الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوعان من الترجمة

داود روفائيل خشبة

2013 / 6 / 24
الادب والفن



هذه أشتات خواطر حول التمييز بين نوعين من الترجمة. وحين أتحدّث عن الترجمة فإننى أعنى ما هو جدير بأن يسمّى ترجمة. فكم صادفتنى مطبوعات يُفترض أنها ترجمات لأعمال جادّة فإذا هى سُبّة تكشف تردّى المعايير فى مجالنا الثقافى، وقد أعود فى مقال آخر لعرض نماذج من هذا العبث المشين. أما الآن فإنى أطرح بعض خواطر عفوية وردتنى أثناء قراءة عمل رصين عالى القيمة.
بينما أقرأ الترجمة العربية لـ "النظام القديم والثورة الفرنسية"* لـ أليكسى دو توكڤ-;-يل، ذلك العمل الثرى الذى أتحفنا به أخى وصديقى العزيز خليل كلفت، استوقفتنى عبارة فى مقدّمة المترجم — وأىّ قيمة لكتاب لا يجعلك تتوقّف كثيرا وتضع الكتاب جانبا لتفكـّر؟
فى سياق حديثه عن الترجمات الإنجليزية لنصّ توكڤ-;-يل يشير خليل كلفت إلى "ترجمة ستيوارت جيلبيرت Stuart Gilbert، البليغة ولكن التفسيرية وبالتالى غير الدقيقة تماما" (مقدّمة المترجم، ص. 29). إنه بهذا يميّز بين نوعين رئيسيين من الترجمة: (1) الترجمة الدقيقة (الحرفية)، (2) الترجمة التفسيرية (الأدبية). ولعلنا نجد مستويات متعدّدة من الالتزام بالدقة فى إطار النوع الأول، ومستويات متعدّدة من استباحة التفسير فى إطار النوع الثانى. ولعلنا نجد لكل من هذين النوعين ولكل مستوى من مستوياته المتعدّدة مجالا يصلح له ويختصّ به. ففى قمّة الترجمة الدقيقة تأتى الترجمة الوثائقية التى يكون فيها الالتزام بحرفيّة النص شرطا جوهريا لصحّة الترجمة، وفى المدى الأبعد للترجمة الأدبية نجد الترجمة الإبداعية التى قد تكون وحدها الملائمة لترجمة الشعر. إننى – وهنا أقول صراحة إننى أعبّر عن مزاج شخصىّ لا أفرض قبوله على أحد – حين أقرأ بحثا تاريخيّا مترجما، أوطـّن نفسى على تحمّل قدر من الخشونة فى القوالب اللغوية، خشونة لا مفرّ منها حين يقيّد المترجم نفسه بأن يبقى لصيقا بمصطلح النصّ الأصلى، ولا يمنعنى ذلك من أن أودّ أحيانا لو أن المترجم مال قليلا إلى "التفسيرية" عند هذا الموقع أو ذاك. من ناحية أخرى فإننى حين أقرأ قصّة أو رواية مترجمة، أتوقـّع أن أجد – بجانب الأمانة فى نقل المضمون بالطبع – متعة فى القراءة، وأكون على استعداد لأن أقبل تصرّف المترجم فى تطويع تراكيب وقوالب لغة الأصل حتى توائم تراكيب وقوالب اللغة المترجم إليها، ولا أعتبر ذلك مفارقة للأمانة بل أراه من ضرورات الترجمة الأدبية.
هناك كما قلت درجات ومستويات فى كل هذا، وفى المنتصف بين هذا وذاك نجد مساحة يصعب فيها التمييز الواضح المحدّد بين الترجمة الدقيقة والترجمة الأدبية. فإذا كنا نترجم عملا لأفلاطون – ذلك الرجل الفذّ الذى جمع فى أعماله بين عمق الفكر الفلسفى وإبداع الإلهام الشعرى – فأين نضع الخط الفاصل بين دقة الترجمة والحفاظ على جمال العمل الإبداعى؟ هناك فى اللغات الأوروپية الحديثة – الإنجليزية أو الفرنسية مثلا – عشرات الترجمات المختلفة لأعمال أفلاطون، ترجمات أمينة تنقل المضمون نقلا سليما، لكنها تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا، يتجاوز كثيرا ما قد نجده من اختلاف فى ترجمات متعدّدة لعمل فيلسوف مثل ديكارت Descartes أو هيوم Hume، وذلك لأن أعمال أفلاطون أعمال أدبية بالدرجة الأولى، إذا التزمنا فى ترجمتها معايير الترجمة الدقيقة أفقدناها الكثير من قيمتها الجمالية، بل ربّما أفقدناها ما أراده منها مؤلفها فى المكان الأول.
داود روفائيل خشبة
مدينة السادس من أكتوبر، 24 يونية 2013
*أليكسى دو توكڤ-;-يل، النظام القديم والثورة الفرنسية، ترجمة وتقديم: خليل كلفت، المركز القومى للترجمة، 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية