الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ والطفل

فراس عبد الحسين

2013 / 6 / 24
الادب والفن


الشيخ والطفل

مع بدايات الصباح الرمادي الممزوج بنهايات الليل, نهض من فراشه الصغير ماشيا بصعوبة على طريق البستان الترابي اللزج من قطرات الندى المتساقط, صوت عصافير الصباح مع هدير ماء النهر ورائحه الورد المنتشرة على جانبي الطريق كانت سمفونية من الجمال والخيال.
لمحه من بعيد وسط ضباب الصباح وعرف وجوده من دخان ناره المتصاعد بصمت, ركض له مسرعا وبعد رؤيته صاح له الفلاح من بعيد (دخليني). فرد عليه مبتسما بصوته الطفولي الناعم (دخليني دخل سباحتي بطيني ولو طيفك هذاك الطيف يسعدني ويهنيني...).
شربوا الشاي سوية بعد ان احتضنه ببسمه حب وحنان, ضل الطفل يعاتبه لطول غيابه, وكيف يرجع خائبا باكيا صباح كل يوم عندما لا يجده في مكانه, تحدثوا طويلا وضحكوا كثيرا, ولم يفارقه النهار بطوله اكلوا الرمان سوية اصطادوا السمك من النهر القريب, لعبوا لعبه حل اللغز, رسم له ساعه على يده الصغيرة, مسك له الفراشات المختلفة, قراء له الاشعار وقص عليه القصص, لحين حلول المساء.
وفي المساء اجتمعت كل العائلة قرب النار, تذكر الصغير كيف كان الفلاح ساري يرتجف بردا قرب النار ماد يديه المتصلبة المتشققة والطين يغطيه لصدره, تغطي رأسه حبات المطر المتجمدة الممزوجة بلون الشيب الابيض, كان دائما يتسأل لماذا كان الفلاح هكذا دائما يأتي ليلا ويرتجف, ومن أجل ماذا ولأجل من؟ وكان لا يجيبه احد حتى بعد سؤاله المتواصل والمتكرر.
بدأ الفلاح ساري كعادته يحدثهم عن ظلم الاقطاع وجبروته, عن فقر الفلاحين وامراضهم وجوعهم, عن الزعيم وثورته, عن المادية الديالكتيكية وقوانينها, عن لينين وماركس وهيجل, عن اهميه ان تسود العدالة والديمقراطية بين كل البشر, و يقرأ للأطفال شعر مضفر النواب وعريان السيد خلف ليحفظوه عن ظهر قلب, كان يومآ جميل كباقي الايام التي يقضيها مع الفلاح وكل العائلة.
لحين ان مزق صمت المساء وابل من العيارات النارية من كل الجوانب, تبعثر كل شيء سادت الفوضى والصراخ والعويل من الاطفال مع ازيز الرصاص, كان الفلاح محتضن الطفل ولن يستطيع الهرب. دخلت عليهم كائنات اقرب للوحوش من البشر, جميعهم مدججين بالسلاح ويرمون عشوائيا, اصابوا الفلاح ساري في ساقه ركلوا الجميع سحلوا جميع الرجال والنساء, تلاشت صوره الفلاح ساري مع الذئاب البشرية وسط الظلام مع هدير سيارات اللاند كروز. لم يبقى سوى الاطفال, والدم المتجلط على الارض وسط الظلام والفوضى العارمة. واصطبغت الارض بالون الاحمر المسود. الطفل يبكي من شده الخوف والهلع, لماذا الانسان يقتل ويضرب اخيه الانسان. ولأجل ماذا يفقد انسانيته ويتحول الى كائن مفترس اعمى؟
من يومها عرفت كيف يمكن ان يكون الانسان بهذه القسوة والبشاعة والهمجية. ويتحول الى حيوانات بوهيمية غير واضحة الشكل والمعالم, تقتل وترفس وتسحل طريدتها, لكن حتى الحيوانات المفترسة لا تقتل ولا تأكل احد من بني جنسها. ولا تقتل حيوان اخر لأجل ان تعيش هي وصغارها فقط.
صوره الفلاح والدم المتجلط على الارض وصوت الرصاص والفوضى لم تفارق بال الطفل وافكاره طوال تلك السنين خصوصا قبل النوم, مرت ايام وسنين طويله قبل ان يدخل الفلاح بوجه المبتسم من باب البستان, قبل ذلك بأيام رأيت بعض الذئاب البشرية مرميه على قارعه الطريق والمزابل المنتشرة بعد ثوره الشعب عليهم.
من يومها عرفت معنى استمراريه الافكار وتناقلها من جيل لأخر وبقائها خضراء دائما, وبقاء الذئاب البشرية في كل الازمان والأمكنة كونها لا تموت تتكاثر مثل الاميبيا وتغير وجوهها دائما مثل الحرباء.
من يومها عرفت معنى الحرية, معنى الحياه والامل, عرفت معنى ان يحرم الطفل من حنان جده. بعد ان عرفت ان الفلاح كان جدي المناضل كاظم الناصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد