الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوليود والدراما التركية

صالح برو

2013 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لو تساءلنا ما تعنيه كلمة (هوليوود)، سنلاحظ أنّها كلمة مثيرة للاهتمام، لأنّها كلمة مشتقة من أصل وثني ( هولي وود)، ومعناها الغابة المقدسة، وهي الغابة التي يُصنع فيها العصا السحرية لدى السحرة الوثنيين، وبحسب اعتقاد السواحر أن بإمكان من يحصل على هذه العصا أن يتحكم بالناس عن طريق تغييب عقولهم، إذا معنى كلمة (هوليوود) هو جزء من رمزية التسمية، بالدليل أن وظيفة هوليود العملية هي أن تضع الناس في حالة غيبوبة, حالة من الأحلام كما يطلق عليها في الولايات المتحدة الأميركية ( إله الأحلام )، وهذه التسمية تعود كون السينما تبكي، وتفرح، وتحزن، وتخيف، وتقلق، وتحرض، وتهيج من خلال عملية المشاهدة والمتابعة.
كل هذه العوامل لها أهميتها العليا في عملية التحكم بالعقول وغسل الأدمغة بجماليات القبح الفني من خلال الأفلام الرومانسية المعروفة بالغراميات الملتهبة كما تعنيه الكلمة (رومانس) باللغة الإنكليزية حرفيا منذ بداية القرن السابع عشر، والتي غيرت قناعات الناس من الكمال الأعلى إلى التدني، والاستقرار في الكمال الأسوأ ضمن عوالم بوهيمية مجردة من كل الفضائل الأخلاقية، حيث انحرفت المحبة، وانحدر الحب، وصار مقتصراً على المرأة وحدها، بصيغة شكلية تعتمد على العلاقات اللاشرعية ، حتى صارت من أهم القضايا التي تتعلق بها الشعوب، علماً أنّ الرومانسية لم تكن سوى فكرة مبتكرة تحولت إلى مذهب أدبي واتجاه مثل سائر الفنون الأخرى، لتصبح بديلاً عن حب الوطن، و محبة الإنسانية والتضحية من أجلها، لإعلاء شأن الإنسان أينما كان،وهذا ما افتقدته البشرية منذ قرون.
هكذا تتم عمليات غسل الأدمغة، وإيجاد البديل لكل ما هو سامي والغاية المرجوة من ذلك هي إتاحة فرصة للناس للتنفيس عن كبتهم العاطفي، وإفراغ شوائب الحياة المترسبة في دواخلهم، ثم إعادة تشكيلهم، وتكوينهم حسب السياسة المطلوبة ألا وهي ( كيف تصنع شعباً)، و( كيف تصنع متلقياً)، و( كيف تصنع قارئا) من خلال دور السينما، وشاشات التلفزة، والمجلات التجارية الرائجة عالمياً التي سعت في تلقين وتهجين ثقافة زائفة إلى الناس خصوصاً عن بث أخبار الآخرين، ومأساة حياتهم، ومعاناتهم ليضطر المشاهد إلى القيام بعملية المقارنة اللا شعورية بين وضعه الشخصي المعيشي، وبين الآخرين، مما سيؤدي به إحساسه إلى الشعور بالاطمئنان، والأمان، والراحة، تاركاً العالم خلفه، لينشغل بهمومه على مبدأ " يجب أن يقتصر مجهود الإنسان على مصالحه المرتبطة بحياته هذه فقط "، والغاية الخفية منها هي تفكيك المجتمع على أساس المصلحة الفردية ضدّ مصلحة الجماعة، وهو الصراع المطلوب عند قوى الشر ضدّ قوى الخير.
هكذا اجتاحت أمريكا العالم، وغزته عن طريق السينما قبل أن تغزوها عسكريا، لبث الخوف، والذعر، والهيمنة في قلوب الشعوب، من خلال الشخصيات الأسطورية، والأسلحة المتطورة، والتقنيات العسكرية الهائلة في الحروب الافتراضية ضمن السينما المصنوعة ،وهذا هو الأسلوب الذي اتخذته تركيا أيضاً عن طريق الدراما التلفزيونية، بحيث غزت البلدان العربية من خلال المسلسلات الطويلة المدروسة بحيث قدمت من خلالها عدة شخصيات مثالية إلى أن تعاطف معها المشاهدون لعدة أسباب منها: تقارب العادات والتقاليد والمناخ، إضافة إلى تمرير، وتسويق أفكار أخرى كانت جديدة و مختلفة وغريبة عن المشاهد العربي المتعطش، وبعد ذلك انحدرت الشخصيات المثالية نفسها، وجرت ورائها جميع المشاهدين إلى مسألة الحب بعد مرور 30 حلقة ضمن حبكة درامية مقنعة إلى حد ما، واللعب على وترالعاطفة حتى أصبحت من يوميات الناس، وباتت قدراً لهم، حيث صاروا يتعايشون مع شخصية البطل والبطلة، و مع كل العقبات التي يتعرض لهما الأثنين في حياتهما إلى أن وصل بهم الحال أن يكرهوا كل من وقف في طريق كلا العاشقين وأحبوا من أراد لهما الخير، بمعنى أنهم انشغلوا بأحلام وآلام، وقضايا غيرهم متناسيين أحلامهم، وآلامهم، وقضاياهم الحساسة ،وهذا يوافق ما قاله الفيلسوف الوجودي كير كيجارد:" أن وجود الإنسان لا يتحقق إلا في اللحظة التي تحياها ذاته بكل حدودها وانطلاقاته,وأن غرام الإنسان بالحث عن المعرفة الخارجة عن ذاته أنساه البحث عن معنى وجوده هو، وبالتالي أحس بالضياع والغربة في هذا الكون رغم أن طبيعته تفرض عليه إيجاد علاقات لا نهائية مع ذاته بحيث يتوقف مصيره كله على نوعية هذه العلاقات فمستقبله عبارة عن النتيجة الحتمية لهذه العلاقات,وخيال الإنسان يؤكد أنه قادر على الوصول إلى اللانهائي عن طريق النهائي الذي هو ذاته والتي اعتبرها (هيجل) مجرد حلقة في سلسلة"...هكذا ومع مرور الحلقات وانصياع المشاهد للأحداث التي أخذته نحو التصاعد الدرامي، ليواجه ذروة الحدث التي أدخلت كلا العاشقين المثاليين الخطيئة الكبرى، ألا وهي المضاجعة الغير الشرعية ،فحملت البطلة من تلك الخطيئة طفلاً دون خوف أو تردد أو تحسباً من الفضيحة وهتك العرض، وهذا ما عاشه البطل بالمقابل...وبقي المشاهد متستراً عليه، ولم يعتبرهما خاطئين نتيجة تأثرهما بالشخصيتين، والتعايش معهما منذ البداية، وهي السياسة التي كانت مطلوبة نفسياً، واجتماعياً بتركيب فني، وهذا ما يحدث حالياً في الواقع,علماً أنه قوام الفساد، بمعنى أنّه كلما تعلقنا بشخص ما في حياتنا تسترنا على خطاياه وأخطائه واعتبرناه مسألة طبيعية، وهذا هو الأسلوب الذي اتخذه الأتراك.
ولكن المسألة الأخطر أن حياة المشاهدين لم تقتصر عند هذه النقاط فحسب، إنما لجؤوا إلى التفسيرات، والتأويلات حول رؤية الأهل، ونظرة المجتمع لهما إن كشفا أمرهما علانية، وبما سيحدث لهما في الحلقات الآتية، فراحوا يبحثون لهما عن حلول، واجتهادات قدرية، لتقرير مصير كليهما بالموت المحتم ،فكانت النتيجة أن الإناث المتلقيات تقمصن شخصية البطلة، وكذلك الذكور شخصية البطل.
ولكن الصاعقة كانت كما كان يتمناها المشاهدون داخلياً بصوت عالٍ غير متوقعين بذاك الحل الأوروبي أبداً، خصوصاً في البلاد التي تحمل طابعاً شرقياً ,تحكمها العادات والتقاليد السامية، فكانت النتيجة أن الأهل، والمجتمع تعاملوا مع المشكلة، وكأنها حالة طبيعية،وهذا ما كان يريد أن يقوله المسلسل : إن بإمكان أي منكم أن يتعرض إلى حالة من هذا النوع، لكنها بكل الأحوال هي حالة طبيعية طالما ناتجة عن الحب،بمعنى أنهم حولوا العلاقة اللاشرعية إلى حالة طبيعية، والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تندرج تحت سياق الفضيلة إلى تخلف، ورجعية، وتعصب، فقط لتحريض الجيل الجديد إلى ممارسة تلك الأخطاء، وإجبار المجتمع لتقبل ذلك، وأخذه بعين الاعتبار، ليصبح عادة شرقية معتادة.
ولن أكون مُبالِغاً إذا قلت: إن غالبية المجتمع تأثر بهذا المفهوم، وبتلك العلاقات بالدليل أن المسلسلات التركية باتت مكثفة، وهائلة بالعناوين، نتيجة المتابعة، والإقبال، وإلا ما كانت رائجة، وطاغية على الدراما العربية إلى هذا الحد، وهذا ما كان يطمح إليه صائغو الأفكار في أمريكا، وموجهو العقول في تركيا لترويج وتسويق ثقافة الحب المجردة من الآداب، والخلق الاجتماعي، وعدم الالتزام بالأعراف والعادات والتقاليد التي تخضع إليها منطقتنا تحت تسمية (الحداثة والتحرر)، لتفكيك وتمزيق المجتمع ضمن هذه المعطيات التي قدمت إليهم كوجبة سريعة التحضير، تشجيعاً للمراحل المقبلة ،لتصبح هذه الخطايا واللا أخلاقيات من طباعنا، وعاداتنا مثلما يحدث في البلاد الأوروبية، وجارتها تركيا المتسترة، والمحتشمة من الأعلى، والعارية من الأسفل،ولولا ذلك لما أصبحت المفتاح الوحيد لمشروع الشرق الأوسط الكبير.
كل هذه الأمور حدثت وستحدث فقط لأنا أحببنا شخصيتين في مسلسل درامي تراوحت مدته ساعة زمنية، تخللته بعض الإعلانات التجارية الربحية على مدى 100 حلقة ولا شيء أكثر من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية