الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمرُك سبعون! إذن، اترك مقعدك لأني أكبر منك!!

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 6 / 27
كتابات ساخرة



أكثر أصدقائي في الصالة الرياضية التي انتظمتُ فيها قرابة العامين بنصائح صحية للتخلص من ارتفاع ضغط الدم كانوا بين الخمسين والستين من العمر- جملة اعتراضية طويلة: نرث من بلادنا وأحوالها وما يدور حولنا فيها ولو في الغربة ما لا يعرفه من أفراد الشعوب الأخرى إلا في أواخر الخمسينيات من أعمارهم، وأقصد هنا تحديدًا العادات الغذائية وكيفية التعامل مع أجسامنا بشكل عام، اهتمام الناس هنا بالرياضة ليس من باب الرفاهية وإنما من منطلق أنَّ الأداة التي نعيش بها هي أجسامنا وعلينا الاهتمام بها إن كنا نريد أن نعمل ونكسب النقود ومن ثم نستطيع الاستمتاع بالحياة - كان هناك الكثير من الشباب بالطبع. كما أن الصالة الرياضية هنا مثلها مثل صالونات الحلاقة لا تعرف فرقًا بين رجل وامرأة. لا يتحدثون الانجليزية. لا يتحرجون من بدء الحديث مع ذلك الأجنبي على عكس الشباب الذي يتردد طويلاً قبل أن يقترب منك. فإن بدأك السلام يومًا. وجدته يقتربُ بشكل غير متوقع ويسأل عنك لو غبت أو تأخرت.

ذات مرة سألتُ ذلك الرجل الذي أحببتُ إخلاصه في التدريب- وكان في منتصف السبعينات- عن سر اهتمامه بالرياضة. قال لي " أنا أدخر بعض العضلات الآن لزمن قادم لن أستطيع فيه أن أكون أي عضلات"!!!! يا الله. في الخامسة والسبعين ويحلم وما يزال يريد المزيد من الاستمتاع بالحياة. كبار السن هنا وأقصد من فوق الستين ليسوا عالة على أحد. على الأقل صحيًّا. يتريضون ليل نهار. يأكلون جيدًا. يتعلمون فن التغلب على الوقت بالمرح والانضمام لمئات النوادي الخاصة بهم؛ نوادي طلوع الجبال، السفر، الغناء الجماعي، العزف، الدعوة الدينية، تنظيف المدينة مقابل أجر. سيكون مألوفًا لك وأنت خارجٌ من منزلك صباحًا أنْ ترى عددًا كبيرًا من كبار السن بسترات من اللون نفسه. كل منهم يُمسك كيسًا بلاستيكيًّا، وملقاطًا كبير من الحديد لجمع الأوراق والقمامة من الأرض. لو دخلت المطاعم التقليدية، ستجد العشرات من كبار السن في العمر نفسه تقريبًا يأكلون ويضحكون. لن تجد لهم وجودًا تقريبًا في مطاعم البيتزا أو المطاعم الحديثة على الطراز الغربي أو المقاهي.. حيثما وجدتهم؛ ستسمع جلبة لطيفة وفي غاية الطرافة وستضحك كثيرًا لو كنتَ تتكلم اللغة الكورية. ففي مقاعد كبار السن في المترو مثلاً؛ أحيانا يتعاركون- بشكل في منتهى خفة الظل- لأن أحد الواقفين فوق السبعين يتهم ذلك الجالس بأنه أصغر منه سنًا ثم يسأله بلغة تتجنب مستوى التبجيل والاحترام كما لو كان يكلم طفلاً صغيرًا عن عمره. ثم يطلب منه أن يترك المقعد لأنه أكبر منه!

كنتُ ذاهبًا إلى العاصمة خلال فترة امتحانات الدكتوراه. كنتُ منهمكًا في مراجعة بعض المعلومات طيلة الطريق. مقعدي كان المقعد قبل الأخير. المقعد الأخير صفٌ من خمسة كراسٍ أعلى من كل الكراسي الأخرى على جانبي الباص. كان يجلس عليها خمس سيدات في الستينات. حديثهن كان مبهجًا عن الأيام الخوالي والحب الأول والزواج. ضحك وغناء. وفجأة قالت إحداهن: لقد أزعجنا هذا الأجنبي. هو يريد أن يقرأ. فلنسكت قليلا. كان هذا بعد أكثر من ساعة ونصف تقريبًا! " نظرتُ إليها قائلاً بالكورية: " لا بأس يا خالتي. أنا في الحقيقة عندي امتحان لكني مستمتع جدًا بحديثكن." بعد اندهاش من ردي عليها بالكورية وأني فهمت كلامهن. تمنت لي النجاح. وأذكر أني أديتُ أربع امتحانات في ست ساعات بينها نصف ساعة استراحة بشكل متميز ولله الحمد.

كبار السن هنا لا يسندهم أحد. لا ينتظرون الموت بل يبحثون عن الحياة. كثيرون منهم ورثوا تقوسًا حادًّا في العمود الفقري. لكنهم يدفعون عربة كعربات الأطفال- تستخدم فقط للمساعدة على حفظ الاتزان والسير بسهولة- ويذهبون للحدائق والمتنزهات. أما عن خفة ظلهم. فحدث ولا حرج؛ ذات مرة. كنتُ في الأتوبيس داخل المدينة. ركبت تلك العجوز ووضعت عملات معدنية في المكان المخصص لمن لا يحملون كروت المواصلات. أشار العداد أنها ناقصة "مائة وون كوري". فقال لها السائق: ضعي بقية النقود لو سمحت. وكرر السؤال بعد أن تظاهرت بالتجاهل. فسألها: أين تنزلين. قالت: الباب الجانبي الثاني لجامعة "تشونام". فقال لها. ضعي "مائة وون لو سمحت". قالت: ليس معي. لكني أستطيع أن أنزل عند سوق "مال باو" لو كان هذا سيرضيك". ضحك الجميع. وسكت السائق. هذا السوق يسبق المحطة التي ذكرتها أولاً بثلاث محطات. ضحكتُ أكثر من اللازم. ليس لأنها عرضت مثل هذا الحل الظريف. ولكن لأني كنتُ متأكدًا أنها ذاهبة إلى ذلك السوق أصلا!!!

محمود عبد الغفار غيضان
27 يونيو 2013م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل