الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زفرات معذبة

يوسف الأخضر

2013 / 6 / 23
الادب والفن


تلعتم الصوت و انجلى على وطئة الأقدام المفترسة، فتراءت كل الأصوات خلف جذران النسيان، وتهامس الكل بصمت قاتل حاملين زهد الحياة و منتشين بصبرها الخادع، هل للحزن اعتبار أعم و أشمل من تلك الدموع المنسابة على الخدود! أم أن لاعتباره مدعاةً لملامسة مرح الصبر و غبطته؟ حين يتفوق الإنسان على حزنه يرفرف فرحه فوق جبال الكبرياء الشامخة، ليعلن انتصاره على ما انتصر بدواخله أمساً، على أصوات الزاعمين ينجلى اعتلاءه، و بين أروقة نوافذهم يتسلل شيء من ضوءه فعساهم لو ينظرون بعين القاتل لا بعين القتيل. لو أن الصبر امتد لأبعد حدوده لما حسبناه صبرا، فلولا عتمة الليل لما كان لنور النهار نوره وتوهجه.

إن ما استعصى علينا فهمه، و ما قد لأغوار المحيطات أن تضمره، تستعر به نيران الأسرار حرارة نجم في قمة الشباب، لا استسلام و لا انتظار، حتى ما اعتقدنا به أمسا اعتقادا يكاد يلامس الحقيقة و روعتها، وجب عليه الضياع يوما وسط شعاب النسيان أو النسيان في أوحال الضياع! على قمة الأحزان تربض سعادة الفرد و انتصاره على كبريائه، إن لمن آياته ترويض الأنانية و صقلها لأبعد حدود الاقتدار و التقدير. من تعالى صوته قد فقد أثمن ما تحويه أعماقه، ذاك الصمت الحكيم الذي، وإن كبح الكلمات و انشغل عنها، يعتلي الأفكار و يتسيدها، منصبا نفسه إلهً متفردا لا إله آخر يشبهه. لقد تهاوى الخير في عمق النسيان، و ضاع تفرده وخفت توهجه، إن من تعود الخير و اكتفى بما عرف عليه الخير، لابد لنفسه أن تكتفي بأقل شعور من السعادة مع كل تكرار و تقليد. فالخير ما لم يتفرد كل مرة في تعبيره لا يحسب على الخير إلا شذرات تائهة و تافهة.

في لحظات الجنون يتجلي أمل كل إنسان، و مع كل أمل جديد يكمن انتصاره على نفسه، فتتشكل كل مرة إنسانية أكمل و أرقى من سابقتها. اكتنزوا بصدوركم شيئاً من الحزن علّه ينسيكم ما تعودت أنفسكم عليه، فلا يعم فرح قطّ دون استلهام فريد في لحظة شجاعة، وإلا لما كانت لغبطة الجندي المنتصر طعم وسط معترك المعركة الحاسمة، فكلما تفردت معارك الحرب كلما زاد فرح و ابتهاج المنتصر، بل و كلما اشتد غضب المنهزم كلما دعته الضرورة لانتصار في الأفق القريب أو البعيد.

تغلب فيكم عنف الماضي و استوصى بكم قهرا و استعبادا، إنه ذاك المارد الغريب يتقلد فيكم القائد الأوحد والعظيم، إنه هاجس الإنسانية و ستار نافذتها المنكسرة، تتقمص سراديب الماضي شخصية الحاضرة، فتعلو فيها اعتلاءً، حتى إن استعرت الحرب حينا تسيد الماضي أشد السيادة، فيكسو بياض خاذع من الثلوج ذرى الجبال الشامخة، أهي الحقيقة الغائبة أناء ظلمة ليل دون القمر؟ أم هي تغييب للحقيقة أناء نور صباح يافع بسماء دون سحب؟ لقد مال النهر وانجرف قعره حتى الغضب، لم يعرف أحد أن الوادي قد يختفي ذات يوم، و يكسر من حوله الصمت الذي اعتدنا عليه، انجرفوا و مياه النهر بعيدا، فمهما ابتعدت أقدامكم لستظل دائما سائرة على نفس أرضنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق