الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من تركيا

كاظم الموسوي

2013 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لم تستمر انتفاضة الشعب التركي في ميدان تقسيم (منذ 28 /5/2013) وتنتشر في ميادين وشوارع اخرى في تركيا لو كانت تريد او تطالب مطلبا واحدا متعلقا باجراء حكومي لتغيير معالم الميدان، او ضد قرار رسمي غير محسوب تماما وحسب. استمرت منذ اندلاعها معبرة عن تراكم منوع لتظلمات وسياسات خاطئة اضرت بالمصالح القومية والوطنية ودفعت الى تنامي غضب الشعب على برامج الحكومة ورئيسها رجب طيب اردوغان، وضرورات التغيير فيها. وتواصلت لأنها تحمل ابعادا ابعد من تلك القرارات، ابعادا سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، عبرت عنها الشعارات التي رفعت والإصرار عليها رغم المواجهات الحكومية العنيفة ضدها. وهي بالتالي تبيّن فشل اغلب تلك السياسات الحكومية في اقناع المنتفضين بها.
ردود افعال الحكام الرسميين عليها دلالة اخرى على هذه الحالة. تصريحات اردوغان واحتفالاته تعكس بصورة واضحة القلق والحرج من تطورات الميادين والشوارع التركية. كانت تركيا قد احرزت نجاحات اقتصادية وتحولات مدنية بعد صعود تيار الاسلام السياسي فيها، وبعد تسلم اردوغان رئاسة الحكومة قبل عقد من الزمان، وغيرها من التطورات التي تمت بدعم ومساعدات معروفة من الغرب والولايات المتحدة الامريكية خصوصا. لاسيما في نمو الاقتصاد واحترام العملية السياسية ونتائج الانتخابات وتعددية الأحزاب والعلاقات الدولية لفترة البدايات بعد استلام الحكم. وكان الهدف منها اعتبار الحكم في تركيا بحزبه ذي المرجعية الاسلامية، حزب العدالة والتنمية، نموذجا للبلدان التي تقطنها اغلبيات اسلامية، والمساهمة في تنفيذ مخططات الغرب في المنطقة ومشاريعه المعلنة في صناعة الانشراخ المذهبي والتغييرات الاخرى، وفي فرض الهيمنة الغربية والسيطرة الكاملة على ثروات الشعوب في العالمين العربي والاسلامي. ولهذا فان ما يحدث الان في تركيا يقدم دروسا متعددة عن تجربة وسياسات وسياسيين حاولوا خداع الشعوب في اداء ادوار مطلوبة منهم، وخسروا الحفاظ على استقرار بلادهم وتنميتها وبناء العدالة فيها. او تتلخص في تعرية مصائر سياسات التبعية والتخادم ومحاولات التغالب على الارادات الشعبية واستسهال التنازلات عن المصالح الوطنية والاعتبارات القومية والدينية.
حاولت سياسات تركيا في الفترة الاولى من حكمها "تصفير المشاكل"! مع جيرانها الجنوبيين خصوصا، الدول العربية وايران، وتطوير علاقاتها وتعزيز الثقة بها عبر شبكة واسعة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي دفعت بالتنمية فيها درجات افضل مما كانت عليه، كما دعمت الاستقرار السياسي وتخفيف التدخل والانقلابات العسكرية فيها. ولكنها تراجعت ومارست سياسات اخرى، تكشفت في صناعة المشاكل مع جيرانها من جميع الجهات، لاسيما مع بلدان عربية وإيران وروسيا. اثرت على اوضاعها الداخلية، وانعكست في جوانبها الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها. مما شحن غضب الشعب ودفعه الى الانتفاض والتحرك في الميادين والشوارع. وهذا درس مهم، لمن لا يتوقع عواقب تغيير سياسته عكس ما كانت عليه، وبزوايا منفرجة.
مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم عبر انتخابات وصعود نجم اردوغان فيه لا يمنع التصدي له حين يمارس سياسات لا تمت بصلة بالديمقراطية وحقوق الانسان، ويستأثر في السلطة ويمارس سياسات الاستحواذ على مصادر القرار والشرعية في البلاد. وهذا ما حاول اردوغان القيام به وعمله مما اثار حفيظة قطاعات اجتماعية واسعة، ليس احزاب المعارضة التركية فقط. وهو ما تبين في نسبة المشاركين في الاحتجاجات وتنوعهم، من كل فئات الطبقات الوسطى والفقيرة، من المثقفين بأنواعهم ومن العمال والفلاحين والطلبة، والنساء والرجال على السواء، المنظمين في احزاب ونقابات او غيرهم. وهذا درس كبير اخر، فالديمقراطية ليست انتخابات وتفوق عددي بالأرقام وحسب، ولا تعني صكا مفتوحا لمن تنعقد له هذه الاغلبية في فترة زمنية وتتشابك فيها عوامل او جهات اخرى قد تتعارض مصالحها هي الاخرى معها في فترات اخرى. ما يتطلب الانتباه الى مثل هذه الحالات والتدقيق فيها، والاعتبار منها. التجربة الديمقراطية ممارسة ووقائع تثبت تحقيقها، وقواعد عملية تتجاوز المكاسب الانية والمصالح الفئوية والحزبية الاستفرادية، لاسيما في مجتمعات فسيفسائية.
الاخطاء الكبيرة التي وقع فيها الحزب الحاكم في تركيا وأركانه، لاسيما في العلاقات مع جيران تركيا اثرت عمليا في زعزعة الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني داخليا، وضغطت في صناعة فجوات بين الفئات والطبقات الشعبية، المؤيدة والمعارضة للحكومة وحزبها. زاد فيها مساعي الحزب وخلفيته الدينية في محاولات "تديين" المؤسسات والشعب والانقلاب على التفاهمات التي سمحت له بالفوز في الانتخابات والدخول الى الساحة السياسية التركية. ولعل هذا المخطط وتفرعاته في الاجراءات والقرارات الحكومية في تغيير ميدان تقسيم ومنع بيع الخمور وغيرها من الممارسات الدالة عليها اضافت للغضب الشعبي فتيلا اخر وعمقت من الهوة بين سياسات الحكم وطبيعة المجتمع التركي وتنوعاته المذهبية والثقافية والاجتماعية.
برهن الحراك الشعبي في الميادين والمدن التركية على حيوية الشعب التركي ورفضه لسياسات الحزب الحاكم واستفراده بالسلطة رغم انتخابه لثلاث دورات. ومن ثم الاحتجاج على رئيس الحكومة ومخططاته لتغيير هوية الشعب والبلاد والدستور والاستعداد لإعادة شكل من اشكال الدكتاتورية "العثمانية" عبر صناديق الانتخابات والاقتراع والاستفتاءات وغيرها. وفضحت ردود الفعل الرسمية انتهاكات واضحة لأبسط التقاليد الديمقراطية وحقوق الانسان. كما ان استدعاء الجيش الى قمع الانتفاضة وممارسة العنف ضد المتظاهرين واعتقال مشاركين وسقوط دماء لضحايا بين قتلى وجرحى دلالة كافية على فشل سياسات الحكم في الارضاء وتوفير الامن والخيارات الشعبية الوطنية وإنهاء الازمات سلميا وديمقراطيا.
الدرس الابلغ هو عدم الاستفادة من دروس التاريخ والتجارب الاخرى، فمجرد ارتكاب مجزرة دموية، يعني ان الشرارة اندلعت ولا تستطيع حواجز الخوف والرعب والتهديد والارهاب ايقافها، لاسيما وان الهشيم في المؤسسات الحكومية موجود ومنتشر حولها. وهذا ما دفع اغلب وسائل الاعلام التركية خصوصا الى القول بفقدان الشرعية للحزب الحاكم ورئيسه المتسلط عليه وعلى العباد والبلاد.
خلاصة الدروس: مؤشرات انتفاضة ميدان تقسيم لا تنتهي عند حدوده، ولا تعوّقها تهديدات اردوغان وتكراره لتهم جاهزة سبقه غيره بها للمنتفضين والحراك الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة