الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سقطت .... أم أسقطوها؟ ........ قصة قصيرة

الدير عبد الرزاق

2013 / 6 / 26
الادب والفن


الشمس تفارق المغيب عصرا...و السماء تطلق عنان الأشجان ...و الدواب تعود إلى حظائرها...و الطيور مكسورة الأجنحة تريد العودة إلى أوكارها، لكنها لا تستطيع...
قررت أن تقضي هذا الليل الذي حل قبل موعده فوق أغصان من حديد...
الجروح تتمزق وتحترق...و الأشواق تكتئب وتموت... و ريح أحقاد تخترق الحدود...
تحطم بقايا عصور زمن مضى...و روح الإنسان تستعد للرحيل... و هيكله الترابي يهدم...
كان الزمن يرتجل المسير... و عقارب الساعة تختبر صبر الأرقام...
كانت كل الأشياء على غير طبيعتها...يكتنفها الغموض واللبس ... و يجرها خيط مرهون بالزمان...
ظل{نصر}بجسمه النحيف...مشلول الحركة...عاجزا عن الكلام...شاحب اللون...يرقب الأشياء من حوله...واضعا يده على قلبه الذي يرتجل الخفقان... و فرائصه ترتجف...
وبينما هو ينتظر هدوء المكان واستقامة الزمان، وتحرك عقارب الساعة... رأى فجأة نجمة تلمع في الفضاء...ظل يرقبها حتى صارت ثوبا أبيضا يتلألأ في السماء...شيئا فشيئا بدأت تتضح معالمها...
والدهشة بادية على محياه، و في وقت وجيز حدث ما لم يكن في حسبانه، واستعصى عليه نسيانه...
فتاة كبدر في ليلة ظلماء، و خصلات شعرها ذهبية، و وجهها نور يكاد يحرق كل العيون التي لا تركع...
نسي{نصر}الزمان والمكان و حلقت روحه إلى عالم المثل...
وقفت أمامه... فحملقت فيه بنظرات ثاقبة تنم عن ذكاء خارق... ثم بدأت تتفحص المكان بعينيها الزرقوين...
بدا له أنها تملك ثقافة الأزمان...سألها في ارتباك ولم يستفق بعد من سكر اللحظة :
ـ من أنت ياحسناء؟
بدأت تتكلم ويرتد الصدى على المكان:
ـ أنا شاعرة الأزمان،حفيدة شهرزاد،جئت أخبرك بسقوط بغداد...
استجمع {نصر}قواه وقال لها متوترا:
ـ أنا مثلك شاعرا... لكن لم يوح إلي بسقوط بغداد...
سألته ساخرة:
ـ يا أحمق هل أنت رسول حتى يوحى إليك؟
أجاب مندهشا:
ـ ولكني شاعرا...
سألته غاضبة :
وهل الشعراء يوحَى لهم؟
قاطعها بعصبية:
ـ الحرف وحي..
قاطعته بجدية مفرطة:
ـ الحرف قدر وليس وحي كما تدعي... دعني أقرأ عليك ما جئت من أجله...
سألها وقد هدأ روعه :
ـ جئتِ من أجل ماذا؟
أجابته بهدوء تام؟
ـ ...إسماعك قصيدة سقوط بغداد... فاعلن من اليوم الحداد...
تجمد الدم في شريانه...وفجأة ثار في وجها:
ـ أأعلن الحداد ؟؟؟ ... وأنا الذي سيفه الحرف... يقاتل به كل من حاول مس بغداد...
قالت مستهزأة:
ـ دع السيف والحرف... لقد صارا في عصوركم البترولية مجردا سراب تركبه خيولا من نار لتقاتل لا شيء... دع البطولات التي تغتال الذاكرة... و تمزق أوراق التاريخ... و تجهض أحلام الأجيال ...
اسمع الآن القصيدة وكفى...
قال لها وقد أحس بشيء في داخله يتمزق:
ـ إقرإ سامحك الله مثلك مثل شهرزاد ... ولكني لست شهريار...
مدت يدها إلى السماء وسحبت ورقة حمراء ... فتحتها و{نصر}يراقبها بعينيه... ثم بدأت تقرأ عليه القصيدة... وهو ينصت إليها باهتمام...
وعندما وصلت إلى 9 أبريل 2003،أدركها الصباح وسكتت عن الشعر غير المباح... فتوارت عن نظره وهو ينادي:
...عودي...عودي...عود...عو...ع...
بينما هو ينظر إلى السماء والخيبة بادية على وجهه الشاحب...
يتمنى في قرارة نفسه أن تعود...
تحركت عقارب الساعة بسرعة فائقة...تحرك الزمان... دارت الأرض دورات و دورات... وفجأة توقفت، وعادت كل الأشياء إلى طبيعتها...
استيقظ {نصر }بعدما كاد يغمى عليه...و لم يستوعب بعد ما الذي يحدث؟؟؟...
بدأ يناجي نفسه بغرابة:
كنت وحيدا في دجلة و الفرات...أزرع شتلة الزيتون... نعم كنت وحيدا... لكن أين دجلة و الفرات؟ أين شتلة الزيتون؟ يبدو أني جننت ...
وهو غارق في بحر من الهواجس، سمع صوتا من بعيد أثار انتباهه ...
صاح بصوت عال مسرورا كأرخميدس:وجدته... وجدته ...
كان الصوت منبعثا من دكان لبيع الأثواب،تجمع حوله مجموعة من الرجال... يرتدون جلابيب تقليدية و عمامات و "بلاغي"... كانوا متجمعين حول شيء يصدر صوتا بشريا...
لم يفهم منه {نصر} شيئا... أراد الاقتراب من المكان والتحري عن ما يجري في هذا العالم؟...
لكن لم يستطع مشاهدة شيء،لأن الرجال كانوا أقوياء... لم يتركوا له الفرصة لمشاهدة ما يحدث... فاكتفى بالسماع...
وإذا بأذنه تلتقط ... سقوط بغداد... اعتقد في الوهلة الأولى أن الشاعرة حفيدة شهرزاد جاءت تنبؤ الناس في هذا المكان بسقوط بغداد...
لكنه ظل حائرا... يترقب معرفة التفاصيل منها في هذا المكان...
لم تسنح له الفرصة بالتوغل وسط هذه الجدران البشرية ...
اقترب منهم أكثر... لكن هذه المرة كان أكثر إصرار على معرفة ما يجري... تزاحم معهم حتى وجد له مكانا بينهم... لكن لم تكن شهرزاد
بل التلفاز...
شاهد... و يا ليته لم يشاهد...
شاهد سقوط بغداد تحت أقدام شرسة مرعبة...
لا تعرف للرحمة رحمة... و لا حتى للشفقة شفقة...
ثقل لسانه و عجز عن الحركة... ولم يعد يعرف هل سقطت بغداد؟أم أسقطوها؟
وفي هذه اللحظة لأول مرة يدرك بذات واعية،أن اليوم هو9أبريل 2003... لكن المكان ليس بغداد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب