الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الديموقراطية سيئة؟

أحمد غريب

2013 / 6 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بالطبع لو سلطنا الضوء على محمد مرسي كمنتَج من منتجات الديموقراطية لوجب أن يكون السؤال -على الأقل- هل الديموقراطية سيئة إلى هذا الحد؟
لكن المشهد في مصر لا يتصدره مرسي ليكون محوراً للتساؤل، وإنما جماعة الإخوان المسلمين؛ لعل مشكلة مرسي نفسه من ناحية الأداء الشخصي عدم استطاعته تصدر أي ركن أو زاوية من زوايا المشهد المصري إلا على سبيل السخرية من أسلوبه وتناقض قراراته وأفعاله وركاكة سياساته وتخبطها.
سبب التساؤل هو التحذير الذي تضمنه تصريح السفيرة الأمريكية آن باترسون، من أن المظاهرات لن تخدم استقرار الديموقراطية؛ لو قالت باترسون هذا الكلام قبل عام لوجدت من يسمعها بطريقة أخرى، لا من يرد عليها بسؤال عن جودة وسوء الديموقراطية نفسها.
الخوف كان الناخب الوحيد في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، خوف الكنبة من تطرف الإسلاميين، وخوف قطاعات من داعمي ومؤيدي الثورة، مثل جيكا رحمه الله، من دولة مبارك. الخوف لم يكن مؤثراً على كتلة الإسلاميين التي تحركها دوافعها الأيديولوجية وتوجيهات التنظيم ومساوماته؛ إذا طلب منهم المقاطعة يقاطعون أو التصويت يصوتون، لا توجد دوافع لدى هذا النوع من الناخبين كالتي نعرفها.
عادة بعد أن يصل مشهد الخوف في الأفلام إلى ذروته، تحلّ ابتسامة، لكن الوضع تحول إلى سخرية مرّة، وعبث، فبسبب الخوف من الشخصية المرعبة تم إعطاء كل السلطة في الدولة لأول شخص تم الترتيب ليكون أول من يمرّ بجوار الكاميرا، وكان اسمه محمد مرسي!
لكن بعيداً عن الجزء الهزلي من المشهد، والذي انقلب كابوساً أفظع: هل الديموقراطية سيئة؟
في الحقيقة أغلبية الشعب المصري الفاعلة تتمسك بالديموقراطية، ومبادرة "تمرّد" هي في قلب عملية التمسك بالديموقراطية وعدم التضحية بها، وعدم التنازل عن مكتسباتها، بل إعادتها لمصدرها بعد أن تم اختطافها.
هل النظام السياسي الذي أسسه مرسي بواسطة الإعلان الدستوري نظام ديموقراطي؟ لقد وضع الدستور تحت حراسة الكتلة السياسية الإسلامية وحدها، وأغلق الطرق الشرعية لمعارضته معارضة ديموقراطية، معارضة تشارك في صنع القرار وبلورته، من خلال برلمان حقيقي، لقد أطاح مرسي بجوهر الديموقراطية، وظن أنه استكمل تأسيس نظام سياسي يستند إلى رئيس منتخب ودستور مستفتى عليه وبرلمان بديل، لقد شنق مستقبله السياسي كرئيس مدني منتخب عندما انقلب على أصوات من جعلوه رئيساً، واستند إلى خطة التمكين التي تصورت الجماعة أنها تفي شكلياً بتلبية مطالب الثورة بالديموقراطية.
الثورة هي الديموقراطية الكاملة، أو بتعبير الكاتب شريف يونس هي "الفعل الديموقراطي الأكبر". الثورة هي منبع الديموقراطية، هي أقصى درجات المشاركة، وأكثرها طبيعية وتخلصاً من قيود المال على الناخبين، وقيود القوانين ومناورات السياسيين وأحابيل الدعاية.
الثورة المصرية هي الأب والأم الشرعيان للديموقراطية في مصر. قبلها كان المواطن بحاجة إلى الدخول إلى عرين أقسام الشرطة ليستخرج بطاقة انتخابية، ثم يعود مرة أخرى إلى نفس الوكر يوم الانتخاب، ويمر عبر تجمعات البلطجية ثم الشرطة ليدلي بصوته داخل نفس الأقسام التي تسعى بكل الطرق لإحباط صوته، وهو يعلم أن صوته لن يحتسب في الأغلب، هذا في في حال أنه لم يقم ببيعه بنفسه مقابل إغراء أو التخلص من خوف.
لم تنجح ألاعيب الإخوان من أجل تلفيق نظام سياسي تكون المعارضة فيه صورية كما كانوا هم أيام مبارك. ألاعيب الإخوان تصوّرت أنه يمكن التحايل على حقوق التصويت التي انتزعتها الثورة بالدم والتضحيات، بالاعتماد من ناحية على كتلة المؤيدين، وإقصاء المعارضين بالتخوين والتكفير، واستمالة بعض الشرائح الضعيفة بواسطة تقديم بعض السلع والمنتجات التموينية، لتسديد متطلبات ما بات يعرف بـ "الصندوقرطية".
لكن أداء مرسي هزم نفسه، وأداء رئيس وزراءه لم يستطع إبقاء مستويات الصبر لدى الشرائح الضعيفة عند درجة تضبط الانفجار.
مبادرة" تمرد" هي تصحيح للانحراف الذي ألحقته جماعة الإخوان بالديموقراطية، تصحيح للوضع الكاريكاتوري الذي أنتجه إصرار الجماعة على وصول أي شخص منها لكرسي الرئاسة، حتى ولو كان "استبن" بديلاً طرح اسمه كسد خانة دون أن يكون مؤهلاً. في الحقيقة لقد بينت الأيام سريعاً أنه لو كان المرشح الأصلي خيرت الشاطر هو من وصل إلى الحكم لما اختلف الأمر إلا قليلاً، فخواء السياسات منع الجماعة من الوفاء بالحد الأدنى من المهمة في لحظة تاريخية كالتي نعيشها.
وضعية الاستبن وأداؤه المهزوز عمّق القلق، وسرّع من كشف الزيف. وأطماع التمكين أعمت أبصار أصحابها عن إدراك أن الديموقراطية لم تكن منحة منهم، لكنها منحة من الشعب لهم؛ شرط صيانتها.
ألم يكن باستطاعة السفيرة الأمريكية أن تربط بين نضال الشعب المصري من أجل انتزاع حقوق جماهيره في المشاركة وبين حركة الجماهير الأمريكية التي كانت منبوذة من المشاركة الديموقراطية في الستينات؟ ألم تجد في أي كتاب للتاريخ ولو شبهاً واحداً بين مطالب الشعب المصري الحقوقية، والديموقراطية الكاملة جزء منها، وبين مطالب شعوب أخرى؟ لماذا لم تفهم، مثلها مثل الإخوان، أن الديموقراطية في مصر منحة من الشعب رضخت لها السلطة شكلياً لكنها لاتزال تتحايل عليها، وليست منحة من السلطة المحلية أو من دولة عظمى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم