الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثلاثون من يونيو!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



كم كان سهلاً أنْ "ينجح" الرئيس (المخلوع) مبارك في توحيد الشعب (ضدَّه)!
وكم كان سهلاً أنْ "ينجح" الرئيس (الإسلامي، ابن جماعة "الإخوان المسلمين"، وأوَّل رئيس مصري مدني مُنْتَخَب) مرسي في إثارة هذا الانقسام الواسع للشعب (تأييداً لحكمه، أو اعتراضاً عليه)!
وكم هو صعب أنْ تَجِدَ لها مصر رئيساً الآن ينجح في توحيد شعبها معه!
من وجهة نظر "التاريخ"، "الحلُّ" سهل؛ أمَّا من وجهة نظر "السياسة" فـ "الحل صعب"، ومن دونه خرط القتاد.
سَهْلٌ، تاريخياً؛ لأنَّ مصر لن تعود أبداً إلى ما كان عليه شعبها، في العهد القديم"، وفي عهد مبارك على وجه الخصوص، من "وحدة قسرية، ظاهرية، خادعة، مغشوشة"، أو إلى ما كان عليه من "وحدة ثورية؛ لكن مؤقَّتة، عرضية، عابرة، في مواجهة الدكتاتور، ومن أجل إطاحته وخلعه".
كان مبارك (شخصاً، وحُكماً، وعهداً) سجَّاناً حتى للتناقضات الطبيعية الموضوعية للمجتمع المصري، يَمْنَع بالقوَّة ظهور ما يَكْمن فيه من ميول ونزعات وأهواء واتجاهات متعارضة متناقضة، فالتبس الأمر على كثيرٍ من المصريين، وظنُّوا أنَّ عهد مبارك يَصْلُح تعريفاً لـ "أمن واستقرار المجتمع".
ومع سقوط هذا "السَّجَّان"، انكسر القيد، وتحرَّرت كل تناقضات المجتمع المصري، بحَسَنِها ورديئها، بخيْرِها وشَرِّها، وظهر إلى العلَن كل ما كَمَن فيه زمناً طويلاً من ميول ونزعات وأهواء واتجاهات متعارضة متناقضة، وعَرَفَت مصر، في عهد مرسي، كثيراً من الانقسام، الذي جُلُّه طبيعي؛ والتبس الأمر على كثيرٍ من المصريين، وظنُّوا أنَّ الفوضى (مع ما خالطها من تضاؤل الشعور بالأمن والأمان، وتعاظُم الشعور بالخطر المحدق بمصر وشعبها) كانت لعهد مرسي قريناً.
ومصر سياسياً الآن، أو في هذه السَّاعة السياسية ـ التاريخية، هي التي يتوفَّر فيها مرسي مع مؤيِّديه على تركيز مزيدٍ من السلطة (سلطة الدولة) في يده؛ وهي التي، في الوقت نفسه، تهيِّئ للمؤسَّسة العسكرية (الجيش) مزيداً من أسباب التعاظُم في قوَّته السياسية، وتسمح لـ "حملة تمرُّد"، التي مثَّلَت درجة أعلى من الوحدة بين "قوى المعارَضَة"، بجمع 15 مليون توقيع (على ما يَزْعُم منظِّموها) للمطالبة بتنحِّي مرسي (وهذا أمْرٌ ما كان ممكناً تَخَيُّل حدوثه في عهد مبارك، وينبغي لثورة الخامس والعشرين من يناير أنْ تَفْخَر به على أنَّه أحد إنجازاتها المهمَّة).
لكنَّ مصر هذه تخشاها مصر، ولا تريد لها البقاء؛ لأنَّ في بقائها ما يُنْذِر بشرٍّ مستطير، ويتهدَّد بقاء مصر، وقد يُوْقِعها في صراع وخيم العاقبة؛ فسقوط مرسي، إذا ما سقط، وفي هذه الطريقة، لن يأتي بالنَّصر لمصر، ولشعبها، ولثورته؛ ولسوف تَقَع مصر في فوضى عارمة حقيقية، وتَعْظُم المخاطر على أمنها واستقرارها، لا بَلْ على وجودها ذاته، فلا يبقى من "مُنْقِذٍ" لها إلاَّ الحُكْم العسكري البونابرتي، الذي قد يعجز عن مواجهة الفوضى والقلاقل والاضطرابات بأساليب وطرائق ووسائل تقي مصر وشعبها شرور "التجربة الجزائرية"؛ ففي دولة كمصر، تتميَّز مؤسَّستها العسكرية بما تتميَّز به، وتفتقر ثورتها (على عظمتها التاريخية) إلى قيادة ثورية منظَّمة جامِعَة، تستطيع ملء الفراغ، وإدارة شؤون البلاد، يؤدِّي (وقد أدَّى) خَلْع الدكتاتور، أو الحاكم الفرد، إلى حالٍ تنمو فيها وتقوى أسباب الفوضى العارمة الحقيقية؛ وثمَّة من له مصلحة في دَفْع البلاد في هذا الاتِّجاه؛ ونحن نَعْلَم، من تجارب تاريخية عديدة، أنَّ استشراء الفوضى لن يتمخَّض (في دولةٍ كمصر لجهة وَضْع المؤسَّسة العسكرية فيها) إلاَّ عن قيام حُكْم عسكري بونابرتي، بدعوى الرغبة في "الإنقاذ".
وما دُمْتُ أتحدَّث بما أراه يَعْكِس وجهة نظر "التاريخ" أقول إنَّ مصر تحتاج (ويشتد احتياجها) إلى "عهد ثالث"، يتخطَّى ويَرْفَع التناقض بين عهدي مبارك ومرسي، فتستعيد مصر وحدتها المفقودة، محتفِظَةً، في الوقت نفسه، بكل ما هو إيجابي، وقابل للحياة، في انقسامها الذي عرفته في عهد مرسي؛ فـ "الوحدة القسرية (الظاهرية، الخادعة، المغشوشة)" ولَّت وانقضت وأصبحت أثراً بعد عين، والانقسام الذي تعرفه الآن، والذي لا ناظِم، ولا كابِح، له، والمُنْذِر بعواقب وخيمة، يجب أنْ ينتهي؛ و"الحل" الذي تحتاج إليه مصر وثورتها الآن، وقبل فَوْت الأوان، إنَّما هو أنْ تَدْفَع "الضغوط الشعبية المتبادلة في الشارع" طرفيِّ النزاع إلى مغادرة "الشارع" و"الحُكْم" في آن، وأنْ يقيما حكومة انتقالية مؤقتة، تتمثَّل فيها قوى الثورة جميعاً، وبما يسمح بإفراغ "الشارع" من كلِّ حراكٍ؛ فمصر أكبر وأعقد من أنْ ينفرد بحكمها أحد الطَّرفين اللذين عليهما أنْ يتَّفِقاً أوَّلا، وقبل كل شيء، على أنْ لا مكان في مستقبل مصر لِمَن، ولِمَا، يمثِّل عهد مبارك، أو بقايا عهده.
مصر أكبر من الإسلاميين جميعاً، ومن مناوئيهم جميعاً؛ وحجمها إنَّما يَعْدِل حجم ثورتها، ثورة الخامس والعشرين من يناير.
إنَّ ملايين من المصريين يتَّحِدون في موالاة وتأييد عهد مرسي، بِمَنْ يمثِّل، وبما يُمثِّل؛ وإنَّ ملايين آخرين يُمثِّلون اتِّحاد "أقليات دينية واجتماعية ومهنية وثقافية.." يَقِفون ضدَّه، ويتطيَّرون من كل مَيْل أو سعيٍ أو فِعْلٍ لـ "أسلمة" الدولة وأوجه حياة المجتمع؛ ولا شكَّ في أنَّ قوى تُمثِّل البقايا الصَّلبة القوية من عهد مبارك، تتربَّص بالثورة الدوائر، فتتوفَّر على مدِّ هذا الصراع الطبيعي والحتمي بمزيدٍ من الوقت، وتسكب على نيرانه مزيداً من الزَّيْت.
قوى الثورة المصرية، التي حَكَم بعضها، وعارَض بعضها، بما جَعَل الثورة على شفا حُفْرة من فوضى حُبْلى بالحُكْم العسكري البونابرتي، مَدْعوَّة الآن إلى أنْ تتصرَّف بما يُعبِّر عن عدم اختلافها في ما لا يختلف فيه اثنان عاقلان، ألا وهو أنَّ اجتياز الهوَّة السحيقة لا يكون إلاَّ في قفزة كبرى واحدة لا غير؛ وهذه القفزة إنَّما هي كناية عن الاتِّفاق على أهمية وضرورة قيام حكومة إنقاذ (انتقالية مؤقَّتة) تضمها جميعاً، وتؤسِّس للدولة التي كمنت قيمها ومبادئها في ثورة الخامس والعشرين من يناير، وفي الدوافع إليها.
الثلاثون من يونيو، إمَّا أنْ يكون استمراراً وتجديداً للخامس والعشرين من يناير، وإمَّا أنْ يأتي بما يصيب من الثورة مقتلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تهم بالتورط بمؤامرات اغتيال في الولايات المتحدة ونشر الفوضى


.. تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.. ونصرلله يهدد




.. حرب الاحتلال تخلف شهداءً مجهولي الهوية في غزة


.. بضمادات وضعوها على آذانهم.. مندوبون من الحزب الجمهوري يدعموت




.. نتنياهو: الضغط العسكري على حماس يجبرها على إبداء مرونة في ال