الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 6

حبيب هنا

2013 / 6 / 23
الادب والفن


-6-
قبل الحرب بأيام ،جاء أصدقاء نبيل يباركون له بأداء فريضة الحج ، قائلين : تعمدنا عدم المجيء في الأيام الأولى حتى نتمكن من الجلوس معك مدة أطول بعيداَ عن ضغط الزائرين وضرورة إفساح المجال لهم ، حتى نتمكن من الحديث بحرية وإفاضة دون منافس أو عراقيل ، ونأمل أن تكون صريحاً معنا وواضحاً كما عرفناك منذ زمن طويل .
- لا عليكم تحدثوا بكل ما يخطر على بالكم دون تحفظ .
- كيف كانت مشاعرك وأنت في المسجد الحرام ؟
- لا أخفي عليكم ، عندما دخلته لأول مرة، لم يكن مختلفاً عن أي مكان في الدنيا أراه للوهلة الأولى ، لم تَنْتَبْني مشاعر دينية ولم يستوقفني بكاء الناس وتدافعهم، قلت في سري : أي هراء هذا الذي يدفع بالناس إلى إهدار أموالهم من أجل الطواف حول هذه الحجارة . ولا أخفيكم أنني طفت مع الطائفيين وأنا لست مقتنعاً تماماً بما أفعل ، ولكن رغبة بعدم الخروج عن الجماعة فعلت هذا الأمر .
في اليوم التالي ، ذهبت منفرداً إلى المسجد الحرام وعندما أضحيت في حوض الكعبة - الصحن ـ ووقفت للصلاة ، لم أتحكم بفيض الدموع الغزيرة التي أخذت تتساقط من عيوني ، ولا أعرف لحظتئذ ما الذي حدث لي ، كل ما هنالك أن خشوعاً فرض سطوته عليّ لم أستطيع الفكاك منه، تماسكت بصعوبة وأتممت صلاتي وجددت طوافي وسعي وأنا متيقناً أن هناك قوة خفية تتحكم بسلوكي هي هداية من الله ومغفرة لي عما سلف من أخطاء ومعاصي أراد الله أن يخلصني منها ، ووجدت نفسي أدعو لخادم الحرمين الشريفين أن يجعل هذه المكرمة التي أتاحت لي فرصة الحج والهداية في ميزان حسناته .
علق أحد الأصدقاء قائلاً :
ـ الشيء ذاته حدث مع أشخاص آخرين مع اختلاف في التفاصيل .
ـ ربما أبواب الرحمة كانت مفتوحة في تلك اللحظات لمن لم يعرف الإيمان طريقاً إلى قلوبهم ، بغية الهداية والظفر بالفرصة التي نادراً ما تتاح . فمثلاً آلاف الناس يسجلون لأداء فريضة الحج كل عام ولكن المسموح لهم أقل بكثير من أعداد المسجلين ، فتضطر وزارة الأوقاف إلى إجراء قرعة بين هذا الكم الهائل ، فمن يظفر بها يكن مؤشر الهداية وأداء الفريضة قد مهد الطريق أمامه لانفتاح أبواب الرحمة وقبول حجه وتوبته عن المعاصي ، وعليه بالتالي الالتزام الكامل بالشروط الواجبة التي لا تنقص منها ولا تفسدها كي يبدأ حياته من جديد بوعي كامل من حيث نضوج العقل الذي يميز بين الخطأ والصواب بعد أن بلغ الرشد بخلاف الطفل الذي يولد للتو. بهذا المعنى يعود إلى الديار كما ولدته أمه .
على أية حال ، لم أرَ طعماً لمثل هذه الرحلة الإيمانية أنا الذي جبت بلداناً كثيرة ، أحيانا للعمل في مهمة تمتد إلى أسبوعين ، وأحياناً أخرى ، للسياحة والتنزه والإطلال على حضارة وثقافة الشعوب الأخرى ونسيجها الاجتماعي .
ولكن لا أخفيكم سراً أنني تساءلت كثيراً وأنا أشاهد الملايين من مختلف بلدان العالم ، يندفعون نحو قبلتهم بحب وإيمان ، لا يحد طموحهم من هدايتهم وقبول توبتهم وتقربهم إلى الله عملاً بسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أي حد . كانت غايتهم أداء المناسك على أكمل وجه وفق سنه الرسول الكريم التي بينت لهم سبل ترتيب المناسك كي يدخلوا من أبواب الرحمة الواسعة إلى المكان الذي اختاره الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
أقول تساءلت كثيراً ، وأطلقت لعقلي حرية الاجتهاد وولوج الدروب الصعبة أملاً في أن أضيف ما هو جديد إلى نمط تفكير العالم بعيداً عن حجب الرؤية ومصادرة العقل خوفاً من حالة الترهيب التي يمارسها بعض المتسلطين بغية كبح العقل وعدم إعطائه الفرصة للبحث والتقصي .
تساءلت : ترى هل هذه الوجوه التي أشاهدها في هذا الموسم غير مكررة ؟ وهل هناك وجه خاص لكل شخص على هذا الكوكب منذ بداية الإنسان الأول ؟ إذا افترضنا أن عمر الإنسان الأول خمسة ملايين عام ، كم سيكون عدد الذين مروا على هذا الكوكب من البشر منذ ذلك التاريخ ؟وهل الوجوه الموجودة الخاصة بكل شخص والقريبة من بعضها البعض إلى درجة التشابه المطلق أحياناً هي وجوه خاصة مئة بالمائة لكل شخص .إذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن الفروق الموجودة في الوجوه ينبغي أن تكون أضعاف مضاعفة عن عدد البشر ، الأمر المستبعد إلى حد اليقين ، مما يعني أن كثيراً من الوجوه هي طبعة مكررة عبرت هذا الكوكب في وقت ما من أوقات التاريخ والسلالة البشرية الممتدة منذ الإنسان الأول .أي أنه لا يمكن وجود فوارق كثيرة لدرجة التميز ، كالسيارة تماماً التي تنتج اليوم ، فهي على نحو ما منسوخة من بقايا المنتج الذي سبق ، أو كالأزياء التي تفاجئنا كل يوم ، فهي جديدة لمن يعاصرها ، أي أننا نرى (موديلات) كانت قد أنتجت في أعوام سابقة أعيد إنتاجها الآن ، والدليل على ذلك ، أن فكرة ما تحدث عنها أحد العلماء ولم تساعده الظروف على السعي نحو الوصول إلى مضامينها وتطويرها ،ليكتشف بعد بضعة سنين ، أن هناك من سبقه في البحث فيها وعمل على تطويرها .
بهذا المعنى ،فان الوجوه الموجودة حالياً قد تكون منقولة مع هذه الوجوه من خلال الدماغ نفسه الذي عاد مرة أخرى مع الوجه، الأمر الذي يقودنا إلى نتيجة مفادها : أن الأموات يتحللون، وجوههم وعقولهم وجميع أعضاء جسمهم، وعند خلق أناس جدد يكون قد اختلطت جميع هذه الأعضاء ويتم منها خلق الطبعة الجديدة .
على أن الأمر ، قد يكون أبعد من ذلك بآلاف المرات ، فمثلا ، يتم تعديل الموديل القديم بمواصفات جديدة تأخذ جزءاً من الوجه وأخر من العقل وثالث من البدانة ورابع من الطول ، وخامس من السلوك .. الخ بما ينسجم وروح العصر ، وبما لا يتناقص مع بديهيات الخالق الذي يشكل البشر حسب رغباته تأكيدا على العودة إليه مرة أخرى .
لا ، ليس هذا فقط ، وإنما ، أخاف من تجاوز الخط الفاصل ما بين الاجتهاد والاتهام بالإلحاد ، لاسيما وأن العديد ممن قد يفقدون سطوتهم سينتابهم حالة من الذعر عندما ينظرون إلى هذه المسألة من زاوية تجريدهم من صلاحياتهم الإلهية المخولة ( حسب تعبيراتهم ) من أجل حماية الدين والدفاع عنه في كل الأوقات والعصور ،مستندين إلى إعطاء أنفسهم حق الاجتهاد فيما يخصهم وحرمان الآخرين من هذا الحق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق