الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سمعتم ب -الطلقات الخنزيرية-؟!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إنَّ لكل عصر حقائقه وأوهامه؛ وفي الخبر الذي نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، نَقِف على غيض من فيض أوهام عصرنا.
جاء في الخبر أنَّ شركة (في الولايات المتحدة) لصناعة الذخيرة أنتجت "طلقات مطلية بطلاء ممزوج بمادة من الخنزير" لاستعمالها في قتال أعداء إسلاميين يقاتِلون من أجل الذهاب إلى الجنَّة.
وتشرح الشركة أهمية هذا النوع من الطلقات قائلةً إنَّ هذه الطلقات لا تقتل "جهادياً إسلامياً" فحسب، بل تحظر عليه دخول الجنة (لدخول مادة الخنزير في جسده أو جثَّته) وتبعثه إلى جهنَّم (وبئس المصير!). وتتوقَّع الشركة أنْ يتسبَّب إنتاج هذا النوع (اللاهوتي) من الطلقات في تضاؤل حجم المُقْبِلين على "الشهادة"، وردعهم عن "الجهاد"؛ فإنَّ "ذخيرتنا الجديدة ـ تقول الشركة في تباهييها وافتخارها ـ تؤدِّي عملين في آن: تَقْتُل، وتبعث القتيل إلى جهنَّم (فيَخْسَر الدنيا والآخرة)"!
الشركة، وعلى ما أظن، بدأت العمل بسؤالٍ ذكي هو "ما هي الوسيلة الأنجع للنَّيْل من قوَّة الدافع القتالي الدِّيني لدى الجهادي والذي يتمثَّل في رغبته القوية في دخول الجنَّة؟".
لكنَّ هذا السؤال الذكي لم يُجَبْ عنه إلاَّ ما يؤكِّد أنَّ ذوي المصلحة في إثارته وطرحه، وفي التوفُّر على إجابته، لم يبقَ لديهم من خيار إلاَّ خيار "محاربة الوهم بالغباء"!
وفي توضيح لا بد منه نقول إنَّ منتجي هذا النوع من الطلقات، ومنتجي فكرته، لا يؤمنون بأنَّ دخول مادة الخنزير إلى جسم الإنسان (في أيِّ طريقة) يَصْلُح سبباً (دينياً) لتعذيب هذا الإنسان بنار جهنَّم، أو للحيلولة بينه وبين دخول الجنَّة؛ فَهُمْ إنَّما يحاولون محاربة "الجهادي الإسلامي" بسلاحه، معتقدين أنَّ هذا "الجهادي" يعتقد، أو يمكن أنْ يعتقد، بأنَّ دخول مادة الخنزير إلى جسدة، ولو من طريق إصابته إصابة قاتلة بهذه الطلقات، سيحظر عليه دخول الجنَّة، وسيذهب به إلى الحطمة، وما أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة!
كلاَّ، لن يعتقد إلاَّ بما يذهب بتوقُّعهم هذا؛ فلو اسْتُعْمِلَت هذه الذخيرة في قتال غربيين (وغيرهم) لـ "جهاديين إسلاميين" لسارَع أَئمَّة هؤلاء إلى إصدار فتوى (وهُمْ قَوْم لا يجدون أقلَّ مشقَّة في إصدار الفتاوى في كلِّ شأن وأمر) يؤكِّدون فيها أنَّ "استشهاد" المجاهد الإسلامي بهذه الطلقات (التي باختراقها جسده أدخلت فيه مادة الخنزير) لن يتسبَّب بإغلاق باب الجنَّة في وجهه؛ بل بفتحه له على مصراعيه، وبمضاعفة عذاب جهنَّم لقاتِله بهذه الطلقات (النَّجسة).
وربَّما يَنْفثون في روع "المجاهد"، في "فتوى مكمِّلة"، أو في "الفتوى نفسها"، أنَّ مصرعه بهذا النوع من الطلقات يساعده في الوصول إلى درجة أعلى في الجنَّة؛ فالجنَّة درجات، وجهنَّم دركات؛ وقد تكون النتيجة العملية النهائية هي مزيدٌ من الإقبال على "الاستشهاد" بهذه الطلقات (السحرية)!
ويبدو أنَّ هذه الشركة قد آلمها فشل "حل رامسفيلد"؛ فوزير الدفاع في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وبعد غزوتي 11 أيلول، دعا إلى حلٍّ لمشكلة "الإرهاب الإسلامي"، أسماه "صراع الأفكار"، معلِّلاً نفسه بوهم أنَّ صراع الأفكار (أو مقارعة الحجة بالحجة) يمكن أنْ يتكلَّل بانتصار جليل للقيم والمبادئ الفكرية والسياسية للحضارة الغربية، فتَغْتَسِل أدمغة وعقول "الجهاديين الإسلاميين" وشيوخهم، ويجنحوا لسلم ثقافي أبدي مع هذه الحضارة، ويتوقَّفوا عن قتال "الكفَّار" في عقر دارهم.
ودعا رامسفيلد (الذي تستبد برأسه أوهام إمبريالية) إلى تغيير المناهج الدراسية والتعليمية في المجتمعات الإسلامية بما يؤسِّس لـ "إسلام ليبرالي متصالح حضارياً وثقافياً وسياسياً مع الغرب"؛ فهذا الرَّجُل كان مفتوناً بعقيدة "صراع الحضارات"، ويُؤمِن بأنَّ ظاهرة "الجهادية الإسلامية" تضرب جذورها عميقاً في النصوص والنفوس؛ فإذا فُسِّرت وأُوِّلت بعض النصوص الدينية في طريقة "جديدة جيِّدة"، وإذا تغيَّرت النفوس بما يرضي القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم، فإنَّ هذه الظاهرة تصبح مقطوعة الجذور.
لقد فشل رامسفيلد، وكان ينبغي له أنْ يفشل؛ لأنَّه لم يدرك، أو لأنَّ المصالح الإمبريالية للولايات المتحدة تمنعه من أنْ يدرك، أنَّ "واقع" العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة هو ما يحملنا على مبادلتها عداءً بعداء، وأنَّ "التغيير" يجب أنْ يبدأ من هنا؛ فتغيير هذا "الواقع" هو الذي سيجعل ظاهرة "الجهادية الإسلامية"، وأشباهها، مقطوعة الجذور، وكرعدة في سماء صافية.
ومن فشل "حل رامسفيلد" وُلِدَ "الحل الجديد"، حلُّ "الطلقات الخنزيرية"؛ ولسوف ينتهي هذا "الحل الجديد" إلى ما انتهى إليه "الحل القديم"، أيْ الفشل؛ فيتأكَّد، عندئذٍ، مرَّة أخرى، صواب تعريف آينشتاين للغباء (أو الحماقة). لقد عرَّف هذا العبقري الغباء على أنَّه تكرار المرء للتجربة نفسها على أمل الوصول إلى نتائج مختلفة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و