الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الدستور المغربي الجديد2011

محمد بوجنال

2013 / 6 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



من المسلمات المعروفة أن السير الناجع لأية دولة يكمن في التأسيس العقلاني متكامل المكونات وفق قاعدة الوجود في الزمان والمكان؛ أو قل أن السير الناجع ذاك يكون مرهونا ومشروطا بالتأسيس لدستور فيه وبه يتم تحديد أدوار ووظائف المؤسسات الرسمية والمجتمع على السواء؛ بمعنى دستور يكون تعبيرا عن إرادة الشعب لا وصيا عنه وملغيا مجازيا له. ولا شك أن المقاربتين الفلسفية والسوسيولوجية أساسيتين في مقاربة المؤسسات المغربية لأنهما يشكلان وحدة التصور. فالسوسيولوجيا تبحث في السلطة السياسية ارتباطا بالواقع التاريخي وهو ما يجعلها أمام مكونات متباينة للشرعية السياسية؛ لكن دون أن تتمكن من الفصل بين ما هو سلطة وما هو تسلط بفعل المنهج السوسيولوجي الذي هو منهج وضعي لا يمكنه سوى نقل أو تصوير واقع محدد بما في ذلك مواقف وتبريرات النظام والطبقة الكمبرادورية. أما التصور الفلسفي فيرى أن السلطة هي المؤسسة التي تمارس أنشطتها في شكلها العام أي بغض النظر عن الاختلاف من قبيل اللون والجنس والجماعة ،فتتمكن بذلك الفلسفة من تجاوز محدودية مصادر الشرعية السياسية السوسيولوجية دون نكرانها بمعنى الإقرار بأهميتها لكن دون كفايتها.
فإذا كان الشعب المغربي خاصة والبشري عامة هو مصدر تأسيس الدستور، فإن هدف التأسيس هو توضيح سلطة مختلف المؤسسات وعلى رأسها سلطة الحاكم وكذا سلطة الشعب. وفي هذا الإطار لابد أن تكون سلطة الشعب موضع احترام واستحضار دائم من طرف النظام. فلا يمكن للملك الادعاء بأن فيه توجد سلطة الشعب وأنه ممثلها الأسمى؛ فالشعب جسم حي، يوجد في التاريخ وبالتاريخ وبالتالي القول بصيرورتها التي تقتضي مبدئيا التعديل والتغيير. لذا، فالوضع العادل يقتضي استحضار مبدأ الاحترام؛ فعدم احترامه من طرف المؤسسة الملكية إنما يراد به توجيه دلالات نصوص الدستور لتثبيت مشروعية السلطة؛ وفي هذه الحالة نصبح أمام استعباد الشعوب فجهل الشعب المغربي لحقوقه وواجباته بفعل عدد من العوامل أسس لانحراف المؤسسات فأصبح أمام التعسف والتسلط الذي يمارس باسم المؤسسات علما بأن أي دستور غمض أو عوم النصوص أو شرعن لعدم الإنصاف هو دستور شرعن ويشرعن لعرقلة إرادة الشعب على المستويين الانطولوجي والاجتماعي.فبناء الدستور يقتضي المشاركة وامتلاك الحرية بما هو أساس الاختيار الذي هو عقلا خدمة إنسانية الإنسان المغربي بغض النظر عن جنسه ولونه ومعتقداته. فالتنصيص الدستوري هو ضمانة عدم تسلط المؤسسات في التصرف وتحديد الخيارات واتخاذ القرارات التي منها ما هو مرحلي ومنها ما هو مصيري؛ إلا أن الدساتير المغربية منذ1962 قد تضمنت ونصت على الحكم المطلق للنظام الملكي أو قل للعنف بمعنييه المادي والرمزي لكن دون قطع شعرة معاوية بين الملك والمعارضة وهو ما أسفر في فترة التسعينات عن حصول التفاهم بينهما والذي تمت ترجمته في ما تمت تسميته ب"التناوب التوافقي" حيث حصل الاتفاق مع "الكتلة الديموقراطية" بتشكيل الحكومة بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي واعتماد "المنهجية الديموقراطية": وسؤالنا : توافق بين من ومن؟ وما معنى التوافق ذاك؟ألم يكن إلغاء أو تهميشا للشعب؟ ألم يكن توسيع وتشديد القبضة الحديدية أكثر لإعطاء مساحة أكثر لممارسة العنف بمعنييه وهذا معناه أن هذا التوافق قد حدث خارج مقتضيات وأحكام الدستور. إلا أن الوضع اقتضى، نظرا للسلبيات التي أصبحت مهددة للنظام والطبقة الكمبرادورية، تعاقدا جديدا أفرزه الحوار بين النظام والكتلة الديموقراطية تم تنظيمه بنصوص أخرى تم التوافق حولها حال حصول ذلك. وهذا التوافق تحكمت فيه على مستوى الكتلة الديموقراطية، خلفية رهان انتقال النظام الملكي من إطلاقيته إلى نظام سياسي ينظم وفق نصوص وقواعد دستورية وهو ما يطلق عليه الملكية البرلمانية حيث تتم إعادة توزيع السلط بنصوص دستورية بين المؤسسة الملكية والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل متوازن وعادل ؛ لكن الذي حصل هو تزكية التعاقد ذاك ومساهمته في إضفاء الشرعية على ممارسة العنف خاصة منه الرمزي من خلال توظيف الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلام بما في ذلك الأغنية. ولا يفوتنا تسجيل أن تغيير الدستور الذي قلنا أنه شرع منذ 1962 لشرعية ومشروعية الملكية المطلقة، كان من أهم مطالب حركة 20 فبراير التي فيها من رفع شعار الملكية البرلمانية ومن رفع شعار النظام الرئاسي مطالبين بتغيير الدستور ومحاربة الفساد والمفسدين. وفي هذه الموجة من النقاشات ؛ول إعادة بناء الدستور، بادر الملك بتعيين لجنة منتقاة مكلفة بإعادة صياغة الدستور وهو ما اعتبرت جهات يسارية ديموقراطية اشتراكية في كونه،على هذا الأساس، لا يعدو كونه دستورا ممنوحا لتهميش الشعب وتثبيت آليات السيطرة إذ اللازم،في نظر الجهات المعارضة تلك، هو اعتماد قاعدة المجلس التأسيسي باعتباره الممثل الأكثر شرعية وعدالة لإرادة الشعب. ومن هنا نرى أن تعيين تشكيلة اللجنة تحكمت فيها فلسفة النظام المتمثلة في قدسية مبادئ النظام الملكي من جهة، وتصوره السوسيولوجي لها المتمثل في الجمع بين أفراد أو قل تيارات ذات توجهات ومصالح متباينة بل ومتناقضة: تيارات يسارية وأخرى يمينية وأخرى علمانية وأخرى إسلاموية ناهيك عن مشاكل كيفية حل التناقضات بين المبادئ الكونية والأخرى الخصوصية. وبطبيعة الحال قلنا أن هذا وضع مدروس له خلفيته التي فرضها ميزان قوته المادية واللوجيستيكية والأيديولوجية. لذا، تمكن الدستور المغربي الجديد 2011 من إلغاء مساهمة وإشراك الشعب بشكل دبلوماسي وتعويضه بما سماه مكرا بالاستفتاء الشعبي على الدستور. فالإرادة السليمة للدستور ليست في حقيقتها سوى إرادة الشعب باعتباره بنية تتشكل مبدئيا من أعضاء متساوين من حيث الحقوق السياسية وحق المشاركة وإبداء الرأي بصدد الشؤون العامة. وهذا، بطبيعة الحال،كما قلنا، يقتضي حصول العقلانية التي نجسدها خاصة في حصول الوعي والممارسة وفق آلياته؛ فلا نجاعة للمؤسسة سياسيا وإداريا بدون وعي؛ فإذا كان الدستور هو سلطة الشعب،فإن نجاحه مرتبط حتميا وجدليا بمستوى وعي الشعب ذاك الذي يتضمن الوعي بمعنى وجوده على المستويات المادية والمعنوية من قبيل إشباع الرغبات، تبني القيم الايجابية، تحمل المسؤولية، الدفاع عن الحرية، حق الشراكة في صنع واتخاذ وصياغة القرارات، استحضار الحاضر والمستقبل. فمنطق الوجود يقتضي الوعي بالمصلحة العامة لا التضحية بها لصالح جهة أو فئة من الفئات. لهذه الأسباب وغيرها يمارس النظام سلوكه باستثماره هذا الوضع فغابت المراقبة والمتابعة التي من المفروض ممارستها من طرف الشعب صاحب الشرعية والمشروعية التي ليست في مضمونها وشكلها سوى الدلالة الانطولوجية والسوسيولوجية للشعب ذاك في مقابل التصور الفلسفي المتمثل في البناء الفوقي والنخبوي للدستور وبالتالي الدونية البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب ذاك الذي تمثل في الاعتقاد بوجود نظام يعتبر ذاته هو الشعب تليه طبقة كمبرادورية تعتقد بدورها أحقيتها في ممارسة سلطاتها انطلاقا من سلطة النظام؛ وعليه، فمواجهه لهذا النمط السياسي كانت وما زالت النضالات والانتفاضات والاحتجاجات تعمل على تفنيد هذا التصور لصالح تصور آخر لمعنى الدستور، تصور يتحدد في ضرورة احترام كرامة الإنسان المغربي من حقوق طبيعية واجتماعية وقيمية.
لذا، نقول أن الدستور ذاك إذا أراد أن يكون سليما في توجهه ومقتضياته وفصوله وجب أن يكون تعاقدا بين مكونات الشعب الذي فوض تنفيذه إلى مؤسسات الدولة.إنه التصور الذي يحدد الأسس العامة التي يجب أن يرتكز عليها الدستور والتي من خلالها يتم تسطير بنيته الداخلية؛ وكل خروج عن الدستور بمعناه الفلسفي ذاك يعتبر ممارسة تسلطية للسياسة بتحميل النصوص ما لا تحتمل أو قل تأويلها وفق ما تقتضيه المصلحة الطبقية، فيكون اللجوء إلى مختلف أشكال القمع والظلم وانتهاك حقوق الإنسان والحيوان والنبات والطبيعة.
إذا كان الدستور السليم، باعتباره أهم المؤسسات الكبرى للدولة، لا يعدو كونه الإفراز الجدلي لمكونات الشعب تحكمه فلسفة كونية أو قل غاية تتمثل في البحث عن إسعاده وضمان حريته، فإن ما يميز الدستور المغربي هو تهميش الشعب بأساليب متباينة وهو الوضع الذي لا تحيد عنه باقي المؤسسات من تشريعية وتنفيذية وقضائية كما سنرى في أوراق لاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟