - لانه لم يتم التأكد منهما حول نواياهما ومقاصدهما من فعل ذلك باستثناء : ان المدرسة لم تنف انها لم تكتب المقال عندما سألها السعودي 2 وبعدما ناقشها العراقي2 في الافكار الواردة فيها - يمكن ان تكشف هذه الحكاية - على بساطتها – وجها من وجوه طبيعة التفكير لدى نخبة من الطلبة العرب والتي تتلخص بالاتي : هناك اشياء واضحة و يجب ان ينظر لها على وفق تلك الطبيعة السهلة والواضحة ، وهناك اشياء مبهمة تتطلب ان يكد ويجتهد عقلنا من اجل الحصول على اجابة لها. ويبدو ان الامر اشبه ما يكون بالمرآة ذات الوجهين : وجه يمكن ان يعطيك ملامح وجهك العامة ، و الاخر يمكن ان يضاعف حجم الأشياء فتستطيع من خلاله ان ترى التفاصيل الدقيقة . فإذا اردت ان ترى الاشياء السهلة والمقنعة انظر بالوجه الاول ، و اذا لم تجد ضالتك اقلب المرآة على وجهها الآخر ربما تكتشف اشياء قد خفيت عليك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم