الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرس 5

ياسين لمقدم

2013 / 6 / 26
الادب والفن



"لِيلْتْ أَمْبَطُّو"

وحتى قبل أن تشرق شمس اليوم الأول من الثلاثة الأخيرة والرئيسية لهذا الزفاف، كان الجميع في مدشر أهل العريس على أتم الاستعداد لإتمام باقي التحضيرات في جو مفعم بالنشاط والتفاؤل. وعلى نفس الحصائر التي ناموا عليها كيفما اتفق، قُدِّمت للجميع وجبة الإفطار المتمثلة في الشاي والذي تطوع لتهييئه من شهد له الحضور بدُرْبتهِ في ذلك. ومن أجل هذا قُدِّمت لأحدهم "رْبِيعَة" للسكر وثانية للشاي وأخرى للنعناع الأخضر مع مِجْمَرٍ عليه غلاية الماء. ومع الشاي الساخن سيتناولون الخبز الذي تطوعت بعض النساء لتهييئه قبل فجر يومهم هذا لكي يكون جاهزا مع وقت الإفطار. وتقدم شخص آخر لنزع الغطاء الخشبي عن جرَّتي سمن وعسل مستعينا بسكين "بُوضَلْعَ" الذي لا يخلو جيب منه.

وبعد أن انفض الجميع إلى مهامهم المحددة، اختلت الأم بإبنها تناصحه عن الحياة وسبل مجابهة تحدياتها، وحدثته عن تجارب فاشلة وأخرى أثبتت نجاعتها في بناء الأسرة السليمة، ومثَّلتْ له عن ذلك ببؤس واحد من القبيلة لم يحسن رعاية بيته فآل إلى الخراب بعد أن ورثه عامرا عن والده. وكان يصغي إليها بكامل الود والامتنان وكأنه يستكشف في وجهها المتجعد أديما آخر. ولما شعرت بحرارة الدمع تغرغر داخل مِحْجَريْها دعته إلى الالتحاق بشباب المدشر وهم منهمكون في انشغالاتهم، بينما استرسلت الأم بالدعاء الصالح له، فانحنى على رأسها بلثمة ثم أعقب ذلك بقفزة طويلة من فرحه أشعرته وكأنه شارف السماء.

وبعد عصر هذا اليوم، وبعد التحاق كل الضيوف بمدشر العريس، قادمين من الدواوير القريبة والبعيدة، وكلٌّ يقدم هديته والتي في غالبها عبارة عن بضعة رؤوس من الماعز أو الأغنام أو قوالب السكر وعلب الشاي، إلاَّ قليلا منهم تبرعوا بجرر السمن أو العسل، أو حتى "تَلالِيسًا"*** ملأوها شعيرا وقمحا. وكلما وصل وفد استقبلته الجموع بالأهازيج والعناق. وكان من بين المستقبِلين شيخٌ يصدح بالتَّبْرِيحَةِ فيعدد خصال الضيوف مذكِّرا الناس بمرتبتهم القبلية وفضائل أجدادهم.

مر باقي اليوم في الرقص والغناء وتوزيع الكثير من كؤوس الشاي إلى أن شارفت الشمس على المغيب، عندئذ ستُقَدَّم للناس وجبة "الشَّرْشَم" المُنتظرة، فتتسابق الأيادي إلى القِصَعِ الخزفية لتملأ الأفواه النهمة بالقمح اللذيذ المطبوخ مع الفول والحمص.
ولما انتهت الوليمة نهض العريس من وسط المتحلقين، يرافقه بعض العُزَّاب من أصدقائه ليودع والديه، فالأعراف تقتضي أن يتوارى عن أنظارهما من ليلة الفراق هذه إلى يومين إثنين بعد الزفاف.

وبعد هذا، سيتفرق الناس إلى مجموعات للتسامر، وآخرون سيخلدون إلى النوم في خِيم الضيافة .وبعضهم سيلجؤون إلى أماكن بعيدة وراء الأشجار مُستتِرين عن الأنظار ليقضوا ما تبقى من ليلتهم الملتمعة تحت بريق النجوم في خلوات غير بريئة .

يتبع...
--------
هامش
*ليلث أمبطُّو : بالأمازيغية وتعني ليلة الفراق
**رْبِيعَة : أنية معدنية.
***تَلالِيسًا : ج تلِّيس، بردعة محوكة بالصوف وشعر الماعز أو شعر ذيل الأحصنة والبغال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الغناء في الأفراح.. حلال على الحوثيين.. حرام على ا


.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب




.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ


.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش




.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا