الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة المصرية: ما لها، وما عليها

وليد الحلبي

2013 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في أوضاع كالأوضاع التي تعيشها دول الربيع العربي، تكون الكتابة في الشأن السياسي أصعب من السير على حبل سيرك، إذ لن تجد في قرائك من يتمثل قول الشافعي (رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ)، بل ستجد نفسك وقد أصابتك سهام النقد حتى لتتكسر النصال على النصال.
فالذي يحدث في مصر هذه الأيام - وكونها قلب العروبة، إن توقف ماتت بلا أسف عليها- يدفع كل ذي اهتمام بشأنها أن يدلي بآرائه، متجنباً الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، خاصة إن لم يكن حزبياً، فما بالك إن لم مصرياً، ومع أن المثل يقول (أهل مكة أدرى بشعابها) إلا أن وسائل الإعلام التي تدخل غرف نومنا بلا استئذان، سمحت لغير أهل مكة بمعرفة شعابها، ربما أكثر منهم. فبعد التضحيات الجسام التي بذلتها كافة فئات الشعب المصري للتخلص من (كنز إسرائيل الاستراتيجي) وعصابته التي باعت مصر كأسوأ ما يباع العبد في سوق النخاسة، كان لا بد من إجراء الانتخابات لاستطلاع رأي الشعب في من يحكمه، وكان من البديهي لحركة الإخوان المسلمين، الضليعة في التنظيم والحشد، أن تفوز بانتخابات الرئاسة وغيرها من الانتخابات التي جرت عقب نجاح الثورة، فقامت قيامة باقي القوى السياسية، محتجة على نتائج الانتخابات، دون أن تتهمها بالتزوير، ذلك أن القضاة كانوا قد أشرفوا عليها، فلم تقدم طعون ضدها، إلا أن النخبة السياسية المعارضة للإخوان قد تجاهلت دورها في تسهيل وصول الإخوان إلى السلطة، فقد دخلت تلك النخبة المعركة الانتخابية متشرذمة، دون أن تستطيع توحيد صفوفها، كما أنها قبلت بوجود شخصيات ضعيفة ومشبوهة بين قياداتها، فعمرو موسى هو أحد أركان نظام حسني مبارك، فقد كان وزير خارجيته، وأمين عام للجامعة العربية، بإنجاز في كليهما يتجاوز اللاشيء بشيء قليل، وربما كانت المناظرة التي جرت بينه وبين عبد المنعم أبو الفتوح واحدة من مهازل ما قبل الانتخابات الرئاسية، خاصة عندما رفض الإقرار بأن إسرائيل هي عدو مصر الأول، أما محمد البرادعي الذي يعرف مصر جيداً على الخارطة فقط، والذي كان إنجازه هزيلاً عندما كان رئيساً للجنة الدولية للطاقة الذرية، بحيث اعتبره الكثيرون – خاصة خلال أزمة الغرب مع العراق قبل غزوه – بأنه موظف تابع للإدارة الأمريكية، كما أنه اشتهر بمطالبته الغرب صراحة بالتدخل في الشأن المصري، أما حمدين صباحي، فلم يكن يزيد حجمه عن كونه صحفي عروبي ناصري، أسس حزب الكرامة عام 97، وحصل على ترخيصه بعد نجاح الثورة، مع الكثير من النوايا الطيبة. هذه الهيئة التي تسمى نفسها هيئة الإنقاذ الوطني، لم تستطع التوافق على أفضلها، وهو صباحي، لكي ينافس على منصب الرئاسة، فانفرط عقد أصوات أتباعها، مما مهد الطريق لكي يفوز محمد مرسي، والذي انتخبه المصريون نكاية بأحمد شفيق، رئيس وزراء أواخر عهد مبارك، الذي كان السماح له بخوض الانتخابات الرئاسية واحد من أغرب ما حصل في أعقاب الثورة.
هذه الأيام تتهيأ القوى غير الإخوانية لمليونية يوم 30 يونيو الجاري لإسقاط محمد مرسي، غير مدركة أنها بذلك تؤسس لنسف الأساس الحقيقي لمؤشر الديمقراطية (صندوق الانتخاب) ذاك الذي تتجاهل قوى المعارضة قيمته في العملية الديمقراطية، فلو استطاعت قوى المعارضة إسقاط محمد مرسي وجاءت بغيره، ألن يكون ذلك سابقة تؤسس لأنصار مرسي الحق في اتباع نفس الأسلوب لإسقاط الرئيس الجديد؟، وعلى فرض أن الرئيس قبل، أو أن الجيش أجبره على قبول انتخابات مبكرة، ثم فاز مرسي بها، فماذا سيكون موقف المعارضة؟ هل ستقبل به رئيساً، أم أنها ستعيد الكرة وتنزل إلى الشوارع؟، غير أن موقف المعارضة هذا يشي بخوفها من الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية، وعدم ثقتها بدعم الجماهير لها يوم يقول الصندوق كلمته، تلك الانتخابات التي إن فازت بها، ستكون قادرة على لجم رئيس الجمهورية، والحد من تصرفاته التي لا تعجبها. معروف عن التظاهر في النظام الديمقراطي أنه يكون بالحصول على ترخيص من السلطات، فيحمل المتظاهرون لافتات تعبر عن مطالبهم، ويسيرون في خط سير محدد لهم سلفاً، وعند انتهاء المظاهرة، ينفرط عقدهم، ويتوجه كل منهم إلى بيته، أما المرابطة في الساحات أياماً وليالٍ، وإحراق مقرات الأحزاب والشرطة، ومحاصرة القصر الجمهوري وقذفه بالمولوتوف، فهذا ما يستدعي إطلاق النار على فاعليه سواء في أوربا أو في الولايات المتحدة، وعندما تشكك المعارضة بشرعية الحكم، متذرعة بقلة عدد الناس الذين يذهبون إلى صناديق الانتخابات، فهي تتمحك بعذر غير منطقي، فالذهاب إلى ممارسة الحق الانتخابي هو حق أصيل، من تنازل عنه بمحض إرادته، فله الحق في ذلك، لكن ليس له الحق في رفض نتائج انتخابات لم يشارك فيها، حيث كان يمكن له أن يذهب إلى الصندوق لكي يقول لا، فيغير من نتيجة الانتخابات، بمعنى أن المعارضة لم تستطع تنظيم وحشد جماهيرها، ومن ثم إقناعها بالذهاب إلى صندوق الانتخابات لكي ترفض ما استفتيت عليه.
ثم إن الحديث عن الجيش والقضاء المصريين بهذه الطهارة، أمر لا يستقيم مع واقع الطبيعة البشرية، فالقاضي والجندي بشران، يمكن لهما أن يصيبا وأن يخطئا، لكن لمصر توأمها السيامي المقدس (الجيش والقضاء)، اللذان يحرم لمسهما من قريب أو بعيد، فهما فوق الشبهة والاتهام، مع أن بعض قيادات الجيش متهمة بالتعامل غير الحميد مع الأمريكان، كما أن الاتهامات بالرشوة تلاحق بعض القضاة، وليس هذا بالمستهجن، فمن يراجع سيرة القضاء الإيطالي المعاصر، يعرف أن رئيس الوزراء (بيرليسكوني) قد برأه قضاء بلاده من تهم ثابتة عليه ثبوت التهمة على إخوة يوسف، كما أن القضاء المصري قد برأ حسني مبارك ومعظم قياداته، بينما يتجاهل ذلك سامح عاشور، نقيب المحامين السابق، ويطالب بمحاكمة محمد مرسي رئيس الجمهورية، مع استحالة هذا الأمر قانونياً.
صحيح أن الإخوان المسلمين قد نقضوا عهودهم التي قطعوها بالتعاون مع باقي الفئات السياسية، وهذا محسوب عليهم لا لهم، ويستحقون أن يلفظهم صندوق الانتخاب خارج السلطة غير مأسوف عليهم، لكن التصرف حيالهم اعتماداً على شارع يمكن شراء البلطجية فيه بدراهم معدودة، وخطر صدام يمكن أن يؤدي إلى كارثة وطنية، ربما يجد الجيش المصري نفسه بسببها في موقع لا يريده، وهواستلام السلطة، كل ذلك ليس هو الحل الديمقراطي الذي ينبغي على المعارضة المصرية أن تتبعه، هذا إن هي أرادت الوصول إلى سلطة فقدتها بجهلها وطمعها وتشرذمها.
27 يونيو 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب